طائفة “البُهرة” في اليمن… نموذج عن التعايش والتكافل الاقتصادي
صنعاء – أنور دهاق :
يعد اليمن بيئة غنية بالتنوع الديني. طوائف عدة تعايشت منذ مئات السنين. لم تؤثر الحرب اليمنية المندلعة من عدة سنوات على هذا التعايش. أبرز هذه الطوائف طائفة البهرة (بضم الباء)، أحد فروع الطائفة الإسماعيلية التي تنتمي إلى إسماعيل بن جعفر الصادق المنحدر من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب.
ويوصف البهرة بأنهم إسماعيلية “مستعلية” أو “طيبية”، نسبة إلى الإمام “المستعلي”، ومن بعده “الآمر” ثم ابنه “الطيب”. وهم إسماعيلية الهند واليمن. تركوا السياسة، وعملوا بالتجارة، فوصلوا إلى الهند، واختلط بهم الهندوس الذين أسلموا، والبهرة: لفظ هندي قديم، بمعنى “التاجر”.
يتركز معظم أفراد هذه الطائفة في شرقي حراز (غرب العاصمة اليمنية صنعاء) في ثمانية وخمسين قرية،و منها قرية الحُطيب التي أصبحت مركز لطائفة البهرة الداؤدية واصبحت أهم مركز للبهرة بعد بومباي الهندية، وتتراوح أعدادهم بين 12 ألف و17 ألف بحسب عدة مصادر، وهذا الرقم الذي يمثل عدد طائفة البهرة في اليمن جزء من الطائفة المنتشرة حول العالم، والتي يقدر أعدادها بمليون شخص يتوزعون على عدد من الدول العربية بينها: مصر، الإمارات، الأردن، والسعودية. كما يتركزون بشكل كبير في الهند وباكستان.
أما عن تاريخهم فيقول الدكتور الجامعي وأحد مشايخ البهرة أحمد النجار أن “البهرة طائفة مسلمة حالهم كحال المسلمين في أنحاء العالم، وقد أتت تسميتهم بالبهرة من خلفيتهم التجارية، كما يُعرف أيضا بأن البهرة انهمكوا في تجارتهم، وانشغلوا في التطور الحضاري والاقتصادي والاجتماعي، وتمتاز هذه الطائفة بملابسها وقبعاتها المزخرفة باللون الذهبي بنسبة للرجال
طقوس دينية
في توجههم الديني يتحدث النجار قائلا: “البهرة يؤمنون بالله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسول الله، وأن عترته الأطهار من نسل فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين خلفاء الله في أرضه، وأمنائه على عباده”.
ويضيف: “يقوم منهم إمام بعد إمام بالنص والتوفيق كما أوضح ذلك سيدنا القاضي النعمان بن محمد في كتابه (دعائم الاسلام الجلد الاول) وكما أوضح ذلك سيدنا حميد الدين الكرماني في كتابه (المصابيح في اثبات الامامة ) إن الأرض لا تخلو من أئمة أهل البيت عليهم السلام مهما جار الزمان، ومهما تغيّرت الأحوال والظروف”.
وقام دعاة هذه الطائفة بالدعوة إلى مبادئها في اليمن والهند، وركزت هذه المبادئ على الالتزام بالدين الإسلامي وأصوله، التسامح مع جميع المذاهب، وتجنب التدخل في السياسة. ساهمت هذه المبادئ بنشر الدعوة في أفريقيا وفي السواحل اليمنية مثل عدن والحديدة والمخا وغيرها، وفي اليمن الأعلى صنعاء وغيرها من المناطق، والآن في دول الخليج منشغلون في وظائفهم وتجاراتهم.
يشدد النجار على أنه يجب أن يفهم كل من يقرأ عن البهرة سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل أنهم ملتزمون بمبادئ الدين الإسلامي ودعائمه ولا يختلفون مع اخوانهم المسلمين في شيء، إلا في مسألة الإمامة القائمة في كل عصر وزمان في نسل رسول الله، وأنه لا يقبل فيهم أي ترهات وأكاذيب لأغراض سياسية أو مذهبية، أو أن يلفق عليهم أي كلام لا أخلاقي كأن يقال عليم إنهم خارجون عن الملة كما قامت بعض الفتاوى والمزاعم الباطلة ضدهم.
لا مكان لـ “القات”
تتعدد نشاطات طائفة البهرة، لكن أغلب مبادراتها تركزت على اقتلاع شجرة القات (يعتبر من النباتات المخدرة) وعدم زراعته، وإيجاد البدائل التي كان لها اثرا ملموسا في التكافل الاقتصادي.
يوضح النجار أنه لم تقتصر اهتمامات البهرة على نفسها فقط، بل كان لها مبادرات جيدة في اقتلاع شجرة القات وزراعة البن بدل عنه، حيث دعا الزعيم الروحي لطائفة البهرة إلى حملة تطهير لأراضي شرقي حراز من هذه الشجرة، التي كانت السبب في إعاقة أتباعه والشعب اليمني بأسره من التطور على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي والاقتصادي. حيث، رأى أن القات لا يمكن أن يبقى، فالزمهم استئصالها، وقام بمساعدة المزارعين لدفع نفقات القلع، وتعويض أصحاب الاراضي، واعطائهم بديلاً عن ذلك، يتمثل في التالي:
مشروع القرض الحسن الذي يتبع الشريعة الإسلامية، على شرط أن يأتوا باثنين ضمناء، ورهن ذهب.
مشروع تربية المواشي: ويتمثل في إعطاء من يقتلع شجرة القات ماشية يقوم برعيها، إضافة إلى توفير الرعاية الصحية.
مشروع إنشاء مناحل لتربية النحل.
مشروع إعداد وزرع البن واستبدال الأراضي التي كانت مزروعة بشجرة القات بشجرة البن.
مشروع تقديم دعم وإمدادات طبية وتعليمية يساهم في رفع المستوى المعيشي للمواطنين.
نماذج ناجحة
استطاعت عدة نماذج من الشباب كمرتضي هبه ومحمد غالب من أبناء هذه الطائفة الاستفادة من المشاريع التي سبق ذكرها. حيث، استطاعوا أن يؤسسوا تجارتهم عبر أخذ قروض من “القرض الحسن” المتاح لأبناء هذه الطائفة.
بدء مرتضى هبه العمل من خلال بيع الملابس بكشك بسيط، ثم طلب قرض من مشروع “القرض الحسن” بمبلغ ثلاثة مائة ألف ريال يمني لتطوير البسطة التي يعمل بها، واستطاع بعد عامين سداد القرض بشكل كامل حسب المتفق عليه، ثم عاد وأخذ قرضا آخر استطاع من خلاله توسيع تجارته واستئجار محل.
في حين، يعتبر محمد غالب نموذج آخر من شباب البهرة الذي استفاد من هذا القرض، محمد لديه محل للملابس ويقع في سوق الملح أحد أشهر الأسواق بصنعاء القديمة، وبسبب المنافسة القوية والصعبة، احتاج إلى رأسمال قوي للمنافسة، فكر محمد بإنشاء معمل خياطة ملابس رجالية، لكون جائحة كورونا جعلت من الاستيراد مهمة صعبة، لكنه افتقر لرأس مال لهذا المشروع. لذلك لجأ غالب أيضا لـ “القرض الحسن” وبالفعل حصل على قرض ساعده لإنشاء معمل خياطة، للتوسع تجارته، وحالياً أصبح يبيع الملابس للمحلات التجزئة.
تقرير ل: أنور دهاق كُتب لمنظمة الإنتر نيوز - زمالة الصحافة والحريات الدينية - إشراف حسين الشريف