الممثلات اليمنيات والضغوط الحاصلة عليهن
تعز / منال شرف :
كان من السهولة على عبير عبدالكريم إثبات مقدرتها الفنية منذ طفولتها؛ ما ساعدها على تقلد أدوار تمثيلية صعبة، وتحقيق شهرة مبكرة، لكنها في المقابل، لم تتمكن من الحفاظ على علاقات جيدة بصديقاتها، تقول عبير: “جيراننا كانوا يمنعوا بناتهم يماشوني، وبعض صحباتي قررن بإرادتهن إلغاء صداقتنا؛ كله عشان أنا ممثلة”.
بداية، وجدت عبير في الفن تنشيطًا للهواية، ثم وسيلة لتفريغ الهموم، كما تقول، حتى أصبحت ترى أن عمل المرأة اليمنية في هذا المجال “يحتاج الى الإصرار والصبر؛ كي تتحسن الأمور على المدى الطويل“.
لأنها ممثلة
تعمل الممثلة اليمنية وسط بيئة توصف بـ “المحافظة”؛ وهو ما يعرضها للمضايقات بشكل متكرر؛ نظرًا لتجرؤها على كسر الصورة النمطية للمرأة في المجتمع التي يسعى بعض أبنائه لترسيخها وإطالة عمرها تحت مسميات صون كرامة المرأة وعفتها، بحسب سالي المخلافي، وهي إحدى الفتيات اللواتي خضن تجربة التمثيل ثم تركنه سريعًا؛ لأسباب أسرية، تقول: “عادة ما تتلقى الممثلة كلمات جارحة من قبل المجتمع، يستمرون في الضغط عليها نفسيًا باستخدام كل الوسائل المتاحة، كالاعتداء والتعنيف؛ لاعتبارهم التمثيل خدش للحياء ومخالفة للأعراف والقيم الإسلامية، كما يقولون” ..
حال عبير وسالي لا يختلف، كثيرًا، عن أخريات ممن يعملن معهن في نفس المجال؛ إذ يتجه بعض أفراد المجتمع اليمني لقطع صلته بالعاملات في مجال الفن؛ في محاولة لردعهن عن هذا العمل، كما يخشى العقل الذكوري، بطريقة غير مفهومة، ما يصفه بتأثير النساء على النساء؛ فيعمد أصحاب هذا النوع من التفكير إلى استهداف النساء العاملات في ذات الحقل بخطاب كراهية، وعزل بناتهن عن التواصل معهن، بحسب مخرجين.
ويعزو المخرج المسرحي أحمد جبارة هذه التصرفات إلى ما يصفه بــ “عدم معرفة بعض أفراد المجتمع أهمية الفن، ودور الممثلة فيه؛ وهو ما يدفعهم لمحاولات تهميش الممثلة؛ فهم يرون أن مثل هذه الأعمال لا يقوم بها إلا أصحاب الطبقة الدنيا، ومن المعيب أن تعمل فيها بنات الناس المحافظين حد تعبيرهم“.
مبررات عدة
وعلى عكس ذلك، ترجع سمية الجرادي ما تتعرض له الممثلات اليمنيات من مضايقات من قبل المجتمع إلى لبسهن وطريقة أدائهن للدور التمثيلي في مجتمع محافظ، وتضيف: “هناك الكثير من الفتيات اليمنيات يحبين التمثيل، ويتمنين العمل به، لكن الأهل لا يسمحون لهن؛ لأن الصورة لديهم أصبحت غير مشجعة“.
المبررات التي يستخدمها المجتمع لمضايقة الممثلات متعددة، ما يؤكد، بحسب جبارة، أن مسألة التركيز على الملابس أو طريقة أداء الدور ما هي إلا ثقافة تشربها المجتمع بالوراثة؛ فالمجتمعات الذكورية ترفض حضور المرأة في واجهة المشهد، كما أن صوت المرأة وظهورها عورة في نظر بعض المتشددين دينيًا.
وتقول الممثلة رندا شرف: “نحن نعيش في مجتمع يرى المرأة زوجة وربة بيت فقط، وممنوع عليها المشاركة في الحياة العامة، وليس في التمثيل وحسب. إذا كانت الممثلة تعمل حساب لكل خطوة بينها وبين الممثل الذي يشاركها المشهد؛ لتبين للمشاهد أن هناك مسافة فاصلة بينهما، ومع هذا تتعرض للمضايقات؛ المشكلة في عقلية البعض، وليس للدور أو الملابس أية علاقة“.
نظرة المرأة للمرأة
جزء كبير من المضايقات التي تتعرض لها أمل (اسم مستعار) بعد كل عمل درامي تشارك فيه، غالبًا، ما تأتي من النساء أنفسهن، وخاصة ممن هن حولها وأكثر قربًا منها، تقول: “يسألنني مرارًا: كيف تجرأتِ وظهرتِ بـ “روبة منزل” على شاشة التلفزيون؟! كيف رضيتِ بتأدية دور زوجة لرجل لا صلة بينك وبينه، ثم تجلسين بجواره؟!. أذكر أن إحداهن طلبت مني أن أريها عقد الزواج بيني وبين ذلك الممثل؛ في محاولة للتهكم عليّ“.
وبدلًا من أن تكون المرأة نصيرة لقرينتها، وسندًا لإثبات حضورها الفاعل في مجتمع ذكوري لا يعترف بها، نجدها تسهم في مضاعفة معاناتها، والتأثير على نفسيتها أكثر، بحسب سهى (اسم مستعار)، التي تضيف “أتذكر أني لبست في إحدى المسرحيات فستانًا أبيض، وبعد انتهاء المسرحية، وجدت صديقاتي يصفن ملابسي بأرواب نوم، ورغم معرفتي بأن كلامهن غير صحيح، لكني تأثرت فعلاً“.
ضغوط أسرية
وتذكر الممثلة هدى رمزي أنها لا تتمكن من ارتداء ملابسها المقررة في المسرحية أو المسلسل إلا بعد موافقة أمها عليها. ينبغي على رمزي أيضًا، بناء على رغبة أمها، أن تطّلع مرارًا على السيناريو المقدم لها، وتتأكد من أن كل كلمة فيه لن تتسبب بمشكلة لها مع أخوها أو زوجها في المستقبل؛ وهي أمور من شأنها أن تؤثر سلبًا على دور رمزي وأدائها في العمل.
وتشير: “القصص التي تتعلق بضغط الأسرة على الممثلة كثيرة، ومن النادر أن تجد الممثلة نفسها ضمن جو أسري داعم ومشجع لها؛ فقد تثير ردود فعل البعض، داخل المجتمع، مخاوف الأسرة أو شكوكها؛ ما يجعلها تتدخل في عمل الممثلة، وتفرض عليها العديد من القواعد والشروط، إن لم تتمكن من جعلها تترك مهنة التمثيل”، وتضيف سهى: “خيرني بين شيئين: إما الاستمرار في التمثيل، وإما هو” (خطيبها).
على الرغم من بعد المسافة بين سهى وخطيبها السابق، إلا أنه ظل يترصد، باستمرار، أدق حركاتها ما إن عرف أنها تعمل، وما إن شاهد صورتها على الفيس بوك وهي تؤدي دورًا مسرحيًا، حتى انفجر في وجهها بداعي العيب والحرام.. “قررت في البداية ترك التمثيل لأحافظ عليه، لكنه استمر في الضغط على قراراتي الأخرى، والتشكيك بي، فتركته، ولم اعد أيضًا للتمثيل؛ كمية الضغوط الأسرية التي عانيت منها جعلتني أشعر أن هذا العمل صعب عليّ، وليس بمقدوري تحمل أعباءه النفسية “.
تنمر إلكتروني
يعمل بعض مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي على نشر مقاطع من أعمال الممثلة، والتعليق عليها بعبارات مزعجة؛ كأن يتم التعرض للبسها وشكلها، أو لحركاتها والدور الذي تؤديه، وقد يحاولون التقليل من شأنها، وإحباطها عن الاستمرار في العمل.
هذا النوع من المضايقات على مواقع التواصل الاجتماعي يؤثر في نفسية المرأة العاملة في مجال التمثيل وأدائها، وعلى تعاملها مع من حولها، وربما ممارستها لحياتها اليومية؛ بحكم معرفتها بقدرة الميديا على التأثير في قناعات الناس وتصرفاتهم، وتوجيههم وفقًا لما يريد أصحابها، تقول عبير: “أنا، بصراحة، أبتعد عن السوشيال ميديا، تمامًا، وقت العمل وأثناء عرضه. أظل أحسب لكل خطوة أقوم بها، مش لازم أروح لمكان عام، وإذا رحت، أبقى حذرة ومعي ناس؛ لأنه أصبحنا في زمن رود الفعل فيه تخوف؛ ممكن الناس في أي لحظة تتعدى عليك، وممكن يقولوا في وجهك كلام جارح يؤزم حالتك النفسية أكثر“.
تحرش
“سبق وأن حظيت بدور بطولة في إحدى المسرحيات التي عُرض عليّ المشاركة فيها، وعندما رفضت الخوض مع مخرجها في علاقة عاطفية، استبدلني بأخرى”. تقول ليلى (اسم مستعار).
عبارات الاستياء من عمل المرأة في مجال التمثيل لا تقتصر على بعض العامة فقط، بل قد تجدها الممثلة من قبل بعض زملاء المهنة أيضًا، “ممكن يقول أحد زملائك في اللوكيشن: أنا مستحيل أسمح لأختي تشتغل في مجال التمثيل
الكثيرات يتفقن على أن نظرة الرجل لشريكته في العمل تؤثر على أدائها، وعلى جودة الإنتاج. الممثلة، أيضًا، بحاجة لأن يكون محيط العمل مؤمنًا بها، وبأهمية دورها؛ وإلا فإنها مع الوقت تفقد ثقتها بنفسها، وتنصرف عن مجال التمثيل، تقول سهى: “حتى زملائي في التمثيل كانوا يدققون على لبسي المختار لأداء الدور، يشعروني بأنه شفاف، وأن مفاتني واضحة، ثم يلحون عليّ بالمطالبة بتغييره. أوقات، كنت أجد نفسي مشتتة على المسرح، وأركز على نظرات الأخرين لي، وما أرتديه“.
شكل الممثلة ولبسها، بالنسبة لعبير، أكثر ما يعرضها لمضايقات المجتمع مهما كان دورها، فيما تجد سالي أن للدور تأثيرًا كبيرًا على نظرة الجمهور للممثلة، تقول: “قبول الفتاة بتأدية دور البنت المتحررة في لبسها وعلاقاتها مع الشباب ينعكس سلبًا على نظرة المجتمع لها؛ إذ يتم اعتبارها شيء من ذلك، ولا ينظر لها من منظور أنه كان مجرد دور فني، وأن الممثل ملتزم بتأدية أدوار وشخصيات مختلفة“.
رفض ذكوري
عبارات الاستياء من عمل المرأة في مجال التمثيل لا تقتصر على بعض العامة فقط، بل قد تجدها الممثلة من قبل بعض زملاء المهنة أيضًا، “ممكن يقول أحد زملائك في اللوكيشن: أنا مستحيل أسمح لأختي تشتغل في مجال التمثيل؛ ربما بسبب ما يراه ويسمعه من المضايقات التي تتعرض لها الممثلة”، تقول عبير.
يتطلب العمل في الفن من المرأة أن تكون قوية وذات صبر وقناعة بما تفعله؛ وإلا لانتهت إلى ما آل إليه حال بعض الممثلات اللواتي اتخذن قرار الانسحاب والتوجه صوب مجال آخر، أو تأسيس أسرتهن الخاصة؛ حماية لسمعتهن
قيام بعض الرجال بلعب أدوار المرأة في بعض الأعمال الدرامية، سواءً لغرض الإضحاك، أو لتلبية رغبات بعض القنوات ومالكيها المتشددين، هو أحد ملامح إقصاء المرأة، بحسب جبارة، كما تثبت التجارب التي تخوضها الممثلة في إطار عملها، مع الوقت، أنها تعمل مع من يحملون رفضًا ذكوريًا لكيانها، وتشكيكًا بأهمية دورها في المجتمع؛ وهو ما قد يعرضها للاستغلال والتحكم وحتى التهميش، كحال أمل، التي طُلب منها تولي دورًا تمثيليًا في أحد الأعمال التلفزيونية، وقبل أن تباشر عملها، راح المخرج ينبهها بأن دورها ما يزال تحت التجربة، وأنه لا يؤيد إضافة إي كادر نسائي للعمل؛ تجنبًا لأي صدام مع المجتمع، تقول: “شعرت بالغصة لحظتها، إذا كان المخرج بذاته يرى أن تواجد المرأة في الأعمال الفنية ليس بالأمر الضروري، وبإمكان الرجل أن يأخذ مكانها، فكيف بالآخرين؟!“.
محيط داعم
أردات نسرين العمل في مجال التمثيل، وكان الأمر يقلقها في البداية، لكنها وجدت زوجها داعمًا ومشجعًا لها؛ ما وفر لها مساحة آمنة للإبداع في العمل، يقول زوجها: “إنه مجالها الذي ستبدع فيه؛ وحتى تكون أكثر اعتمادً على نفسها، لا تلجأ إلى أحد في حال أصابني مكروه”، مؤكدًا أن التمثيل ينقل ثقافة الشعب، ويمثل وسيلة لإصلاح وعي المجتمعات، ومن خلاله تتمكن الفتاة من إيصال رسائلها، وعدم كبتها.
ويضيف خالد الشرجبي، والد رانيا (ممثلة)، أن اختيار مجال التخصص للفتاة، وفقًا لرغبة العائلة، قد يجعلها فاشلة في حياتها، وأنه ينبغي على العائلة أن تدعمها، وألا تقف حجر عثرة أمام نجاحها، “ازدهار البنت من فرحي، عندما بنتي تشق طريقها، وتحس بسعادة في مجالها الذي اختارته، سأكون أسعد“.
الانتصار للفن
يتطلب العمل في الفن من المرأة أن تكون قوية وذات صبر وقناعة بما تفعله؛ وإلا لانتهت إلى ما آل إليه حال بعض الممثلات اللواتي اتخذن قرار الانسحاب والتوجه صوب مجال آخر، أو تأسيس أسرتهن الخاصة؛ حماية لسمعتهن كما يظنّ، ومن هنا تأتي أهمية تدريب الممثلة، ودعمها نفسيًا حول كيفية التعامل مع الصدمات والمضايقات المجتمعية التي تتعرض لها، وعدم الخضوع للإحباط.
ويقترح البعض؛ لحل هذا المشكلة، مناقشة قضايا الممثلات على الميديا بشكل متواصل، وإعداد حملات توعوية خاصة بهن، وبأهمية الفن واحتياجه للمرأة، علاوة على إشراك الفتيات منذ صغرهن بأعمال فنية وتمثيلية من خلال المدرسة، مع الحرص على وجود أسرهن، ثم السعي الجاد لسن قوانين تجرم التعرض للممثلات والعاملات في المجال الفني.
وفي حين لا تزال الممثلة اليمنية خاضعة لنفس الأدوار التمثيلية دون محاولة حقيقية من القائمين على العمل الفني لتجديدها وكسرها؛ مراعاة للمجتمع، وخوفًا من ردة فعله، ينبغي التركيز على إنتاج أعمال درامية تستهدف إظهار مدى أهمية دور المرأة في المجتمع، وأحقية عملها في مختلف المجالات، ونضالها الفاعل على مدى الحقب التاريخية، بحسب الناشط في مجال دعم حقوق المرأة “أحمد عفيف“.
إن قضايا الفن والممثلات بحاجة، اليوم، إلى بحث معمق تقوم به مؤسسات كبيرة: كالجامعات، ومراكز الأبحاث، ومنظمات المجتمع المدني؛ لإثراء الموضوع، وإعادة الاعتبار للثقافة والفن، وحتى يصبح للفن بأنواعه مدافعون عنه، يقول جبارة، ويضيف: “الفن مرآة للواقع، وحصر الأدوار التمثيلية للمرأة في اليمن ما هو الا انعكاس لرؤية المجتمع دور المرأة فيه، وهذا يؤثر، بالضرورة، على تطور الفن؛ فالفن والحرية صنوان“.