إيمان … فتاة في تعز تؤسس لمشروع طموح
تعز / وهب الدين العواضي :
مع استمرار الحرب في البلاد ومواصلة أطراف الصراع على الإقتتال، إتخذت المرأة اليمنية منحىً مختلفًا، ليصبح لها حضورًا لافتًا وفاعلاً في المجتمع على كافة الأصعدة خصوصًا الإقتصادي والتنموي، إذ إتجهنّ الكثير من النساء إلى سوق العمل وإنشاء مشاريع نسوية مختلفة وجديدة.
إيمان حميد العريقي، هي واحدةٌ ممن كان لهن مشروعًا خاصًا بها، وقامت بتأسيس مشروع “مَزَجَان كافيه” وهو أول مشروع كافيه بمدينة تعز بمواصفات عصرية حديثة، متاحًا للذكور والإناث، وتقدم فيه القهوة والمشروبات الباردة بكافة أنوعها ووصفاتها المحلية والخارجية.
لتستعيد مزاجك
تقول إيمان بأن المشروع لم يأتي كوسيلةٍ لكسب المال أو مصدر دخل بقدر توفيره لخدمات جيدة ومتميزة للناس، ومكان مناسب لإستعادة أرواحهم وتعديل مزاجهم، والخروج من حالة الكَبْت التي يعيشوها جراء استمرار الحرب في البلاد.
وتضيف لـ”مشاقر”، “مزجان يعتبر أول مشروع في الكافيهات داخل تعز، ويعتبر مكان ترفيهي للناس والترويح عليهم”.
اِعتاد الكثير من الناس لا سيما الطبقات المثقفة والمخملية على ارتياد الكافيه، الذي يضم موظفين من شباب وشابات، بشكل يومي لإرتشاف القهوة والمشروبات وقضى أوقات مع أصدقائهم أو للقراءة والإطلاع، بالإضافة إلى عقد إجتماعات ولقاءات، وجلسات شعرية، ودروس خصوصية تقوم بها معلمات، وورش عمل وتدريبات للشباب.
تتابع إيمان ” الكافيه لبى رغبات الكثير من الناس، هناك من يحب القهوة ووهي من ضمن طقوسه الصباحية ، وهناك من يرغب في مكان يعم فيه الهدوء والروقان ليستجمع أفكاره”.
في بداية الأمر لم يلاقِ الكافيه قبولاً كبيرًا من قبل المجتمع المحافظ بطبيعته، بعكس الطبقات المثقفة منه التي أبدت ترحيبًا واسعًا تجاهه، خصوصًا وأن وجود كافيه بمواصفات عصرية ومتاح للذكور والإناث معًا وتديره امرأة، إذ انتشرت إشاعات بأنه مكان للتجمع واختلاط بشكل غير أخلاقي، وهناك من كان يدعو لإغلاقه، لكن تقول إيمان بأن نظرة المجمتع للكافيه لاسيما الشريحة المتشددة والمتحفظ منه تغيرت بشكل إيجابي حاليًا، بعد أن عملت على إستضافتهم للكافيه وإضاح الفكرة والإجابة على تساؤلاتهم.
وتشير في حديثها لـ”مشاقر” إلى أن الكافية يعتبر عام ومفتوح للكل للبنات والشباب وللعائلات، ولا يحوي غُرف خاصة أو ستائر أو أماكن منفردة، أو أي شيء يدعو للغرابة أو الشك.
مدربة في الإقتصاد المنزلي
تعتبر إيمان أول مدربة في الإقتصاد المنزلي بتعز، وعملت على تدريب الكثير من الشباب والشابات في مدارس تعز الثانوية على الإقتصاد المنزلي وإدارة الأعمال بطُرق صحيحة ومفيدة له وللمجتمع ضمن مشروع تبنته منظمة GIZ، بحسب إيمان.
وترى إيمان أن الإقتصاد المنزلي له أهمية كبيرة في حياة الفرد وهو سلوك في حياته، ويعتبر علم واسع وتخصص يجري تدريسه في المدارس والجامعات على مستوى العالم، ويفترض أن يتم إعتماده في المنهج التعليمي في اليمن.
وموخرًا ظهرت كافيهات مماثلة لمشروع إيمان، وعلى نحوٍ مختلف قامت إيمان بتدريب موظفين تلك الكافيهات وتأهليهم لإدارتها بشكلٍ سليم، تقول” فعلنا دورة قبل ثلاثة أشهر للكافيهات لتأهيلهم على الإدارة والرؤية الجيدة وتشجيعهم لجعلها بالمواصفات عصرية تقدم خدمات متميزة للناس”.
زخمًا تنافسيًّا
خلال سنوات الحرب الأخيرة، إتجهت الكثير من النساء إلى سوق العمل وإنشاء مشاريع صغيرة خاصة، جزء منها كانت الظروف المادية الناتجة عن تردي الوضع الإقتصادي، دافعًا لهن للعمل، والجزء الأخر جاءت نتيجةً لسعي المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في اليمن على تشجيع المرأة للعمل وتمكينها إقتصاديًا ودمجها في المجتمع، وهو الأمر الذي تغافلت عنه الدولة قبل الحرب وأثناءها في الوقت الحالي.
وشهدت المشاريع النسوية زخمًا تنافسيًّا بين النساء لإنشاء مشاريع مختلفة ومتعددة، بأفكار ورؤى جديدة، إذ يصل إجمالي المشاريع التي تبنتها المرأة بشكل خاص في مدينة تعز إلى 220 مشروعًا داخليًا في المنزل أو خارجيًا في الأسواق، بحسب الغرفة التجارية بالمحافظة.
ويرى أستاذ علم الإجتماع بجامعة تعز ونائب مدير الشؤون الإجتماعية بالمحافظة، الدكتور محمود البكاري، أن قيام بعض النساء بتأسيس مشاريع صغيرة يُعد بادرة طيبة على وجود دور ومشاركة فاعلة من المرأة في عملية التنمية، ولها كل الحق أن تختار ما يناسبها من المشاريع الصغيرة المدرة للدخل لمكافحة الفقر والبطالة.
مساندة المجتمع
اعتادت المرأة على إقتصار عملها كربة منزل تقوم بإعداد الطعام وتربية الأبناء، باعتبارها عادات وتقاليد فرضها المجتمع، وأصبح عملها خارج المنزل أو خرجوها إلى سوق العمل وتأسيس مشروع خاص بها، تصرفًا لا يحبذه المجتمع ويربطه في أمور إخلاقية ودينية.
تقول أيمان بأن المرأة عملها ليس محصورًا في المنزل وعليها أن تغيير من واقعها، وتقوم بالبحث عن فرصة عمل وأفكار لتأسيس مشاريع، وستنجح في ذلك من خلال إرادتها وإصرارها وكسر الخوف من المجتمع الذي من المفترض أن يعمل على مساندتها وتشجيعها.
وبهذا الخصوص، يعتقد البكاري أن النماذج من المشاريع التي حققت نجاحات ستعمل على تشجيع المرأة على إنشاء المزيد من المشاريع الإنتاجية، ويجب على المجتمع أن يتعاطى بإيجابية مع هذه النماذج ودعمها على الأقل معنويًّا، بالإضافة إلى قيام الجهات المختصة بتقدم التسهيلات اللازمة لسيدات الأعمال للمزيد من الارتقاء في هذه المشاريع.