الفتاة التي لم تهشّم المدينة إرادتها!
تعز / نهاد البحيري :
أقولها لهم في كل مرة أنا ابنة القرية، ما زلت ابنة حيفان تلك التي لن تغير المدينة روحها وإن غيرت ملامحها ابنة الأرض التي تعانق السحاب وتنبض مع الشمس في كل انبثاق جديد، هكذا تعرّف عُلا الأغبري بنفسها؛ لتكشف عن تلك الفتاة التي قاومت كل ما وقف في وجه طموحاتها لتصل إلى ما تريده رغم العقبات الجسيمة التي اعترضت طريقها.
تقول عُلا: غادرت قريتي في عمر الثامنة عشر لأكمل تعليمي الجامعي في مدينة تعز، أنحدر من أسرة ترى في التعليم بصيص نور وتدفعني نحوه، وكأي فتاة آتية من الجبل لم أملك فكرة عن التخصصات وبدون تفكير اخترت الهندسة، وبين زحمة الأرقام والمساطر الطويلة أيقنت بأن هذا المكان لا يناسب شغفي بل يردم ما تبقى منه وبعد تفكير عميق حوّلت تخصصي إلى كلية الحقوق ومن هذه النقطة كانت بدايتي، ببساطة “لقيت نفسي”.
الخطوة الفاصلة
أسست عُلا مبادرة (معاً نحو جامعة أرقى) في بداية دخولها كلية الحقوق وذاع صيت المبادرة بسبب أعمالها المتنوعة في الجامعة وأضافت عُلا بصوت مليْ باليقين: “الشخص الذي عنده قضية كل الأبواب تنفتح بوجهه”.
وبسبب الأحداث التي مرت بها اليمن عام 2011 والجهود الشبابية التي تلت هذه الفترة لمعت أسماء شبابية حاولت الابتعاد عن السياسة واهتمت بتنمية المجتمع وكان لعُلا الأغبري حضورها، تقول عن ذلك: أثناء الحوار الوطني استُعملت صورتي على لوحة إعلانية مع عبارات عن دور المرأة في تشكيل المرحلة الانتقالية باليمن وعرّفوا بي كناشطة حقوقية وهذه العبارة فتحت لي أبواب رغم أنها لم تكن دقيقة.
في العام 2013 اختيرت علا من قبل المعهد الديمقراطي (NDI) كإحدى النساء المؤثرات على مستوى اليمن وحصلت على لقب أصغر متحدثة في منصة تيدكس عام 2014، وتوسعت أعمالها ضمن اهتمام محلي ودولي بالشباب في ظل المرحلة الانتقالية حينها.
ويلات الحرب
الحرب في اليمن لا ترخي أنيابها إلا لإعادة غرسها بشدة أكبر ومن محاولة النهوض غرقت اليمن أكثر في دوامة الصراع وأتى 2015 ليهشم مجاديف الاستقرار، كل الموازين انقلبت، توقفت الحياة وأصبح هاجس النجاة يشغل كل من في تعز، مشارعينا التنموية توقفت وبقي السؤال “أيش الي بيوقع بكره !؟” قالتها عُلا هذه المرة بصوت محشرج يوحي بالضياع وأكملت: ” دخلت في دوامة وكل زملائي انتقلوا للعمل الإنساني وجدت نفسي معهم وساعدنا الصليب الأحمر في نقل جثث القتلى وإسعاف الجرحى، فقدت الكثير من زملائي خلال هذه الفترة، وفقدت جزءًا من روحي، والبنت التي ما قدرت الحياة تسرق منها شيء قدرت الحرب تسرق ذاكرتها”.
لم تسلم عُلا كغيرها من ويلات الحرب ومن هول المناظر التي عاشتها فعانت من فقدان جزئي في الذاكرة وتغيرت حالتها النفسية كثيراً نحو الأسوأ، رافقها فقدان في الوزن واكتئاب، وهذه حالة رافقت الكثير من ضحايا الحرب كتبعات نفسية.
عودة الشغف
ولكن عُلا قررت أن تعود لتعانق الحياة وحصلت على زمالة رواد الديمقراطية في بيروت وعملت مع الفريق اللبناني لتحويل الصراع peace labc) )، “ساعدتني هذه الزمالة كثيراً لأخرج من الحالة التي سُجنت فيها وقررت ما أكون ضحية للحرب، تقول علا.
عُيًنت بعد تم اختيارها مع قبل منظمة اليونيسيف المكتب الإقليمي كباحثة وصانعة حلول على مستوي الشرق الاوسط وشمال أفريقيا كما تم اختيارها كأحد ستة مشاركين ضمن مجلس استشاري عقد في قمة عن التكنولوجيا تحت عنوان (لا لضياع جيل) عام 2019، واختيرت ضمن عشر نساء مؤثرات للمشاركة في جلسات تشاورية مع المبعوث الأممي في عمّان، وفي عام 2020 باتت عضوة في التوافق الشبابي للأمن والسلام الذي يضم 30 شابًا وشابة من الناشطين والعاملين في مجال السلام وحفظ الأمن من مختلف المحافظات.
طاقة لا تنضب
في متاهة الأنشطة والفعاليات التي انخرطت فيها عُلا وبالوقت الذي انزاح عنها مسمى ناشطة حقوقية عادت لمجال التنمية بعد أن طورت من نفسها مهنياً وكسبت خبرة كافية.
تقول علا: في طريقي لإنشاء مؤسستي تعرّضتُ للكثير من المعوقات أعظمها غياب الدعم المادي في البداية والحصول على الترخيص لشباب سبأ منظمة مجتمع مدني تهتم بتمكين الشباب وتثقيفهم وتنمية مهاراتهم، عمر المؤسسة الفعلي سنة لكن برامجها وأعمالها توحي بعراقة الفكرة وقوة العمل وتعرف حالياً باسم شيبا (Sheba) باهتمامات تضع المرأة أولوية على مستوى التمكين وصناعة السلام.
كما تعمل علا بشكل فردي ضمن جهود وساطة لفك الحصار عن تعز وتصفه بالوضع غير الإنساني وتم اختيارها مؤخرًا كأحد القادة الشباب المؤثرين والذين سيعملون بشكل وثيق مع مكتب هيئة الأمم المتحدة لتمكين المرأة.
تعمل علا بشكل فردي ضمن جهود وساطة لفك الحصار عن تعز وتصفه بالوضع غير الإنساني وتم اختيارها مؤخرًا كأحد القادة الشباب المؤثرين والذين سيعملون بشكل وثيق مع مكتب هيئة الأمم المتحدة لتمكين المرأة.
يقول الصحفي مكين العوجري عضو في تحالف شباب الأحزاب السياسية متحدثاً عن علا: وجود المرأة في هذا الظرف أمر في غاية الأهميّة وهناك أسماء كثيرة من النساء إلى جانب علا الأغبري لديهن القدرة على تحريك ملفات مهمة جدًا، وأصبحن يتصدرن المشهد في عدة أصعدة منها المجال السياسي، إنها نموذج حي للمرأة الشابة التي تصنع الفرص للشباب وللنساء في عدة مسارات على الجانب السياسيّ والاجتماعي.
ماجد الشميري ناشط حقوقي يؤكد بأن المشاريع والمؤسسات التي أنشئت مؤخرًا بأيدي الشباب ساهمت كثيراً في تنمية الجيل الناشئ، من أبرزها مؤسسة شيبا التي اكتسحت الساحة الشبابية بمختلف نشاطاتها منها تمكين الشباب والنساء في البناء المؤسسي للمكونات المدنية وأيضاً في تعزيز التعايش المجتمعي ومواجهة فيروس كورونا نحن بحاجة للمزيد من هذه الجهود في ظل الظروف الراهنة.
“الحرب قسمتنا، وفي نفس الوقت قوتنا أكثر، وعرفنا فيها أنه إذا ما ساندنا بعض فلن نلقى أحدًا يسند ضعفنا ” تقول علا لتؤكد بأنها تلك التي رفضت أن تعيش دور الضحية وآمنت بأن اليد التي تحاول النهوض لن تسقط أبداً، وهي دعوة للاستمرار في نفض غبار الحرب وللتحالف مع الحياة بكل الظروف.