عصفت جائحة كورونا المستجد بالعالم وجلبت معها حكايا مؤلمة وقصص مأساوية من أوساط المنازل، فبعد أن تسببت بكساد اقتصادي عالمي انتقلت إلى عمق الحياة الأسرية لتحدث شرخًا كبيرًا تسللت منه أصوات استغاثات تنشد مصيرًا لمعانتها التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا!
في اليمن تحديدًا، لطالما كان العنف الأسري مشكلة من قبل ظهور كوفيد-19 ثم جاءت الجائحة لترفع من نسبة العنف الأسري، فبحسب دراسة أجرتها شبكة إعلام السلام والمنظمة الالكترونية للإعلام الإنساني لشريحة كبيرة من النساء في اليمن فان ٦٠% منهن تعرضن للعنف خلال جائحة كوفيد١٩، منهن ١١% كان المعنف هو الزوج، كانت النسبة ٦٦% للعنف الجسدي كالضرب والصفع. و٤% للعنف الاقتصادي والذي يشمل الحرمان من الموارد الاجتماعية.
كما أشارت الدراسة إلى أن ٨٣% من النساء لا يقمن بالإبلاغ عن العنف الذي تعرضن له بسبب ضعف الأنظمة والقوانين والخوف من الأسرة والمجتمع، بينما تلجأ النسبة المتبقية للنساء إلى المحاكم القضائية لإيقاف جائحة العنف.
في محاكم تعز (تحديدًا) بلغت نسبة قضايا العنف الأسري حوالي ٦٠% بالنسبة للقضايا الأخرى بحسب تصريح المحامية هند الحافظي، والتي أشارت إلى أنه خلال شهر فقط تسلمت عشر قضايا فسخ وطلاق أغلبهن لنساء تعرضن للضرب من أزواجهن خلال جائحة كورونا.
أحد تلك القضايا لامرأة تدعى “زينب مقبل” أم لخمسة أولاد، تعرضت للضرب من زوجها الذي كان يتعمد دائمًا اهانتها، وقام بطردها من المنزل وحرمانها من أطفالها وحينما عادت إلى منزل عائلتها قام أشقائها بتوبيخها وشتمها وإعادتها إلى منزل زوجها بحجة أنه “ليس لدينا نساء يتطلقن”!
جاءت جائحة كورونا ليفقد الزوج عمله في أحد الشركات التي قللت من موظفيها ويفقد معه أعصابه وينهال ضربًا على زوجته بعد معايرتها بتخلي أسرتها عنها ثم يرديها مصابة بكسور وكدمات.
“بسبب شقيقي خسرت القضية”، هكذا صرخت سوسن الذي لجأت إلى محكمة الغرب في تعز لتخليصها من العنف مقابل التنازل عن مؤخر صداقها وقبل النطق بالحكم تدخل شقيقها بالشهادة ضد أخته بالتأكيد على أن زوج أخته ينفق على زوجته ولا يعنفها لتخسر القضية وتعود منكسرة إلى عش الزوجية التي وصفتها بـ “السجن”.
لم تحتمل الزوجة الضرب والإهانة أكثر لذا بحثت عن مكان تجد فيه المساعدة فذهبت إلى المساحة الآمنة التابعة لمنظمة ديم (مديرية المظفر) برفقة صديقتها التي دلتها على المكان، تحدثت هناك واستمعت إلى الاخصائية النفسية التي قدمت لها الدعم النفسي أولا ومن ثم شجعتها إلى الجلوس مع مسؤولة الدعم القانوني التي قامت بمساعدتها بجمع أدلة وشهود كعاقل الحارة والجيران لتثبت تعنيف زوجها لها ومعاملته القاسية لها وتقديمها للمحكمة مجددًا.
في هذا السياق تحدثت فائزة الأغبري الاخصائية النفسية في المساحة الامنة إلى أن عدد المعنفات تفاقم مع ظهور جائحة كوفيد19 بسبب الانهيار الاقتصادي والضغوط النفسية حيث أن المساحة استقبلت منذ بداية جائحة كورونا (2582) زائرة أغلبهن يعانين من العنف الأسري سواء من الزوج أو الأخوة، قدمت المساحة دعمًا نفسيًا بشكل فردي لعدد (275) امرأة ودعم نفسي جماعي لعدد (993) امرأة بعضهن احتاج الأمر أيضًا إلى دعم قانوني، كما نفذت المنظمة حملات توعية عبر النزول الميداني لبعض الأحياء لعدد (21482) فرد، رافقها حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي داخل المساحة الآمنة لعدد (3761) زائرة.
كما أوضحت الأغبري أن أشكال العنف خلال الجائحة تفاقمت بشكل ملحوظ تحديدا العنف الجسدي واللفظي والاساءة النفسية، لذا تحتاج بعض الضحايا إلى جلسات تمتد بين 2-5 جلسات وأحيانا أكثر مع الاخصائية النفسية، كما أضافت ان الناجيات من العنف الأسري خلال جائحة كورونا انخرطن في مشاريع التمكين الاقتصادي في المساحة وقمن بصناعة كمامات وتوزيعها أثناء حملات التوعية.
أما عن دور التوعية في ارشاد المعنفات إلى المساحات الامنة خاصة القلقات من الجلوس أمام الاخصائية النفسية والتحدث معها فتؤكد المحامية هند الحافظي أن لمنظمات المجتمع المدني دور كبير فيها فمعظم قضاياها جاءت من نساء كن متخوفات من الطب النفسي والحديث مع اخصائية ثم تم توعيتهن في منظمات مختصة كاتحاد نساء اليمن ومنظمة ديم ودعمهن نفسيا وقانونيا، وشددت الحافظي على اهمية تمكين الناجيات اقتصاديا عبر مشاريع صغيرة كما تفعل مؤسسة رسالتي مع المطلقات والناجيات من العنف الأسري.
“يوجد قصور في قانون الاحوال الشخصية” هكذا علقت المحامية الحافظي على عدم حصول الطلاق لأكثر المعنفات من الزوج حيث أصرت أن القصور ببعض مواد قانون الاحوال الشخصية الخاصة بالفسخ في قضايا الكراهة بسبب ضرب الزوج وانه غير مؤهل للإعالة إذا لم تستوفي المدة القانونية تلزم المرأة بإعادة المهر أو التنازل عن المؤخر وهذا يعتبر اجحاف وعنف يسبب اضرارًا نفسية للمرأة المعنفة وتظل معلقة زوجيا وقانونيا!
قصر بعض مواد القانون في انصاف المعنفة وأميتها واجحاف العادات والتقاليد بحقها قد تضعها ضمن احصائية نشرها صندوق الأمم المتحدة للسكان موضحا ان 1¸24 مليون امرأة تحتاج إلى أي شكل من المساعدة بينهن 4¸14 مليون امرأة تحتاج إلى الحماية منهن 48% نساء أميات قد يبقى مصيرهن مجهولا إلى ذات حديث وحق.
تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA