قصة فتاة كسرت الصورة النمطية للمرأة في الجوف
الجوف / حافظ الهياجم :
سلسبيل علي فتاة يمنية قادمة من تضاريس صعبة وتركيبة سكانية يمنية معقدة وهي محافظة الجوف الواقعة “شمال اليمن “.
تبلغ سلسبيل من العمر واحدًا وعشرين ربيعاً ومن الأحلام ما لا يمكن مقارنته بعمر.
من المفارقات العجيبة أنها بدأت بالصعود في حياتها المهنية والتطوعية في الوقت الذي كانت البلد قد بدأت بالانحدار نحو هذا الظرف الصعب والقاسي الذي تعيشه اليوم، ولعله السبب ذاته في انطلاقتها.
البداية
وعن بدايتها في العمل المجتمعي في 2015، تقول لـ” مشاقر “ “عندما اندلعت الأعمال الحرب بين جماعة الحوثي والقوات الحكومية وخلفّت وراءها الكثير من المعاناة للناس، بدأت أفكر بالوضع النفسي والمعيشي للبسطاء، فقمت بمبادرة بسيطة مع صديقاتي وبدأنا بمشروع أطلقنا عليه “إسعاد يتيم” استهدفنا من خلاله أطفال أيتام، حيث عشنا معهم يوم مفتوح تخلله أنشطة وألعاب، وقمنا بتوزيع حقائب مدرسية وألعاب لهؤلاء الأطفال”.
وعلى قدر سعادة سلسبيل بهذه المبادرة البسيطة جاءت الاستجابات المجتمعية بعكس المتوقع، حيث استطردت بالقول “كوني فتاة جوفية تقوم بأعمال ميدانية، هذا الأمر وضع علامات استفهام مختلفة حولي”.
تحديات
غادرت سلسبيل إلى صنعاء منتصف عام 2015م وهناك انخرطت في العمل مع بعض الحملات التطوعية، من ثم انتقلت إلى النشاط عبر السوشيال ميديا والكتابة والسيناريوهات، وتقول هنا “كان هذا العمل أصعب بالنسبة لي حيث كنت من الفتيات القلائل في قريتي اللاتي يملتكن حسابات عبر “فيس بوك” وباسمي الشخصي دون الاضطرار لاستخدام اسم وهمي كما تفعل أغلب الفتيات، هذا الأمر تحديدًا جعلني عرضة للتنمر والقذف وكثير من المضايقات”، وتستطرد سلسبيل “أهلي فقط من ساندني، المجتمع والأقارب والكل كان ضد الفكرة، وضد عملي”.
وتستمر “البعض لا ينظر إليك وإلى العمل الذي تقدمه، بل ينظر إلى منطقتك وعمرك حيث كنت في السادسة عشر، وعندما ظهرت صوري في شاشات التلفاز ارتفعت وتيرة رفض أهل الجوف لعملي بذريعة القبيلة والدين، صبرت كثيرًا؛ لأن لدي هدف أريد تحقيقه”.
إنجازات
أسست سلسبيل علي في مطلع العام 2020 رابطة شباب الجوف وكانت رئيساً للرابطة، وقدمت بعض الأنشطة المختلفة منها وجبات إفطار رمضان، وكسوة العيد لأعداد من المعسرين، تقول بهذا الشأن “أن الهدف من إنشاء الرابطة هو تأسيس كيان شبابي مستقل من أبناء الجوف ويعمل من أجل نهضة المحافظة”.
وفي منتصف 2020 أسست سلسبيل مع والدتها مؤسسة UP التنموية والتي كانت بمثابة حلم بالنسبة لهم، مؤكدةً أن المؤسسة تهتم بقضايا الشباب اليمني بشكل عام وتُعنى بتأهليهم في المجال السياسي والاقتصادي والقانوني والإداري من خلال تنظيم برامج تأهيلية متكاملة تصنع منهم قادة للمستقبل.
وأضافت أن المؤسسة تعمل بجهود ذاتية حتى اللحظة، مشيرةً إلى أنها أقامت مشروع “مخيم تكوين الشبابي” الذي استمر لخمسة أيام بهدف إكساب نحو 100 شخص من الشباب والشابات بعض المهارات مثل التصوير، وصناعة الأفلام، والتنسيق والتصميم، والرسم وغيرها، وكان تأثيره في الواقع واسع جداً وبعض الذين كانوا في المخيم باتوا يمتلكون اليوم مشاريع صغيرة يعملون من خلالها.
وقال محمد ماجد مثنى الذي عمل مشرفًا على الأطفال الذين حضروا المخيم في حديثه لـ” مشاقر “ أن عدد 100 شابًا وشابة إلى جانب وجود أطفال في مخيم لمدة خمسة أيام في مدينة مأرب لم يكن عملًا سهلًا، حيث واجهتهم الكثير من الصعوبات نظرًا للظرف الأمني في المحافظة التي تشهد مواجهات عسكرية منذ ما يقارب الست سنوات.
وأوضح أنه تم اقتراح حضور الأطفال كي يكونوا ضمن المستفيدين كون الأطفال هم أيضًا لبنه من لبنات المجتمع حيث وهم شباب المستقبل، مشيرًا إلى أنه تم إعطاؤهم جرعًا ثقافية وإملائية وتعليمية وفكرية.
وأكد مثنى وهو أحد الدارسين في قسم الإخراج السينمائي أنه على صله مستمرة بكثير من الشباب الذين استهدفهم المخيم ووجد لديهم انطباع جيد لما تعلموه من دروس وأنشطة وبرامج.
وبدوره قال الإعلامي عبدالله الجرادي لـ” مشاقر “ إن مخيم تكوين الشبابي شكل طريقًا جديدًا للشباب في المحافظة نحو التطوير في المجال الفني والمعرفي.
وأضاف الجرادي الذي قام تدريب المشاركين في المخيم “التصوير الفوتوغرافي وصناعة الأفلام” أن الكثير كان يعتقد أن الإمكانية الوحيدة للتطور في هذه المجالات هو السفر إلى المحافظات المجاورة والتي من الصعب السفر إليها، مشيرًا إلى أن المخيم وضع حجر أساس لهذه المجالات في المحافظة وكان محفزًا للكثير من الجهات والمنظمات للعمل بذات النمط.
وفي فبراير من العام الجاري أقامت مؤسسة UP التنموية مشروع المؤتمر النسوي الأول لأجل السلام والذي فاز بجائزة المشروع النوعي الأول التي تقدمها منظمة “3 مسارات للتنمية” وحقق نجاحًا واسعًا.
ومؤخرًا أقامت المؤسسة ورش عمل حول الفرص التعليمية والثقافية المتاحة للشاب اليمني، التي تقدمها بعض الدول، كما تعمل المؤسسة على إنشاء نافذة خاصة بهذا الجانب ستنطلق قريباً.
أهداف
وكان الهدف الأهم بالنسبة لسلسبيل كما تؤكد لـ” مشاقر “ هو المساهمة في عملية التغيير المجتمعي الإيجابي، وسعيها لتغيير الصورة النمطية عن المرأة في اليمن بشكل عام، وفي محافظتها “الجوف” على وجه الخصوص تؤسس سلسبيل أنشطتها وتضع لها حضور قوي في محافظة الجوف ذات الطابع القبلي .
و منذ البداية رسمت سلسبيل لنفسه طموح كما تصف هو أن تكون صوتًا حرًا لقضايا المجتمع وتحلم أن تكون من رائدات العمل المجتمعي على مستوى الوطن العربي.
وتعتبر سلسبيل أنها راضية عن النجاحات التي حققتها خلال فترة وجيزة من عمرها، مضيفة أن الكثير من التطلعات لا زالت تعمل من أجل تحقيقها وإنجازها وإثبات أن المرأة اليمنية قادرة على شق طريقها نحو الريادة متى ما أرادت.