سهام .. رحلة البحث الشاقة عمّا يروي العطش 
صنعاء/ عادل ثامر
مع إشراقة كل صباح تحمل الطفلة سهام صفائحها البلاستيكية وتنتظر في طابور طويل حتى تملأها بالماء قبل أن تعود بهذه الصفائح الثقيلة إلى منزل عائلتها، لتروي ضمأهم ببضع لترات من المياه إستطاع جسدها النحيل على حملها بعد أن أثقلت كاهلها بؤس واقع الحياة وشقاؤها.
يتجسد مشهد الكفاح والهمة، حينما تسلك سهام في رحلتها اليومية، شوارع صنعاء القديمة، وسط العاصمة، إذ يتعين على العديد من الأطفال من أمثالها اتخاذ تدابير صارمة من أجل الحصول على الأساسيات التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة.
“كفاح من أجل البقاء”
تخرج سهام في الساعة الأولى من الصباح مع صديقتها فاطمة، لتتمكن من الوصول مبكرًا إلى خزان المياه الرئيسي في الحي حتى تكون أول من يقف في الطابور الطويل، وتسعى إلى جمع ما يكفي أسرتها من المياه لأغراض الشرب والغسيل والطهي في أسرع وقت ممكن حتى يكون بإمكانها الذهاب إلى المدرسة في الوقت المحدد.
ومع ذلك، تتأخر سهام في أغلب الأحيان، وتضطر إلى الذهاب إلى المدرسة بمفردها، أو قد لا تتمكن حتى من الالتحاق بالفصل الدراسي، وقد أصبحت رحلتها اليومية أكثر يسرًا منذ أن قدم الهلال الأحمر اليمني المساعدة التي أدت إلى إقامة معين جديد للتزود بالمياه في الحي الذي تسكن فيه، أن لا أن هذه العملية تتطلب قدرة على التحمل وصبرًا وتضحية، ” في أغلب الأحيان، أقف في طابور المياه عوض الجلوس في مقعد الدراسة”، تقول سهام.
وتستطرد قائلةً، “الحرب والخوف هما أكثر ما نحفظه كأطفال، هذا إلى جانب المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، مثل الاضطرار إلى الوقوف لساعات كثيرة في طوابير توزيع المياه”. وتتابع، “للأسف، هذا هو نظام حياتنا ولا نتذكر أننا نعرف شيئاً آخر سواه”.
“الحرب والخوف هما أكثر ما نحفظه كأطفال، هذا إلى جانب المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، مثل الاضطرار إلى الوقوف لساعات كثيرة في طوابير توزيع المياه”. وتتابع، “للأسف، هذا هو نظام حياتنا ولا نتذكر أننا نعرف شيئاً آخر سواه”.
وقد أمضت سهام ما يناهز نصف حياتها من عمر الحرب المستعرة، وهي واحدة من نحو 15 مليون طفل يمني يعيشون على في بلاد صنفتها الأمم المتحدة، كأسواء أزمة إنسانية في العالم، ومع انعدام وشحة المياه في معظم المحافظات، يعمل مشروع نقاط المياه، الذي يُنفّذ بمساعدة جمعية الهلال الأحمر، على تخفيف بعض العبء الذي تتحمله الأسر اليمنية المقيمة في الأحياء التي لا تتاح فيها سوى فرص محدودة للحصول على مياه الشرب المأمونة والنظيفة.
“لحظة انتصار!”
اللحظة التي تصل فيها سهام إلى الخط الأول في طابور المياه الطويل، لبدء تعبئة أسطوانتها تشعر سهام بنشوة الانتصار، وتقول سهام: “تستحق هذه اللحظة مني التوثيق اليومي وحتى تبادلها على الفيسبوك”. وتضيف قائلة: “إنها اللحظة التي أشعر فيها بالسعادة”.
أصبح أكثر من 20 مليون شخص بحاجة ماسة إلى إمدادات المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية في اليمن، ووفر الهلال الأحمر اليمني، في إطار استجابته الطارئة، نقاط مياه في سبع محافظات، “أمانة صنعاء، ومحافظة صنعاء، وذمار، وعمران، وحجة، والمحويت، وإب”، وهو يقدم المساعدة لما يقرب من 33 ألف أسرة كل عام.
عندما تغادر سهام إلى المدرسة، تستأنف رحلتها اليومية، وتنطلق حاملة أكبر عدد ممكن من صفائح الماء على عربتها، وخلال هذه المرحلة، تنتقل بين جميع خزانات المياه في الأحياء المجاورة في محاولة لجلب ما يكفي من المياه لأغراض الغسيل.
تتابع، “يوم الغسيل يشبه لعبة البحث عن الكنز حيث أسعى إلى إيجاد الماء في حي أو في آخر، وأعتقد أن الوزن الثقيل لعربتي المحملة بالصفائح الممتلئة هو الكنز الذي أفوز به في نهاية اليوم”.
“يوم الغسيل يشبه لعبة البحث عن الكنز حيث أسعى إلى إيجاد الماء في حي أو في آخر، وأعتقد أن الوزن الثقيل لعربتي المحملة بالصفائح الممتلئة هو الكنز الذي أفوز به في نهاية اليوم”
تحرص سهام، بعد أن تُحضر الماء إلى المنزل، على استخدامه بكفاءة عالية، “أتذكر وقت انتشار الكورونا حينما كان الجميع يتحدث عن ضرورة غسل اليدين من وقت إلى آخر. كان من الصعب علينا إهدار الكثير من الماء لضمان بقاء أيدينا نظيفة. ونحن نكافح لتوفير المياه للأغراض الأساسية الأخرى في المنزل” تضيف سهام.
ويقوم الهلال الأحمر اليمني وشركاؤه أيضًا بتنفيذ برامج الإغاثة والتأهب لحالات الطوارئ في جميع أرجاء اليمن، بما في ذلك توفير المياه النظيفة، وتوزيع مجموعات مواد النظافة الشخصية، “التي تحتوي على الصابون والمناشف والدلاء وجرار المياه”، وتنفيذ تدخلات إيجابية تتعلق بالمياه وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية لمساعدة المستضعفين.
تم إنتاج هذه المادة من قبل جمعية الهلال الأحمر اليمني والصليب الأحمر ويتم نشرها بالإتفاق مع منصة مشاقرميديا