fbpx

الفن مظلة التعايش

صنعاء_ سمر عبدالله الازرقي

شيماء نشوان 17 عامًا صغيرة بعمرها كبيرة بفكرها وكتاباتها، كاتبة قصص قصيرة وشاعرة تجيد الشعر الشعبي، بدأت الكتابة في سن ال 12 عامًا، تحكي لنا أنها وجدت التعايش الحقيقي تحت مظلة الفن والكتابة بعد اندماجها مع نخبة فنية من الموهوبين والأكاديميين من كافة الشرائح المختلفة في مشروع فننا تعايش، الذي شاركت فيه بموهبتها الكتابية والشعرية في البيت اليمني للموسيقى والفنون وأحدثت هذه التجربة نقلة نوعية في حياتها ومفاهيمها للحياة والتعايش بعد أن كانت تكمن صعوبة التعايش لديها في انعزال أنشطتها وموهبتها وموهبة الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة بعيدًا عن المجتمع، وهذا يكمن بسبب الرسالة القاصرة التي كرسها الإعلام تجاه فئة ذوي الاحتياجات الخاصة وإظهارهم بمظهر عدم القدرة رغم الإمكانيات والقدرات الإبداعية، بالإضافة إلى الجهل والمعتقدات المكرسة الخاطئة وعدم احتكاك المجتمع ببعضه؛ لكنني تجاوزت هذا الانعزال بالاندماج والتعايش مع كافة شرائح المجتمع وتقبل آرائهم واختلافاتهم مهما كانت ومواجهة السلوكيات الخاطئة بالقيم الصحيحة التي تربيت عليها وهذا ما يمثل التعايش الحقيقي لأنه حينما يواجه الخطأ بالخطأ يحدث هنا فجوة التعايش التي تسببها ثقافة الأنا والجهل والتعصب.

تواصل شيماء حديثها ل (مشاقر) بأن الفن أفضل السبل لإيصال رسالة السلام لأن الفن موجه إلى جميع فئات المجتمع باختلاف أطيافهم، وعلى الفنان أن يكون متوازنًا نفسيًا لكي يستطيع إيصال رسالة التعايش والسلام.

تقول شيماء إن انطلاقتها بدأت من خلال مشاركتها في كتابة نصوص غنائية وتمثيلية من مسرحية متعايشين التي عرضت في البيت اليمني للموسيقى تحاكي كل الأطراف اليمنية بجميع الشرائح وجميع الفئات لضرورة التعايش لتحقيق الاستقرار، ولاقى العرض المسرحي صدى إيجابيًا لدى الحاضرين.

وأنهت حديثها بأنها لن توظف موهبتها الكتابية لخدمة أي طرف ضد الآخر “مستقبلًا ستكون كتاباتي حبلى بإصدار كتاب خاص بي أكرس فيه رسالة التعايش بين جميع فئات المجتمع وأترجمها في كتاباتي من خلال خلق رسالة متوازنة تجمع بين شرائح المجتمع لا تفرق، وآمل من جميع الأطراف التعايش والحوار لأن الحل النهائي لأي صراع هو التعايش، فلماذا لا نلجأ إلى التعايش والحوار قبل خسارة الأرواح فنحن وجدنا في الأرض للإعمار لا للدمار”.

الفن يعكس التعايش

“الفن لغة الجميع ورسالة إنسانية موجهة للجميع بكافة أطيافهم“، هكذا ابتدأ كلماته الموسيقار الفنان فؤاد الشرجبي مدير البيت اليمني، موضحًا أن الفن يعكس التعايش الحقيقي لأنه الرابط الأساسي الذي يجمع كل الفئات رغم الصراعات والانفصال الحاصل، ومثال على ذلك في حفلات الأعراس، نرى الفنان يغني كل الألوان الغنائية المختلفة الصنعانية والحضرمية والتهامية واللحجية ونجد الحضور ينطرب معه ويتفاعل وتذوب كل الحساسيات المناطقية، حتى أن الفنان من أي منطقة كان يتقبله الجميع بعكس السياسي أو الإعلامي ومثال على ذلك الفنان أيوب طارش أينما تنقل أو تواجد يتلقى الحب والرحب من الجميع وغيره من الفنانين، كما أن الفن عمل جماعي دائمًا يعكس التعايش الموجود فمن الصعب إيجاد عمل فني متكامل بدون شراكة بين كادر العمل سواء الملحن أو الفنان أو الموزع.

وتدعم كلماته انديرا عطشان المدير التنفيذي للبيت اليمني بأن العمل الفني في الوقت الحالي يجمع كل الفئات على سبيل المثال نجد أغنيه صنعانية كاتب كلماتها من منطقة حضرموت ومن لحنها وغناها من صنعاء وهذه الشراكة تعزز التعايش.

فننا تعايش

يواصل الشرجبي حديثه ل(مشاقر):بأن البيت اليمني للموسيقى والفنون سعى لتقديم أنشطة ومشاريع مسرحية وفنية تهدف لتحقيق التعايش والسلام لتكون قدوة لتطبيق التعايش على أرض الواقع من ضمنها مشروع فننا تعايش، بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) والذي تم فيه جمع ثلاثين شابًا وشابة من الموهوبين من كافة شرائح المجتمع من نازحين وأكاديميين ومهمشين ومن ذوي الاحتياجات الخاصة تم دمجهم وإشراكهم في إنتاج أعمال فنية شهدت ولادة مسرحية متعايشين التي من خلالها خاطبوا كل اليمنيين بضرورة التعايش من خلال محاكاة الواقع اليمني والتعايش الذي افتقدوه في ظل الحروب والأزمات، وعبروا من خلال هذا العمل المسرحي مدى الضرر والخسائر الإنسانية البالغة بسبب الصراعات وعرض الثمار الإيجابية للتعايش الذي يحقق، السلام ويوصل الجميع لبر الأمان وقد لامس هذا العرض المسرحي مشاعر الحاضرين التي عبروا عنها بدموعهم في المشاهد المؤثرة بسبب الصراع وارتسمت ابتسامتهم في المشاهد التي رسمت المستقبل المشرق لليمن في حال التعايش ولاقى العرض الإشادة والاستحسان من قبل الجمهور الذي تخلله حضور شخصيات سياسية وفنية وإعلاميه وشخصيات عامة أبرزت تعليقاتهم الإيجابية مدى استشعارهم لقيمة التعايش وترسيخها في أذهانهم بعد متابعة العمل المسرحي الذي كان بمثابة ناقوس جرس لتنبيه الجميع بضرورة التعايش.

“مسرحية متعايشين لامست مشاعر جميع من حضر العرض، أثرت فينا مشاهدها البديعة؛ لأنها تحاكي واقعنا اليومي المعاش، وجسدت هذه المسرحية الكثير من المواقف الإنسانية وهي مواقف مؤثرة، فيها الكثير من صور التعايش والقبول بالآخر في إطار المجتمع الواحد بتنوع شرائحه”، هكذا عبر محمد سلطان اليوسفي عن مشاعره ووجهة نظره بعد مشاهدته للعرض المسرحي فننا تعايش الذي كان أحد حاضريه.

يتابع الشرجبي حديثه بأن البيت اليمني يسعى إلى تعزيز التعايش من خلال الفعاليات الفنية والثقافية التي تقام بين حين وآخر وتستهدف الجميع حتى الطلاب في المدارس وإشراكهم في أداء الأغاني الوطنية التي تزيل كل الفوارق ليترسخ حب الوطن والتعايش الحقيقي بالإضافة إلى اللقاءات الثقافية التي تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي كملتقى “كيان” الثقافي الذي يعني بالمسائل الثقافية ويجمع جميع المبدعين من كل المناطق، يتم فيه المناقشة بكل حب وود والتفاعل بإيجابيه دون تحيز أو فرض آراء ويمثل هذا الملتقى شكلًا جميلًا من أشكال التعايش.

صعوبات ومعوقات

رغم أن للفن رسالة إنسانية إلا أن القائمين عليه قد يجدوا صعوبة في تنفيذ الفعاليات والمشاريع بكل يسر وهذا يعود لإيديولوجيات سياسية في ظل الحرب بالإضافة إلى بعض الإيديولوجيات الدينية المتطرفة لأسباب النظرة القاصرة من بعض فئات المجتمع تجاه الفن بالإضافة إلى بعض العادات المجتمعية المتشددة تجاه الفن كما أوضح الشرجبي.

وتابع حديثة بأن الفنان ينبغي أن يكون على قدر من الذكاء والمرونة والتوازن حتى يستطيع تجاوز العقبات.

واختتم الشرجبي حديثه برسالة لجميع الفنانين والموهوبين بضرورة أن يتزودوا بالعلم في تخصصاتهم الفنية وأيضًا الثقافة التي تعزز قدرتهم في إخراج أعمالهم بشكل ناضج ومتوازن يحمل رسالة إنسانية متفانية ليس فقط للترفيه فالترفيه جزء من الفن، وفي النهاية الفنان قدوة ومؤثر فعليه أن تكون نظرته بعيدة لتقديم عمل لا يخجل منه مستقبلًا دون النظر إلى المغريات المادية والمعنوية وليكن عمله الفني أداة لتتعايش لا أداة للفرقة وأن يظل محتفظًا بتوجهاته وقناعاته الشخصية بعيدًا عن أعماله الفنية لأن الأعمال الفنية الموجهة عمرها قصير وتنتهي بانتهاء الحرب المؤقتة، ولا تبقى إلا الأعمال الفنية الجميلة التي تحمل رسائل إنسانية وتظل خالدة في وجدان المجتمع.

نماذج تحاكي السلام

حملة 100يوم فن

حينما تغني الصورة عن ألف كلمة من الوجع فإنها في أحيان أخرى تغني عن ألف كلمة من السلام والتعايش الذي حاول فيه بعض من هواة الفن التشكيلي صناعة وخلق صورة من التعايش والإيجابية بريشاتهم لخلق صورة الأمن والسلام الذي كان غائبًا على أرض الواقع وحاضرًا على لوحات جدارية معلقة تبعث الطمأنينة والحياة من خلال أعمالهم الفنية التي شاركوا فيها بعض الرسامين ضمن حملة مائة يوم من الفن.

وأوضح جلال الشميري الفنان التشكيلي أحد المشاركين في حملة 100 يوم فن ل(مشاقر): بأن هذه الحملة بدأ بمبادرتها الفنان التشكيلي وليد دلة بمنشور أنزله على صفحته تحت هشتاق #مائة_ يوم_فن بهدف نشر كل اللوحات التي تحاكي الإنسانية والجانب المشرق لليمن السعيد لتبعث في نفوس الناس الأمل والتفاؤل والطمأنينة بعد أن سئم الناس صور الحرب والدمار واستمرت هذه الحملة لأكثر من 100 يوم ولازالت مستمرة يتحدى فيها كل فنان تشكيلي فنانًا آخر بنشر لوحات تشكيلية من أعماله ولاقت هذه المبادرة استحسانًا وتفاعلًا حتى أنه تم مشاركة فنانين تشكيليين من خارج اليمن بعرض لوحاتهم الفنية.

أعمال فنية مرآة للتعايش

منذ اندلاع الصراعات والحروب على اليمن منذ بداية ثورات الربيع العربي وحتى الآن توالت على الساحة الفنية أغاني تحاكي السلام والتعايش بسبب الشرخ الطائفي والحزبي الذي سببته الحروب فكانت هذه الأغاني بمثابة جرس إنذار لضرورة التعايش ونبذ التناحر والعنصرية، على سبيل المثال أغنية أمين حاميم بعنوان (لا عنصرية)، والتي تتجلى معانيها بضرورة الوحدة وعدم الانقسام الطائفي أو المناطقي، كما عبرت كلمات هذا العمل الفني بأبياتها التي تعبر في مطلع أبياتها بهذه الكلمات، لا عنصرية لا لا لاطائفية لا لا هذا البلد واحد واحد من زمان، إشارة الى تعزيز مبدأ الوحدة والتعايش.

توالت بعد هذا العمل الفني أعمال مشابهة لفنانين آخرين على سبيل المثال فيديو كليب (يا رسول الله ليتك بيننا) للفنان عمار الشيخ وابنتيه آيات وشهد عمار والتي تحاكي رثاء للرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم و كيف وصلت أمة محمد من الشتات والفرقة بسبب عدم التعايش وبسبب عدم اتباع هداه ومنهجه الذي يدعو للتسامح والمحبة كما أوضح لنا قتيبة الصلاحي كاتب كلمات هذا العمل الفني الذي يبدأ مطلع كلماته

(يا رسول الله ليتك بيننا ليت تنظر كيف صاير حالنا ….. أمة الإسلام تحلم بالسلام والشتات ضيع حلمنا).

وتوالت أعمال للتعايش منها كليب (لحظة هذا يومنا) للفنان سالم فدعق والفنانة هديل والذي يدعو فيها هذا العمل الفني لضرورة التعايش والمحبة كما أوضح الفنان سالم فدعق، وقد جسد هذا الكليب أبهى صور المحبة والتعايش بين أبناء اليمن عامة بمختلف المدن والمحافظات والتي يغني في مطلعها الفنان سالم بهذه الكلمات: (لحظة هذا يومنا نتمنى نعيش متحابين…… واحد لون قلوبنا ما يوم نكون مختلفين).

فيديو كليب شعارنا إنسانية

شعارنا إنسانية أغنية غناها الفنان أيوب طارش عبسي صوت الأرض كما لقب وكما وصفته الكاتبة علاء الأغبري في كتابها لسان الوطن والحب وجمعت فيه كل القصائد التي غناها للريف والأرض والغربة والحب والحنين.

وفي هذه المساحة كان لنا لقاء متفرد مع صوت الأرض الفنان أيوب، أوضح لنا فيها ما الذي يحاكيه فيديو كليب شعارنا إنسانية وقال ل(مشاقر): إن هذا العمل الفني يعد من أبرز اعمالي الفنية التي تدعو إلى التعايش السلمي بين البشرية جمعًا بغض النظر عن هوياتهم وأديانهم، ذلك لأن جميع الأديان السماوية تدعو الإنسان إلى المحبة والرأفة والرحمة والعطف حتى على الحيوان ناهيك عن الإنسان الذي هو أكرم وأشرف المخلوقات ولولا ذلك ما بقي للحياة معنى.

وتأتي أنشودة رددي أيتها الدنيا نشيدي وهي التي صار جزء منها نشيدًا وطنيًا للدولة، الذي يدعو العالم كله للتعايش السلمي بين الأمم، “ولا تخلوا بعض أناشيدي والأغاني العاطفية من هذا المعنى السامي ولو بشكل غير مباشر وذلك من خلال تقديس الحب وتعظيمه في كثير من المواضع ومفردات بعض الأغاني”، مثل قولنا في إحداهن:

(يا حب يا ضوء القلوب البيض في ليل الحياة) “إننا ندعو الإنسان في كل بقاع الأرض أن يتقرب بالحب ويجعله وسيلة إلى حب الله الذي خلقه وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنه” بهذه الرسالة اختتم أيوب طارش حديثه معنا.

مقالات ذات صلة