ليست مجرد مسافة
تعز/ قيس الشدادي
لا تختلف صعوبة إكمال التعليم في اليمن عن صعوبة العيش بسلام، وما تزال المرأة الريفية، في هذا البلد، تكافح من أجل هذا وذاك.
صعوبات حصول المرأة على حقها في التعليم لا تتوقف عند حدود التكلفة، وانهيار المؤسسات التعليمية بسبب الحرب، بل تضاف إلى ذلك مشكلات أخرى قد لا يدركها البعض منذ الوهلة الأولى.
تقول إعتاق الكحلاني لـ “هودج”: “نمشي من ساعتين ونصف إلى ثلاث ساعات يوميًا، كروتينٍ يومي للوصول إلى الكلية، وعلى الرغم من ذلك، تمثل نظرة بعض أفراد المجتمع تحديًا أكثر صعوبة”.
نظرات معيقة
تقطع إعتاق ذات العشرين ربيعًا، القاطنة في ريف محافظة تعز الجنوبي، عزلة الجبزية، مسافة عشر كيلومترات، سيرًا على الأقدام، يوميًا مع رفيقاتِها، إلى موقف السيارات التي، بدورها، تُقلهنّ لقطع مسافة مشابهة؛ كي يصلنّ إلى الكلية، “المسافة بين قريتنا والكلية حوالي 20 كم، نقطع نصفها سيرًا على الأقدام، ثم نكمل الباقي باستخدام السيارات”.
تمر الطريق بمنعرجات وعرة، لكنّ تعب السير على الأقدام أقل تأثيرًا في هؤلاء الفتيات من تلك النظرة التقليدية لبعض أفراد مجتمعهنّ الذين ينتقدون فكرة سير البنت كل هذه المسافة للحصول على التعليم الجامعي؛ فهم لا يرونه ضروريًا، تقول إعتاق: “هؤلاء هم أنصار مقولة: ما للبنت إلا بيتها وزوجها. إنهم يتسببون لنا بكثير من المتاعب عندما يحاولون، بشكل دائم، إقناع آبائنا بأن طول المسافة تشكل خطرًا علينا”.
استمرار تلك النظرة التقليدية يتسبب بأذى نفسي للفتيات؛ نتيجة للنقد المستمر الموجه للأسرة من قبل أصحاب تلك النظرة، يقول عبدالقادر شرف، وهو أحدهم: “يمكن للفتاة أن تدرس حتى تتعلم القراءة والكتابة، لكن لستُ مع دراستها في الجامعة، أو أن تتوظف؛ لأن المرأة وظيفتها رعاية البيت، وتربية الأولاد”.
دعم أسري
تقول إعتاق: “في البداية، واجهت معارضة شديدة من قِبل الأهل والأقارب، لكنِّي قررت ألا أستمع لما يَحِد من طموحي، فركزت على هدفي، وعلى إقناع والدي الذي تُعدّ موافقته كافية لأن أخوض هذا التحدي، وقد تمكنت من الحصول على تلك الموافقة بعد محاولاتٍ عديدة، أما الأخرون، فلا يعنيني ما يقولونه؛ هم ليسوا أصحاب القرار”.
في البداية، واجهت معارضة شديدة من قِبل الأهل والأقارب، لكنِّي قررت ألا أستمع لما يَحِد من طموحي، فركزت على هدفي
وتضيف: “كان والدي مترددًا في البداية؛ بسبب تلك المواقف السلبية من المحيطين والقريبين منه، خاصة وأن الكلية بعيدة فعلًا، لكنّي كرست جهدي لإقناعه؛ حتى أن أصبح سجينة في البيت، وأخسر حلمي ومستقبلي”.
ولمواجهة تلك الضغوط؛ عمدت الفتيات على تنسيق انتقالهنّ، عبر الطريق الوعر، على هيئة مجموعات بدلًا من السير بشكل منفرد؛ الأمر الذي ساهم في تخفيف بعض تلك التدخلات والانتقادات، وطمأنة أسرهنّ، بحسب إعتاق.
يقول والد إعتاق: “عندما أخبرتني إعتاق أنها تريد أن تدرس في الكلية، كنت مترددًا لأسبابٍ عدة؛ منها ظروفي المادية، والخوف عليها من مخاطر الطريق، وألسنة الناس، وبُعد المسافة. لكن، في الأخير، وجدت نفسي في صفها؛ فهي ابنتي في النهاية، وهي ذكية وطموحة، ولا شك في أنني أريد لها وضعًا أفضل؛ لذا أيَّدت فكرة مواصلتها لتعليمها، فيما أتكفل أنا بمواجهة النفقات والمعارضين من الدائرة القريبة”.
تحلم إعتاق أن تصبح ممرضة؛ وهو ما يدفعها لاحتمال كل تلك الصعوبات، وتشاطرها ذات الحلم والتحديات زميلتها ياسمين عبدالله التي تقول: “صحيح أننا نتعب، ونقطع كل تلك المسافة، وغالبًا نعود إلى البيت، الساعة الثالثة عصرًا، دون غداء، لكنّ كل هذا سينتهي حين نكمل تعليمنا”.
أخطر
تشير إحصائيات لمنظمة اليونيسيف، نشرت في أكتوبر / تشرين الأول 2017م، إلى أن 31% من الفتيات في اليمن خارج التعليم، كما أن اثنتين من كل ثلاث نساء يعتبرنّ أُميَّات؛ ما يكشف عن حقيقة وضع المرأة في هذا البلد.
التعليم حق مشروع للفتاة اليمنية، كما هو حق للولد، لكنّ كثيرات لم يتمكنّ من تحصيل هذا الحق لأسباب مختلفة؛ فطول المسافة ووعورتها لا يمثلان التحدي الوحيد، تقول الشابة مؤمنة محمد، إحدى رفيقات إعتاق في الدراسة الابتدائية: “عندما كنت في الصف التاسع، كنت أطمح لإكمال دراستي، وأصبح طبيبة؛ حتى أوفر دخلًا لي ولأسرتي، وأعالج أخي الصغير الذي كان يعاني من تكسرات في الدم، لكنّ القدر أخذ أخي، والظروف والعادات أخذت مستقبلي، فأُجبرت على الزواج بابن عمي، وترك دراستي”.
مؤمنة واحدة من كثيرات اضطررنّ إلى ترك التعليم، إضافة إلى “أسرار” التي لم يكن الزواج عائقًا أمام إكمال تعليمها؛ بل المال، تقول أسرار: “من الصعب أن أكمل تعليمي، خصوصًا بعد إيقاف المرتبات، ومرتب والدي؛ ما اضطرني إلى إيقاف الدراسة؛ لعدم مقدرتي على توفير نفقاتها؛ حيث أحتاج، يوميًا، إلى ما لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال يمني، وهو مبلغ من الصعب توفيره في ظل الظروف الحالية”.
تقول سعود الصوفي، وهي أم تدعم تعليم الفتيات: “لا تختلف حقوق البنت عن حقوق الولد؛ من حق البنت أن تتعلم، ويجب أن نشجع بناتنا على مواصلة التعليم”.وتضيف: “بُعد المسافة، ومخاطر الطريق ليسا أخطر من بقاء الفتاة دون تعليم”.
الحرب وتعليم الفتاة
وتسببت الحرب في اليمن بتسرب فتيات كُثر من المدارس؛ إما بسبب النزوح، أو مخاطر التنقل في مناطق الاشتباك، أو بسبب الوضع الاقتصادي، والظروف المعيشية الصعبة.
وتشير إحصائيات لليونيسف إلى أن “ما يزيد عن مليون طفل وطفلة باتوا خارج المدارس؛ ما يعني زيادة في منسوب الأُميَّة في اليمن”.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، محمود البكاري، يصف جانبًا من تلك الصعوبات المستجدة بالقول: “الظروف المعيشية، والتدهور الاقتصادي تسببا في العودة إلى الزراعة؛ ونظرًا لعدم توفر النَّقد الكافي لاستجلاب عُمالٍ إلى الحقول الزراعية لدى كثير من الأسر، أُوكِلت هذه المهام للمرأة والفتيات عمومًا؛ ما تسبب في ارتفاع نسبة الأُميَّة في أوساط الفتيات”.
ويضيف محذرًا: “أُميَّة الأمهات يمكن أن تكون، غدًا، إحدى الأسباب المؤثرة سلبًا في تعليم الفتيات؛ ما يجعل المخاطر طويلة المدى، وليست مجرد ظروف آنيَّة”.
تنشر هذه الماده بالتزامن مع منصة هودج