fbpx

فتيات اليمن بين مشنقة العادات والتقاليد و ظلم القانون

تقرير/ ريم الفضلي

تعيش الأطفال اليمنيات مآس عديدة لا تقتصر على الوقائع المؤلمة التي تسببت فيها الصراعات المستمرة في البلاد و الفقر المضجع الذي تعيشه غالبية الأسر، حيث قتلت براءتهن كما تغيبت عنهم الطمأنينة و الاستشعار الحقيقي بالأمان النفسي، ليصبحن ضحايا دسمة للانتهاكات الغاشمة و المباحة على مرأى ومسمع من كافة أطياف المجتمع.

و لم يقتصر امر هذه البشاعة عند زواج القاصرات او الحرمان من التعليم والمعاملة الدونية للفتيات، بل تجلت صورة الانتهاكات الى أعلى درجات البشاعة و اللا إنسانية. فما تتعرض له الطفولة اليمنية من القتل بحجة الشرف أمر قد تخطى حدود المنطق والعقل، فكيف لطفلة لم تكتب بالغ و عاقل في بطاقة الاحوال ان تخل بشرف استرها.!

وبرغم ظهور عدد بسيط من هذه الجرائم للعلن الا ان اغلبها يتم التستر عنه واخفائه بعيدا عن الأعين والعمل بكل الوسائل لطمس معالم الجريمة وكأن شيء لم يكن.

ضغائن عائلية ضحيتها طفلة في العاشرة

في نهاية كانون الأول/ديسمبر من العام ٢٠١٤، ضج الشارع اليمني على واقعة مقتل الطفلة مآب ذات العشر سنوات على يد والدها ن.ع، بائع العقيق اليمني.

فبعد طلاق الأبوين، أصبح لدى الاب هاجس غريب بشروع الام لإجبار ابنتها ذات العاشرة على الحديث و ممارسة الجنس مع شباب للانتقام منه. وهذا ما أثبتته تسجيلات نشرت لعم الطفلة وهو يرغمها على الحديث عن الموضوع وهي في حالة يرثى لها وقد بدت على جسدها الصغير أثار تعذيب وحشية.

و قام والاب قبل فترة من ارتكابه جريمته الشعواء، بحسب اعترافاته خلال التحقيقات، بعرضها على 3 أطباء في صنعاء وتعز وأكد له الأطباء أنها ما زالت بكرا.

لكن ورغم إثبات الأطباء عذرية الفتاة، الا ان الاب لم ينفك عن تعذيبها بطريقة وحشية قبل أن يقتلها رميا بالرصاص من على منحدر، ليرميها بعد ارتكابه الجريمة في منطقة نقيل سمارة الجبلية التابعة لمحافظة إب اليمنية.

و بعد اعتراف الاب في لقاء أجري معه في السجن عام 2014، بقتل ابنته مبرراً فعلته بالهواجس الذي كان يحملها على والدتها. أجلت المحكمة في نهاية مايو من العام ٢٠١٩ إصدار الحكم في إلى “جلسة سرية”، ولم يعرف بعدها ما مصير الأب.

و لنتأكد من آخر التطورات في قضية الطفلة مآب، أكد لنا احمد القرشي رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة أنه تم الإفراج عن والد الطفلة مآب.

وقال القرشي في حديثه معنا: “يفلت الغالبية الساحقة من أولياء أمور الضحايا وخاصة الآباء من العقوبات في حال كانوا هم القتلة أو المعتدين جنسيا على أطفالهم، ومن تصل جرائمهم إلى القضاء لا ينالون الجزاء الرادع لأسباب كثيرة أهمها أن التشريعات الوطنية تهدر دماء الأطفال او تتضمن عقوبات ميسرة جدا لا تحقق مبدأ الردع والزجر في حال كان الجاني أحد الوالدين.”

ومن جهتها قالت وضحى مرشد، صحفية وناشطة حقوقية، ان الجرائم ضد النساء والأطفال اليمنيات وكل القضايا الجندرية ومنها جرائم الشرف في أغلبها لا تصل للقضاء وتلك القليلة التي تصل للقضاء لايتم فيها إنصاف الضحايا.”

وعلقت مرشد على المنظومة القانونية و العقلية المجتمعية قائلة: ” إن قوانينها وإجراءاتها وسلطاتها ومنفذيها ضد الإناث وحتى العقلية المجتمعية الذكورية التي ترى أن من حق الذكور قتل الإناث في عائلاتهم لأي سبب مهما يكون كونهن مقتنيات وملحقات وأشياء تخص ذكور العائلة والقبيلة. و حين يكون المحقق ووكيل النيابة والنائب العام والقاضي كلهم ذكور وكلهم قادمون من هذه الخلفية الاجتماعية التي تحتقر الإناث، سواء أكانوا طفلات او نساء فلا عجب أن تكون هذه أحكام القضاء الذي يفترض أنه ينصف الضحايا لا أن يكافئ المجرمين والقتلة يساندهم ترسانة العادات والتقاليد والمنظومة الأخلاقية التي تمجد قتلة النساء.”

تختلف المسميات و الجرم واحد

“لا يقتص من الاصل بفرعه وانما يحكم بالدية او الارش على حسب الأحوال”هكذا نصت المادة رقم ٥٩ من الأحكام الخاصة بـ القصاص في القانون اليمني و مثلها المادة ٢٣٣ في باب الجرائم الواقعة على الأشخاص والأسرة. وبالرغم من عدم دستوريتها و مخالفتها للمعاهدات والمواثيق الدولية التي التزمت و صادقت عليها اليمن، إلا أنها لم تعد غريبة أو ظالمة بالنسبة للكثير من الناس في المجتمع اليمني المعمي حتى اللحظة تحت غطاء العادات والتقاليد الغاشمة التي أنهكت ملامح الحياة في اليمن.

يبيح نص هذه المادتين القتل بغض النظر عن عمر او جنس ذوي القربى، فيقع الاطفال اليمنيات ضحية للاضطهاد والعنف الذي في كثير من الأحيان ينتهي بالقتل بدم بارد تحت ذرائع كثيرة اهمها و اكثرها شيوعا “القتل من أجل الحفاظ على شرف الأسرة”.

و وقعت العديد من جرائم الشرف ضد الفتيات في اليمن دون سن ١٨ عشر، وبسبب قلة الدراسات و الاحصائيات بهذا الشأن، لم تستطع العديد من المنظمات والمؤسسات المعنية بحقوق الطفل من وضع أعداد حقيقية و صحيحة. كما أن التستر و غياب الوعي المجتمعي بخطورة هذا الجرم في حق الطفولة، جعل من الصعب إظهار كافة الجرائم التي ترتكب بحق الفتيات في اليمن.

و بالرغم من ظهور بعضها الى العلن و التي أثارت الكثير منها غضب الشارع اليمني و عملت على تحريك شرائح كثيرة من المجتمع ممن يناهضون مثل هكذا جرائم، الا ان كثير منها، إذ لم يكن جميعها، علقت او دحضت على يد السلطات و القضاء اليمني الذي يقف جنبا الى جنب مع مرتكبي هذه الجرائم و يشرع و يستبيح قتل الأطفال مستندا بالمواد القضائية المنصوصة على دماء و صرخات طفولية لم يكن ذنبها الوحيد إلا أنها خلقت في اليمن.

وتعليقا على هذا الموضوع قال القرشي: “القوانين اليمنية تهدر دماء الاناث بغض النظر عن عمرهن وحتى لو كن اطفالا. العقوبات التي يقرها المشرع اليمني في حق مرتكبي الجرائم ضد النساء ليست سوى ترهات ولا أساس لها في الواقع. فليست هناك عقوبات رادعة وصارمة في حق الآباء الذين يرتكبون الجرائم في حق أطفالهم من الإناث حتى لو كانت هذه الجرائم جسيمة و يتم الحكم فيها تحت بند المواد ٥٩ و ٢٣٣ من القانون اليمني”

جريمة شرف في حق طفلة عذراء

لم يختلف مصير إصباح ابنة الرابعة عشر عن مآب شيء، سوى ان كان لها النصيب الأكبر من المعذبين. تكالب ثلاثة من الأشقاء، بعضا منهم كان أشقائها من أبيها الذي كان القائد الاعلى الذي يعطي الإذن لجنوده المطيعين بتنفيذ المهام عنه. فاغترابه إلى السعودية منعه من المشاركة في تعذيبها لكن ورغم بعده، فقد نجح نجاحا باهرا في قيادة العملية التي انتهت بشنق إصباح في محاولة فاشلة منهم لتحويلها الى محاولة انتحار.

بدأت قصة إصباح حين تجرأت واحدة من زوجات اخوتها بالقول إنها على علاقة بأحد شباب القرية. ولم يتسنى للفتاة دحض هذه الادعاءات الكاذبة ، حتى شرع اخوتها بتعذيبها بشتى أنواع التعذيب وأقساها.وبرغم إخضاعها لفحوصات طبية تثبت عذريتها و تأكدهم بأنها لا زالت بكر، أصر الاخوة الثلاثة وزوجة أحدهم من الاستمرار في تعذيب الفتاة دون رحمة.

وبعد أيام من معاناة اصباح وتدهور حالتها الصحية والجسمانية، قام اخوتها الثلاثة و زوجة الاخ الكبير س.ي، الذي يعد المتهم الأول في الجريمة، بإجبار الفتاة المغيبة على شرب السم وهذا ما أثبتته الصور التي ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بها في وقت وقوع الحادث. وبعد أن لفظت اصباح انفاسها الاخيرة نتيجة لإجبارها على تجرع السم، قرروا تحويل المسألة الى انتحار بعد ان علقوا لها مشنقة في أحد غرف المنزل محاولة منهم للهروب من الجريمة.

و بعد مرور قرابة العامين على مقتل إصباح تواصلنا مع المحامي الموكل للمرافعة في القضية، اكرم الردماني ليخبرنا بأن النيابة العامة أفرجت الثلاثاء عن والد إصباح ي.م، و كان من المقرر أيضاً الافراج عن اثنين من اخوته وهم شهاب و صديق، المتهم الثاني والثالث، لكن تم إيقاف امر الافراج في اخر لحظة..

وقال الردماني أن النيابة العامة والمحكمة وضعت أوامر تعسفية في حق أسرة المجني عليها، ويقصد هنا اخوها عبدالعزيز و ابن عمها محمد أبو صادق، اللذان يتكفلان بالقضية منذ بدايتها. و بسبب الحالة المادية الصعبة لأخيها، لم يتمكن هو الآخر من المتابعة في القضية خصوصا وانه وابن عمه أبو صادق قد فعلا ما بيدهما دون فائدة.

مصادر خاصة كشفت لنا، فضلت عدم ذكر اسمها، أن الوالد، ي.م، قام برشوة القضاة للإفراج عنه وعن أولاده رغم توافر كل الأدلة والإثباتات على التحريض والقتل من محادثات وتسجيلات صوتية وفيديوهات.

و قالت الحقوقية ضحى مرشد معلقة على قضية إصباح: “ليست قضية الطفلة المغدورة إصباح والتي حبست وعذبت وسممت وشنقت على يد اخوتها الذكور و بتحريض من والدها، أول قضايا القتل على أساس جندري ولن تكون الأخيرة لابد من تغيير المواد الدستورية والقانونية وتطهير السلك القضائي ووضع نساء في كل مفاصل السلطة القضائية كما يجب أن يتم تحرير العقل الجمعي اليمني من سلطة وسطو الفكر الذكوري الذي يدين الضحايا لا القتلة.

“و تابعت مرشد: “في الحقيقة لا مواد قانونية واضحة تدين جرائم الرجال بحق النساء والاطفال اليمنيات وتخضع محاكمات من هذا النوع لمزاج القاضي اضيفي لكل هذا الرشاوى والفساد المستشري في أهم سلطات الدولة القضاء.”

لكل طفل، كل الحق

“الطفل آل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”

كانت اول المواد المنصوصة من قانون حقوق الطفل الذي استرشدت اليونيسف في العمل به بالعام 1989. وأصبحت أسرع اتفاقية لحقوق الإنسان اعتماداً وأكثرها اتساعاً في التاريخ.

ورغم وضوح القوانين التي نصته الأمم المتحدة فيما يخص حقوق الطفل و موافقة العديد من الدول عليها بما فيهم اليمن. إلا أن الانتهاكات الظالمة والغير معقولة في حق الأطفال الإناث لازالت ترتكب حتى اللحظة على مراى ومسمع من الجميع.

و في العام 2018 عنونت هنرييتا هـ. فور المدير التنفيذي لليونيسف التقرير السنوي للمنظمة ب “لكل طفل، كل الحق” عنوانا يبدو مجحفا في حق كل هذه الدماء التي تزهق دون ادنى حق.

وبرغم كل ما تفعله المنظمة للاطفال حول العالم الا ان الاطفال اليمنيات لا زلن خارج حسبة المنظمة، و برغم من انتشار قصصهن حول العالم وتداول الكثير من الناشطين والحقوقيين في مجال حقوق الإنسان هذه القضايا وكذلك وسائل الإعلام العربية والعالمية لكن لا حياة لمن تنادي ولم تستطع المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الأطفال اصدار اي رادع ضد الانتهاكات التي تقوم بها اليمن ضد هذه المعاهدات.

مآب و اصباح و غيرهن الكثير، لا تزال ارواحهن ترجو العدالة والإنصاف. ولا تزال ملايين الأطفال اليمنيات يتمنين عيش حياة يكسوها القليل من الأمان واسترجاع الكرامة التي حصرها عليهن المجتمع بقيود شائكة لا يتحملها عقل ولا منطق..!

أنتج هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من اجل حقوق الانسان و الشؤون العالمية في كنداأعجبنيتعليق

مقالات ذات صلة