fbpx

نزهةقصة كفاح من أجل تكملة التعليم!

                 

تعز – و ضحة الوصابي

لا يبدو الوضع ممهدًا لأي فتاة من أجل شق رحلتها الدراسية بشكل مثالي، فاليمن بواقعها الراهن تختلف اختلافًا كليًا عمّا كانت عليه، ولم تعد الجوانب التقليدية سببًا وحيدًا لذلك، بل هناك أسباب أخرى فرضتها الحرب الدائرة منذ سبع سنوات.

حلم المدرسة

الذهاب إلى المدرسة، والالتقاء بالأصدقاء بعد غياب طويل، يعد ملاذًا لكسر الملل، فالمدرسة مهربهم الوحيد من حال بقائهم بالمنزل، والمواظبة مؤشر على التزامهم الدراسي وطموحهم العلمي لاستكمال دراسة المرحلتين الأساسية والثانوية، الذي تحلم به كل فتاة في الريف اليمني؛ هكذا بدأت نزهة طاهر حديثها.

نزهة (14 عامًا) من إحدى قرى مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، وهي قرية نائية تفتقر للخدمات الأساسية، ومنها التعليم.

تقول: الحرب عائق جعلني منقطعة عن الدراسة لفترة طويلة، وهذا سبب في التأخر في التحصيل العلمي رغم التحاقي بالمدرسة في سن متأخرة من عمري.

وتضيف: معاناتي للوصول إلى المدرسة تتمثل في اجتهادي من خلال السير مسافة كيلومتر مشيًا على الأقدام، في منطقة جبلية وعرة، قبل أن أصل للمدرسة، مواظبة على ذلك يوميًا، وهناك صعوبات للوصول إليها، وخصوصًا بعدما زُرعت طريق عبورنا بالألغام، بسبب الحرب.

وتتابع: أغادر منزلي الساعة السابعة صباحًا، وأصل إلى المدرسة الثامنة صباحًا، بشكل يومي، منهكة وجائعة، لكني اعتدت على ذلك، وهذا لم يثنني عن حبي للتعلم وشغفي لتكملة دراستي ودخولي الجامعة لتحقيق حلمي بأن أصبح طبيبة. لا أريد أن أصبح كما بقية فتيات القرية، دون تعليم، وتكريس حياتهن في العمل بالحقول وجلب المياه، لعدم إكمالهن مرحلة الثانوية.

وبحسب منظمة “اليونيسف”، الذي كشف عن أن ما يزيد على مليوني طفل (فتيان وفتيات في سن الدراسة) هم خارج المدارس سبب الفقر والنزاع وانعدام فرص التعليم في اليمن.

ووفقًا لدراسة أجرتها منظمة اليونيسف، فإن ثلثي المعلمين أي أكثر من 170ألف معلم ـ لم يتقاضوا رواتبهم بصفة منتظمة منذ أكثر من أربع سنوات بسبب النزاع والانقسامات الجغرافية والسياسية في البلد مما يعرض حوالي أربعة ملايين طفل آخر لخطر تعطل العملية التعليمية أو الانقطاع عن الدراسة بسبب توقف المدرسين الذين لا يتقاضون رواتبهم عن التدريس بغرض البحث عن طرق أخرى لإعالة أسرهم.

مثابرة وصمود 

بفضل المساهمة القيمة التي تقدمها المرأة، يزداد الاعتراف بالنساء والفتيات الريفيات، وتحسين سبل التعليم الأساسي. وتمثل النساء نسبة كبيرة من القوى العاملة، كما أنهن يسهمن إسهامات كبيرة في بناء القدرات التعليمية للصفوف الأساسية من مراحل التعليم.

تقول مديرة مدرسة الوحدة في منطقة ميلات، جميلة أحمد الوافي: تضم المدرسة 500 من البنين والبنات. ورغم الصعوبات التي أحدثتها الحرب الدائرة في اليمن، من خلال ضرب قوات التحالف، في 2016، لمدرسة الوحدة في ميلات، وتلغيم جماعة أنصار الله الحوثيين للطريق المؤدية إليها، قمنا بتدريس الطلاب في أحد المنازل بشكل مبدئي، وعندما رأيت مواظبة التلاميذ على الحضور بأعداد كبيرة للتعلم، ومساهمة الأهالي لالتحاق أطفالهم بالتعليم، قمنا بتطهير المدرسة من الألغام، واستئناف التدريس فيها، رغم أنها غير مؤهلة لممارسة التعليم فيها.

وتضيف الوافي: أصبحت أمام خيارين؛ إما أن نبدأ بعملية التعليم، أو الامتناع عن التعليم ليضيع جيل بكامله، فالمرحلة الأساسية هي المرحلة الأهم في التعليم، والحجر الأساس مع بداية مرحل الحياة الأساسية التي تمنح للمجتمع تحررًا من مخلفات الجهل والفقر، فالطالب عندما يكمل المرحلة الأساسية يضمن لنفسه إكمال بقية المراحل التعليمية.

وتؤكد أنها تسعى إلى جعل المدرسة مخصصة لتدريس الفتيات من المرحلة الأساسية إلى المرحلة الثانوية، وجعل كل نساء القرية يحصلن على التعليم، إذ إن أغلب الأسر في الريف لا تسمح للفتاة بتكملة المرحلة الأساسية والوصول إلى الثانوية في مدارس مختلطة، وهذا جعل من الفتاة في الريف يقتصر تعليمها على الصفوف الأولى من المرحلة الأساسية، فأولياء الأمور يرفضون تلقي فتياتهم التعليم الثانوي على أيدي مدرسين ذكور، وهو ما يجبر كثيرًا من الفتيات على التخلي عن التحصيل للمرحلة الثانوية من التعليم.

كفوف بيضاء 

تمكين الفتاة الريفية من التعليم يحقق لها مستقبلًا أكثر صمودًا واستدامة لمواجهة تحديات العالم غير المسبوقة. وتشكل المرأة الريفية عنصرًا محوريًٕا في كل ما تقوم به، فنحن نعلم أنه لا يمكن تحقيق تنمية دون تمكين النساء والفتيات اللاتي يعشن في المناطق الريفية دون تعليم، حسب الأستاذة الأربعينية إلهام الظافري.

وتقول الظافري التي تسكن في بئر باشا بمدينة تعز، وتقطع أميالًا للوصول إلى مدرسة الوحدة في منطقة ميلات: أنا وزميلاتي المعلمات اللواتي يقطنَّ في وسط المدينة، نعمل لتأدية رسالة تعليمية، وهذا ما نستطيع تقديمه لخدمة الوطن. تجاوزنا صعوبات كبيرة منذُ البداية، إذ عملنا دون رواتب، وفي بعض الأحيان نعود إلى منازلنا متأخرات، بسبب انقطاع الطريق أثناء الاشتباكات، وعدم توفر خدمات النقل للعودة إلى المنازل، وكانت عملية التعليم في البداية بالكتابة على جدران المدرسة، ثم تم دعم المدرسة من قبل إحدى المؤسسات لتوفير السبورات للكتابة عليها، إلا أن حضور الطلاب وشغفهم للتعليم كان دافعًا لنا بالحضور للتعليم والمزيد من الاستمرار.

وتؤكد أن بعض الظواهر المنتشرة في الانقطاع التام للتلاميذ عن حضورهم للمدرسة، ليس لها أثر هنا، فالحضور منتظم وبكثافة في كل الصفوف.

ومن جانبه، أكد وكيل المدرسة أمين فرحان الوافي، تناقص أعداد المعلمين والمعلمات في منطقة ميلات والمناطق المجاورة لها، بسبب الظروف الصعبة، وهو ما أجبر البعض منهم على النزوح، فيما توقف آخرون عن التدريس، لكن حب التدريس والمبادرة ورغبة بعض الشباب في الإسهام بإنقاذ جيل كامل من الأطفال، كان دافعًا للاستمرار في تعليم الملتحقين بالمرحلة الأساسية.

ويضيف الوكيل الوافي أنه تمت إعادة بناء القسم الأيمن من المدرسة، ومنحهم 6 فصول دراسية وخزان للمياه، كانت مبادرة من مجموعة هائل سعيد أنعم، مؤكدًا أن جهودًا كهذه في إنقاذ العملية التعليمية، تساعد في النجاح والاستمرارية بتكملة العام الدراسي، والحد من الأمية، فالجهل آفة الشعوب، وبالعلم والمعرفة والتنوير والتبصير يتم بناء دولة وحضارات.

رغم الحرب، وتدني مستوى التعليم في اليمن، إلا أن مواظبة فتيات الريف على الدراسة تعكس صورة جلية من الطموح الدراسي والعلمي، فالأغلبية هن اللواتي يطمحن إلى استكمال الدراسة حتى الوصول للتعليم الجامعي.

مقالات ذات صلة