fbpx

قنابل موقوتة “المولدات” تهدد سكان صنعاء القديمة ومعالمها

نورا الظفيري

في ليلة ربيعية عام 2022، استيقظ سكان صنعاء القديمة على دويّ انفجارين متتاليين، وحريق هائل استمر لساعات، ألحق أضراراً بالمباني الأثرية في حارة سوق البقر. كان سبب الحريق مولد كهربائي مركزي محاط بخزانات وقود.

مشهد عشوائي

على مرأى الجميع، تنتشر في صنعاء القديمة مولدات كهربائية بجوارها خزانات وقود، بلا اكتراث بإجراءات السلامة العامة في فناءات المنازل والشوارع، وقرب المقاهي والمطاعم، والأسواق القديمة المزدحمة بالباعة والمتسوقين. 

أصبحت الكوابل العشوائية تغطي مسارات الحارات والأزقة. وهدوء المدينة المعتاد أصبح ضجيجاً مقلقاً لا يتوقف ليل نهار. أما الأدخنة السوداء المنبعثة من المولدات فتخنق الأنفاس وتعكر هواء المدينة. مشاهد جعلت الخوف يسيطر على الأهالي من حدوث حرائق وانفجارات مماثلة لحادث “سوق البقر”، خصوصاً أن الجهات المختصة لم تستطع فرض أي إجراءات تضمن عدم تكراره.

وفي ظل غياب البدائل، باتت المولدات حاجة للسكان للحصول على التيار الكهربائي؛ ما زاد من استغلال مالكي المولدات في استخدام إمدادات وكوابل ذات جودة متدنية، لإيصال التيار للمنازل والمحال، وعدم الاعتماد على خبرات في مجال الكهرباء لتنظيم الشبكة، إذ أصبح همهم الربح وكسب مشتركين جدد.

يكشف هذا التحقيق عن وجود 11 محطة كهربائية، مملوكة من قبل تجار وأشخاص “نافذين” داخل مدينة صنعاء القديمة، تفتقر إلى أدنى مقومات السلامة العامة، في ظل حالة من التراخي وتضارب الصلاحيات بين ثماني جهات حكومية؛ ما يجعل السكان عرضة لمخاطر الموت والإصابة والخسائر المادية جراء انفجارات وحرائق قد تندلع في أي لحظة، وتهدد بفقدان المدينة الأثرية مكانتها العالمية، بسبب تزايد التشوهات، والتغير المستمر في سماتها كمدينة مدرجة على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، من قبل لجنة التراث العالمي لليونسكو. تلك المولدات وخزانات الوقود، أصبحت “قنابل موقوتة” داخل صنعاء القديمة. في العرض أدناه أمثلة على بعض المحطات.

محطة أحمد الهرملي وشريكه عبد السلام حمزة جنوبي المدينة، نجد محطة “بستان شارب”، التي سميت باسم الحارة نفسها. مالكها أحمد الهرملي وشريكه عبد السلام حمزة. اتخذ الأخير من منزله مكاناً لوضع المولدات وخزانات الوقود في الفناء الخلفي فوق السور الجنوبي القديم الممتد باتجاه معلم “باب اليمن”، متجاهلاً خطر تلك المولدات وخزانات الوقود على عائلته وجميع المنازل المجاورة، وقوة الاهتزازات والوزن الزائد الذي يتعرض له السور القديم والمنازل المجاورة. يسيطر المالك أحمد وشريكه على 18 حارة داخل صنعاء القديمة، وجزء من سوق الملح وشارع الأدوية، ويبلغ عدد المشتركين لديهما ثلاثة آلاف و 650 مشتركاً.
محطة حيدر فاهم
في الجهة الغربية، باتجاه سوق “باب السباح”؛ توجد في أحد أزقته بناية يملكها التاجر حيدر فاهم. عند دخول تلك البناية ذات المدخل الضيق، نجد محطة كهربائية للمالك المذكور ويديرها إبراهيم الأكوع. تُظهر الصور ثلاثة مولدات مركزية وواحداً صغيراً وخزانات وقود كبيرة. قوة الضجيج في المكان تكاد تخرس كل من يمر من هناك. وواجهات المنازل تتشح بالسخام الأسود الناتج عن انبعاثات المولدات. مخالفات تقول الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية إنها لا تعلم بها.
محطة محمد الجمل
في حارة الطبري في “بستان الهبل”، تقع محطة كهربائية يملكها محمد عبد الله الجمل، خلفها مباشرة عدد من المنازل الأثرية. تتألف المحطة من ثلاثة مولدات مركزية، بجوارها ثلاثة خزانات وقود سعتها ثمانية آلاف لتر.
محطة جمال حسين الرجوي محطة كهربائية داخل “سمسرة الميزان”، تتبع التاجر جمال حسين الرجوي. تقع السمسرة المؤلفة من ثلاثة طوابق وسط السوق باتجاه الشمال الشرقي، وتلتصق بسمسرة الحوائج بالقرب من سوق المخلاص من جهة الغرب. هذه السمسرة من سماسر الخزن والتسويق الكبيرة، التي تمّ بناؤها عام 1391 ميلادية. وقد سميت بالميزان نسبه إلى ميزان الدولة، الذي من خلاله كانت تتمّ عملية مراقبة الأوزان المعتمدة من قبل الحكومة قديماً. وظفت السمسرة للأغراض التجارية خصوصا تجارة البن اليمني، وصارت مركزاً رئيساً له حتى مطلع السبعينيات من القرن العشرين. وثق التحقيق وجود مولدين مركزيين وخزانات وقود سعتها ألف لتر بالسمسرة، التي تعود ملكيتها لهيئة الأوقاف، وهو ما يضع تاريخ السمسرة وما حولها من معالم أثرية في خطر، دون التفات أو علم من الجهات المختصة.

محطة أحمد أبو الرجال
محطة كهربائية مركزية تقع في أحد البيوت الأثرية المهدمة “أرض بيت عصيد” بحارة زبارة. استأجرها المالك أحمد يحيى أبو الرجال من أجل عمل المحطة المجاورة لعدد من المباني الأثرية. توجد داخل الأرض خمسة مولدات مركزية، وخزانات وقود كبيرة وصغيرة. يسيطر المالك على أكثر من سبع حارات، ويتقاسم مع محطة المالك أحمد الهرملي وشريكه سوق الملح

“بزنس” على وقع أزمة الكهرباء 

“عندما تتخلى الدولة عن تقديم الخدمة يحل مكانها القطاع الخاص”، وهذا ما حدث، يقول رئيس قسم الهندسة الكهربائية بجامعة صنعاء عادل الشقيري.

فمُنذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، قُطع التيار الكهربائي بشكل نهائي عن العاصمة صنعاء؛ بسبب تعرض جميع محطات التوليد الرئيسية للقصف والتخريب، وهي المحطات البخارية ومحطة مأرب الغازية، ومحطات الديزل المحلية التابعة لمؤسسة الكهرباء (حكومية).

وفي عام 2017، بدأت المولدات الكهربائية الخاصة بالعمل، وهو ما يعرف بـ”الكهرباء التجارية”، كبديل عن الكهرباء الحكومية. هذه المولدات تتبع أشخاصاً يقومون بالبيع والشراء، ومد خطوط الكهرباء للمنازل، من دون مراعاة شروط السلامة العامة، وبلا اكتراث بمعالم المدينة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1986. 

الواقع الجديد، خلق حالة من التنافس بين مالكي المولدات للحصول على أكبر عدد من المشتركين. فحارات صنعاء القديمة الـ 56 باتت مقسمة بينهم. ومن يمتلك مولدات أكثر، أصبح لديه عدد أكبر من عدادات التوزيع. تنافسٌ يخرج أحياناً إلى دائرة الصراع، إذا حاول أحد الملاك “التعدي” على حصة مالك آخر، بسحب مشتركين من حارته.

فمثلاً، يسيطر المالك أحمد الهرملي وشريكه عبد السلام حمزة على أكثر من 18 حارة، ويتقاسمان سوق الملح -أقدم أسواق اليمن- مع المالك أحمد يحيى أبو الرجال. ليبلغ إجمالي العدادات للهرملي وشريكه ثلاثة آلاف و650 عداداً قابلاً للزيادة. 

في حين يسيطر المالك محمد الشعباني على أكثر من 10 حارات، بإجمالي عدادات بلغ ألفاً و600 عداد، بحسب ما كشفه لمعدة التحقيق. أما المالك محمد حاتم، فيزود 5 حارات وشارع الكهرباء التجاري بالتيار.

أدى هذا التقسيم إلى تشكيل “عصابات” وليس فقط مقدّمي خدمة الكهرباء، وفق وصف أحد المواطنين داخل صنعاء القديمة، رفض ذكر اسمه تجنباً للمخاطر من قبل مالك المولد.

إفادة مواطن من صنعاء

 منذ دخول المولدات إلى صنعاء القديمة، كان المالكون يحددون تسعيرة التيار، كل على هواه، فكان سعر الكيلو واط يتجاوز 350 ريالاً يمنياً (0.5 – 0.75 دولار) بالإضافة إلى رسوم اشتراك شهرية بمتوسط ثلاثة دولارات، إلى أن حددت وزارة الكهرباء التسعيرة في 2023 بـ 250 ريالاً للكيلو (أقل من نصف دولار)، لوضع حد لفوضى الأسعار.

“قرارات إزالة” مع وقف التنفيذ

عند مراجعة القوانين ذات الصلة بعمل مولدات الكهرباء داخل صنعاء القديمة، نجد أنها تحظر وجود تلك المولدات داخل المدينة، وفقاً لقانون المحافظة على المدن والمناطق التاريخية وتراثها الثقافي العمراني. 

بل إن تلك المولدات تعمل من دون تراخيص من الجهات ذات الاختصاص، وهي: الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية، ووزارة الكهرباء. أظهرت مراسلات بين رئيس اللجنة الرئيسية للمولدات الخاصة ووزير الكهرباء، عدم حصول تلك المحطات على التراخيص، مع التوصية بإغلاقها. 

“لا يجوز الترخيص بإقامة أي نشاط استثماري في المواقع المسجلة إلا بعد موافقة الهيئة وتأكدها من توافق وعلاقة هذا النشاط مع طبيعة وخصوصية المبنى أو المعلم التاريخي في الموقع المسجل بصفة عامة ويحق للهيئة إيقاف أي عمل أو نشاط من شأنه الإضرار بطبيعته أو خصوصيته”

المادة (56) من قانون رقم (16) لسنة 2013 بشأن المحافظة على المدن والمناطق التاريخية وتراثها الثقافي العمراني

ورغم النص القانوني الواضح، إلا أن الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية لم تستطع إيقاف أي من تلك المحطات، رغم إصدارها أوامر وإشعارات بإزالة عدد منها.

على سبيل المثال، اتخذت الهيئة عدة إجراءات بحق المالك محمد علي حاتم، شملت تسعة إشعارات وأوامر  وقرارات قضائية بتواريخ مختلفة، بإزالة محطته. 

لم تنجح أي من تلك الإجراءات في إزالة المحطة، ليستمر المالك المذكور بالاعتداء على السور الشمالي لمدينة صنعاء القديمة، بوضع مولد مركزي وخزانات وقود بجواره، إلى جانب ثلاثة مولدات مركزية في “بستان معمر” أمام السور.

وعند التدقيق في الملف، وجدنا عرائض شكاوى مقدمة من الشرطة السياحية في 2019، إلى وزير الثقافة، ووكيل الوزارة لقطاع الآثار، ضد نائب رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية في حينه، عقيل النصاري لمنعه تنفيذ أوامر الإزالة.

وبعد أن أصبحت المولدات أمراً واقعاً مخالفاً للقانون، أصدرت وزارة الكهرباء لائحة تنظيم النشاط المؤقت لمالكي المولدات الكهربائية الخاصة بتوليد وتوزيع الطاقة للمستهلكين. وجاء في نص المادة رقم (5) أنه “لا يحق لأي شخص ممارسة النشاط المؤقت لتوليد وتوزيع الطاقة الكهربائية وبيعها للمستهلك إلا بعد حصوله على ترخيص مؤقت”. وبهذا النص، فإن جميع المحطات داخل صنعاء القديمة  مخالفة، ولا يحق لها ممارسة النشاط لعدم وجود تراخيص.

وبالنظر إلى الاشتراطات والمعايير الفنية الخاصة بممارسة النشاط المؤقت لتوليد وتوزيع وبيع الطاقة المنتجة من المولدات المنصوص عليها في اللائحة، فإن مولدات صنعاء القديمة لا تنطبق عليها تلك المعايير والشروط.

ومن بين تلك الشروط ما نصت عليه المادة (28): “لا يجوز للمرخص له القيام باستخدام نقاط لتوزيع وبيع الطاقة الكهربائية للمستهلكين عبر أشخاص آخرين من الباطن”، وما يحدث في الواقع هو أن هناك مُلاكاً يقومون بتوزيع وبيع الطاقة عبر أشخاص آخرين، كما يفعل المالكان أحمد الهرملي وعبد الإله علوس وغيرهما.

في المقابل، فإن مصلحة الدفاع المدني تُعنى بالمراقبة وإيقاف أي منشأة تخالف شروط السلامة العامة. لكنّ المحطات ما زالت تعمل، ولم تتمكن مصلحة الدفاع المدني من تطبيق القانون، وألقت بالمسؤولية على وزارة الكهرباء كونها الجهة المسؤولة عن منح التراخيص لمالكي المولدات داخل صنعاء القديمة، وفق مدير عام العلاقات العامة والإعلام خالد الشراحي. 

في المقابل، فإن مصلحة الدفاع المدني تُعنى بالمراقبة وإيقاف أي منشأة تخالف شروط السلامة العامة. لكنّ المحطات ما زالت تعمل، ولم تتمكن مصلحة الدفاع المدني من تطبيق القانون، وألقت بالمسؤولية على وزارة الكهرباء كونها الجهة المسؤولة عن منح التراخيص لمالكي المولدات داخل صنعاء القديمة، وفق مدير عام العلاقات العامة والإعلام خالد الشراحي. 

قانون رقم (24)لسنة 1997 بشأن الدفاع المدني – المادة (13)

تضارب صلاحيات 

ما يزيد من “فوضى محطات الكهرباء”، هو تداخل الاختصاصات بين ثماني جهات حكومية تشترك في اتخاذ القرارات الخاصة بالمدينة، وهي: الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية، ووزارة الثقافة، ووزارة الأوقاف، ومكتب الأشغال، وأمانة العاصمة، ومديرية صنعاء، وجهاز القضاء، وفيمَ يخص المولدات تأتي وزارة الكهرباء. 

يتمّ تحويل ملفات القضايا المتعلقة بالتراث إلى محاكم غير متخصصة، وهي محكمة شرق الأمانة أو محكمة غرب الأمانة، فيتمّ إصدار أحكام في صالح المخالفين ضد مبدأ الحفاظ على المدينة، علماً بأن المحكمة المعنية بالمدن الأثرية، هي محكمة الأموال العامة.

وفي هذا الجانب، أظهرت ملفات لمالكي المولدات تضارباً في القرارات بين الجهات المعنية، فعندما تصدر الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية قراراً بإزالة مولد ما، تأتي جهة أو شخص آخر، ويقوم بعرقلة تنفيذ القرار. وظهر ذلك ذلك في ملف المالك محمد علي حاتم ، وملف المالك إبراهيم الفرانصي. ورغم أن كلا المالكين التزما خطياً للهيئة بإزالة جميع المخالفات وإخراج المولدات خارج صنعاء القديمة، إلا أن ذلك بقي حبراً على ورق.

ويفسر وكيل الهيئة للشؤون الفنية رشاد المقطري، التقاعس عن تنفيذ قرارات الإزالة، بوجود ما وصفه “لوبي من النافذين واللجان المجتمعية والمجتمع المحلي والأهالي الذين يعارضون بشدة إزالة المولدات إلى خارج المدينة”.

وفي محاولة لتفكيك ضغط “اللوبي” واللجان المجتمعية، كشف المقطري عن تواصل الهيئة مع وزارة الكهرباء لإدخال التيار الحكومي إلى صنعاء القديمة بسعر رمزي، بحيث تكون بديل المولدات التجارية. لكنّ المقترح قوبل -وفق المقطري- بالمعارضة بسبب “وجود مصالح مشتركة بين وزارة الكهرباء ومالكي المولدات”.

من ناحية أخرى، اتهم المقطري مصلحة الدفاع المدني بعدم القيام بدورها في عملية المراقبة على الأمن والسلامة. ودلّل على ذلك، بأن الهيئة قامت بإشعار الدفاع المدني بعد حادث حريق مولد إبراهيم الفرانصي (سوق البقر)، ومطالبته بإيقاف المحطة بشكل عام ونقلها إلى خارج المدينة كونها تسببت بالانفجار، إلا أنه لم يتمّ التجاوب مع هذا الطلب، وفق قوله.

من جهة أخرى، فإن تعدد الجهات الرسمية التي يحق لها إصدار التراخيص بالعمل أو إنشاء منشأة استثمارية داخل صنعاء القديمة، يؤدي إلى وجود الكثير من الانتهاكات بحق المدينة. ما قد تراه وزارة الكهرباء ومكتب الأشغال “استثماراً”، فإن الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية تراه ضرراً يقع على المدينة. وفي ظل هذا التضارب، تتفاقم عمليات اختراق القوانين، خاصة قانون رقم (16) لسنة 2013.

علاوة على ذلك، يلتف مالكو المولدات على إجراءات الترخيص، عبر فتح ملفات من أجل السير في الإجراءات وتسديد دفعات مالية، من دون إكمال الإجراءات. فالمالك محمد الشعباني دفع لوزارة الكهرباء مبالغ لتجديد تصاريح مؤقتة لمزاولة عمل المحطة الخاصة به، من دون استكمال الترخيص رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على أول دفعة قام بتسديدها.

إلى جانب كل ذلك، لوحظ غياب التنسيق بين الجهات ذات العلاقة؛ إذ نجد أن وزارة الأوقاف تؤجر أملاكها داخل صنعاء القديمة لمالكي المحطات، من دون الرجوع لهيئة المدن التاريخية، في تجاهل لطبيعة المدينة، وما حلّ ببعض بساتينها من تصحر بفعل عمل المولدات. ونجد ذلك في ثلاث محطات داخل بساتين تتبع وزارة الأوقاف، قامت بتأجيرها لكل من: محمد الشعباني، ومحمد علي حاتم، ومحمد عبد الله الجمل.

لا يتوقف التضارب والتداخل في الصلاحيات عند هذا الحد، بل يتعداه إلى وجود شبهات فساد تتعلق باختفاء ملفات من داخل الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية، لمالكي محطات صدرت بحقها قرارات إزالة. توصل التحقيق إلى أن بعض تلك الملفات يتمّ بيعها (إخفاؤها) من قبل أشخاص في الهيئة لصالح مالكي المولدات، وفق ما كشفه مصدر من داخل الهيئة رفض الكشف عن اسمه. وثق التحقيق حالتين من هذا النوع تعودان لملف المالك أحمد الهرملي وشريكه، وملف أحمد يحيى أبو الرجال؛ ما يضيف عاملاً آخر في طريق عرقلة تنفيذ قرارات إزالة المولدات المخالفة. 

اهتزازت وأدخنة وضجيج

هدير المحركات الذي لا يتوقف وما يرافقه من اهتزازات على مدار الساعة، ينذر بإحداث تشققات وتصدّعات في معالم المدينة التراثية ذات المباني المتجاورة. إذ أظهرت مُراسَلة بين الهيئة ومديرية صنعاء، تشقق أحد المباني الأثرية بسبب مولد عبد الباري الحبوري، ناهيك عن اختناق السكان نتيجة الانبعاثات. وأوصت الهيئة بإزالة المولد، وهو ما لم يحصل.

المولد الخاص بالمالك عبد الباري الحبوري

كذلك وجهت وزارة الكهرباء عام 2021، وعلى مرتين، بإخطار أصحاب المولدات الخاصة العاملة داخل صنعاء القديمة بسرعة إزاحتها إلى خارج المدينة “حرصاً على عدم تعرض المباني التاريخية للأضرار والانهيار، نتيجة الاهتزازات المصاحبة لتشغيلها”.

ليست الاهتزازات مكمن الخطر الوحيد، فأدخنة المولدات السوداء شوّهت حجارة المدينة القديمة، وأدت إلى تآكل السور القديم، بحسب تقرير مفتش مكتب الأشغال أمين خصروف، الخاص بمحطة المالك محمد علي حاتم.

كانت حادثة الانفجار والحريق في سوق البقر العام الماضي، مصدر خوف لسكان صنعاء القديمة، خصوصاً أن ثماني محطات تقع في فناءات المنازل وبين الحارات والأسواق. قدّم بعضهم شكاوى من الضجيج والأدخنة وانتشار خزانات الوقود، لكنّ أحداً لم يسمع. 

حتى إن توصية الدفاع المدني لوزارة الكهرباء بتصويب أوضاع المحطات وضرورة مطابقتها لإجراءات الأمن والسلامة، لم تجد طريقها إلى التطبيق. محطة المالك محمد الشعباني مثال على ذلك.

تم نشر هذه المادة بالتزامن مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية”أريج”

مقالات ذات صلة