قصة امرأة من محافظة لحج … الحضور الفاعل في العمل المدني
عدن/ إصلاح صالح :
تقطع “ثريا مجمل” الناشطة السياسية والمجتمعية 60 كيلومترًا تقريبًا، من مقر إقامتها في مدينة الحوطة بمحافظة لحج إلى العاصمة عدن، لحضور أنشطة “جنوبيات من أجل السلام”، المبادرة الطوعية التي انخرطت فيها وتحرص على استمرارها منذ أكثر من عامين، فالمرأة رغم دخلوها مشارف العقد السادس إلا أنها تحرص على بقاء حضورها فاعلًا في المجتمع المدني والمناشط السياسية المختلفة.
نضال طويل خاضته الناشطة المخضرمة المنحدرة من منطقة ريفية بمديرية سرار بمحافظة أبين، واجهت خلاله أنظمة متعاقبة، ولم يخلو من تحديات ومواقف صعبة بدءًا بالتهديد ووصولًا إلى محاولة اغتيالها وسجنها والاعتداء عليها، مواقف واجهتها بشجاعة على مدى ثلاثة عقود، ما أهلّها لتصبح رمزًا للحركة النسوية في محافظتها لحج، وإحدى رائدات السلام بعد أن كرست نشاطها المجتمعي الحالي نحو نشر ثقافة السلام، خاصة بعد الحرب التي طغت على الأخضر واليابس، لتثبت أن المرأة شريك أساسي في صناعة السلام، ونشر ثقافة التعايش.
حقبة ذهبية
نشأت مجمل في إحدى أهم الفترات للمرأة اليمنية في الجنوب خصوصًا، حيث كان الأمر مختلفًا إلى حد تُمنح فيه المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل في بعض الجوانب، وهذا دافع مهم لأن تكون مجمل بهذه الشخصية المساندة للمرأة في كل تفاصيل حياتها في ظل الوضع الراهن للبلاد والذي تدفع المرأة فيه ثمنًا باهظًا.
تحن اليوم الناشطة السياسية إلى تلك الفترة التي تصفها بـ”الذهبية”، معلقةً آمالًا كبيرة على استعادة المرأة لمكانتها تلك خلال الفترة القادمة، تضيف بفخر واعتزاز كبيرين: “اقتحمت مجال العمل في مجتمع قبلي متشدد، حامله مسؤولية إعالة أسرتي وأسرة أخي المتوفي، حيث انضممت لصفوف محو الأمية، وحصلت على دبلوم في العلوم الاجتماعية، كما عملت رئيس قسم الإيراد في أراضي وعقارات الدولة في محافظة لحج، قبل أن يتم إحالتي إلى التقاعد”.
سياسة وسلام
فاعلية كبيرة تميزت بها مجمل وهي التي كرست حضورها السياسي والاجتماعي لإحياء الدور النسوي بكل تفاصيله وعلى كافة المستويات.
عن دورها في مجال السلام تقول مجمل لـ” مشاقر “: “قدمنا مؤخرًا ورشة عمل حول السلام في محافظة لحج، نتجت عنها تكتلات نسائية لدعم المرأة في مختلف المجالات وإشراكها في الحياة السياسية والمفاوضات القادمة في إنهاء الحرب وإحلال السلام”.
ولا تنس توصيف حقيقة الوضع في البلاد اليوم بالقول: “نحن نمر بظروف استثنائية في البلاد، من وضع اقتصادي متدهور، وغياب الخدمات الأساسية للمواطن، عندما تتوفر الحياة الكريمة والسكينة العامة، هنا يتحقق السلام”.
لكن كل هذا وما تعرضت له خلال مسيرتها لا ولن تمنعها من مواصلة مشوارها على الرغم من أنها على مشارف العقد السادس إذ يزيدها ذلك إصرارًا لمزيد من العطاء والنضال حتى تكون المرأة اليمنية ذات حضور وفاعلية لصناعة السلام في البلاد.
نكران ذات
لم تكن مجمل تلك التي تعيش لذاتها أو لتحقيق مكاسب شخصية، فسعيها وحرصها على أن تكون للجميع قدمها ناشطة مجتمعية وصانعة سلام ممثلة للجميع.
وهو ما تؤكده رئيسة مكون “جنوبيات من أجل السلام”، رضية شمشير، في حديثها لـ” مشاقر “ بأن ثريا مجمل لم تبحث عن موقع لها، بقدر ما أسهمت في منح الأخريات من تجربتها التي اعتبرتها “راقية”، تكمل: “لم تكن ثريا مناطقية الانتماء إلى محافظة لحج فحسب، فالجنوب بالنسبة لها قضية، هي مناضلة قدمت وأعطت بنكران ذات عندما تأسست مجموعة جنوبيات من أجل السلام”.
وأضافت: “ساهمت ثريا بشكل إيجابي في نقل صورة حول أهمية دور المرأة في تحقيق السلام، والتأكيد على أن تشارك مع كل أطراف النزاع وفقًا للمسارات الأربعة استنادًا إلى القرار الأممي 1325، خاصة وأن الحرب التي دخلت عامها السابع دمرت الوطن جنوبًا وشمالًا”.
صانعات السلام
لعبت النساء اليمنيات دورًا مهمًا كمفاوضات ووسيطات، منذ بداية الصراع عام 2015، حيث أصبحن جزءًا أساسيًا في المجتمع، ومن خلال القرار رقم 1325، بدأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في إدراك أهمية دور النساء في حل ومنع النزاعات، إلا أن تمثيلها في محادثات السلام وعمليات الحوار ما يزال ضعيفًا، حيث تواجه النساء اللاتي يشاركنّ في بناء السلام تحديات خطيرة وتهديدات أمنية.
حول ذلك يرى رئيس مجموعة “أكاديميون من أجل السلام”، فضل الربيعي، في تصريح لـ” مشاقر “ أن أكثر الفئات التي تعيش قلقًا من الحرب وتدفع ثمنها كثيرًا هي النساء، ويعتبر أن الخصائص التي تحملها المرأة يجعلها أكثر قلقًا من وضع استمرار الحروب والصراعات، ويشير إلى ظهور دعوات صادقة ومجردة من أي نزاعات لإرساء السلام من قبل النساء، والتي ينبغي أن تتسع ولا تقتصر على دوائر النساء فقط كما هو ملاحظ، حد قوله.
ويرى دكتور علم الاجتماع، أن المرأة تلعب دورًا أساسيًا للدعوة للسلام، ويعلق على دورها آمالًا كبيرة، ولا بد أن يأخذ هذا الدور مداه في عملية صنع السلام في اليمن، كما يجب أن تكون لدى المرأة القدرة على وضع التصورات المبررة لأهمية إحلال السلام من منظور مجتمعي، مع ضرورة تفهم أطراف الحرب لهذه الأهمية.
من جانبها تؤكد عفراء حريري عضو “جنوبيات من أجل السلام”، لـ” مشاقر “حضور المرأة اليمنية في أدوار مختلفة لصناعة السلام، إلا أنه ما يزال أمامها التغيير في بعض الآليات لفرض نفسها في مواقع صنع واتخاذ القرار، ومنه إلى طاولة المفاوضات، لافتة إلى أن ذلك سيتحقق بتكاثف جميع النساء، بغض النظر عن انتماءاتهن وولائهن ومناطق عيشهن.
أُمنية
تتمنى مجمل اليوم أن تتوقف الحرب، ليعيش المواطن بعزة وكرامة، كما تتمنى أن تتلقى المرأة الدعم الكافي من الجميع لمشاركتها في محاور الأمن والسلام، وذلك لأهمية مساهمتها المتكافئة ومشاركتها الكاملة في جميع الجهود الرامية إلى حفظ السلام والأمن وتعزيزهما، ولضرورة زيادة دورها في صنع القرار في ما يتعلّق بمنع الصراعات وحلّها، فهي أول الفئات المتضررة من النزاعات والحروب.. فهل تتحقق أمنيتها؟