fbpx

إقبال قنداس.. ثورة نسائية في قلب الريف اليمني

لحج/ ريا المزاحمي

“ليس سهلًا أن تعيشي في مجتمعٍ ريفي وتديري أعمالًا وأنشطةً في المجتمع ذاته. عانيتُ من التنمر ما لم تعانِه امرأة”، تستهل إقبال محمد سعيد قنداس حديثها عن مسيرتها العلمية والعملية المليئة بالتحديات، وهي مؤسس شركة جودة الإتقان للمقاولات.

قنداس من مواليد 1990، وهي البنت الوسطى لوالديها، ترعرعت في أسرة فقيرة قوامها خمس فتيات وولد. جوبهت حياتها بمزيد الصعاب منذ الطفولة، إلا أنها لم تستسلم، حتى غدت شخصية أكاديمية واجتماعية ملهمة.

من معاناة النزوح إلى التعليم العالي

كانت إقبال طفلة في عامها الرابع عندما نزحت أسرتها من مدينة عدن، جنوبي اليمن، شاردة من ويلات حرب صيف 1994، إلى قرية يَهَر، يافع السفلى، شمالي شرق محافظة لحج.

عند بلوغها السنّ التعليمية التحقت بالمدرسة، وسط ظروف قاسية، واتخذت من الرسم مصدرًا للدخل تساعد به والدها لسدّ متطلبات الأسرة.

بعد إكمالها التعليم الإعدادي والثانوي، التحقت بكلية التربية في يافع، حيث تخصصت في “الفيزياء/الرياضيات”. في عام 2019، تم تعيينها إداريًا ومعيدةً في الكلية نفسها بدون مقابل مادي، واستمرت منذ ذلك الحين في التدريس بشكل طوعي حتى الآن.

في العام ذاته، أسست قنداس تجمعًا نسويًا كبيرًا يغطي أربع مديريات في يافع، وهي يهر، لبعوس، الحد، والمفلحي، التابعة لمحافظة لحج، تحت اسم “جمعية نساء يافع التنموية”. جاءت هذه المبادرة استجابة لحاجة المرأة للتنمية والدعم، وتعد الجمعية الوحيدة التي تقدم أنشطة وخدمات نسوية للعديد من النساء في تلك المناطق.

إلى ذلك، قررت الشابة الطموحة خوض تجربة جديدة في توسيع نشاطها إلى فئات أخرى، فانخرطت ضمن مجموعة شباب يافع للتوعية من خطر المخدرات، لتنفيذ حملات توعوية في المدارس والأحياء السكنية، والمستشفيات، على مستوى المديريات الثمان لـ يافع الممتدة بين محافظتي لحج وأبين، جنوب اليمن.

منتصف 2021، أصبحت قنداس مسؤولة حملات التوعية في المجموعة الشبابية، وأنجزت المرحلة الأولى والثانية، فيما تستمر في تنفيذ المرحلة الثالثة على مدار ثلاث سنوات.

يقول مدير عام مديرية يهر، محضار علويّ، إن حملات التوعية والتثقيف حول المخدرات لمع بريقها مؤخرًا بجهود إقبال قنداس، مشيرًا إلى “عمل جبار بين أوساط الشباب رغم صعوبة التضاريس الجغرافية الوعرة بين مناطق يافع”.

رسومات ريا المزاحمي

المرأة والشباب.. هدف أول

في عام 2022، تم تعيين قنداس مديرًا لإدارة تنمية المرأة في إحدى المديريات الريفية، حيث بدأت بجهود تطوعية لجمع البيانات الأولية، بهدف إنشاء قاعدة بيانات شاملة خاصة بنساء يافع. وفي عام 2023، تولت عمادة كلية عدن للعلوم الطبية والتطبيقية في يهر، دون أن تتخلى عن عملها المجتمعي. وكما صرحت: “صحيح أنني حصلت على مناصب حكومية وخاصة، لكن هدفي الأول هو العمل التطوعي ودعم المرأة والشباب”.

ليس طباخة البخور لكن شركة مقاولات!

ممارسة النساء للمهن الحرفية والتقليدية أصبحت أمرًا مألوفًا، حيث توجهت الكثير من النساء إلى استثمار جهودهن وأموالهن في مشاريع مثل الخياطة، تحضير المخللات، وصناعة البخور. إلا أن قنداس قررت خوض تجربة جديدة تسعى من خلالها لتحقيق الإنصاف المجتمعي لها وللنساء اللواتي يتبعنها، بعيدًا عن الأنماط التقليدية.

في أغسطس/آب 2024، أسست “شركة جودة الإتقان” بالشراكة مع أحد زملائها، لتصبح بذلك أول امرأة في محافظة لحج تؤسس شركة وأول من تدخل مجال المقاولات من النساء. ووفقًا لصالح الجياشي، متعهد معماري ومدني، فإن هذه الخطوة الجريئة تمثل نقلة نوعية لمهن النساء التي كانت تقتصر على المجالات التقليدية، متوقعًا أن يكون لها أثر كبير على المستويين الريفي والحضري.

وعن رؤية الشركة، تقول قنداس: “أطمح أن تضم الشركة مهندسات ومقاولات من النساء. والهدف الأساسي هو استقطاب عدد كبير من النساء إلى هذا المجال الذي كان حكرًا على الرجال”.

“ثروة” ملهمة وسط التحديات

واجهت المرأة الثلاثينية قيودًا مجتمعية ووعيًا قبليًّا عادة ما يجسد صورة نمطية إزاء النساء، إلى جانب ما خلفته الحرب على كافة الأصعدة، ومنها الجانب الاقتصادي وغياب الأمان، وهي تحديات شاقة لم تثنِها عن الهدف، كما أوضحت.

لا يختلف عليه اثنان على الحضور الذي أسسته قنداس في مجال السلام والجانب المجتمعيّ ودعم المرأة في محافظتها. وبهذا الصدد صرح مدير عام مديرية يهر، محضارُ علوي، لمنصة هودج قائلا: “قنداس ناشطة بارزة في المجتمع اليافعيّ، ولها إسهامات في تنمية وتطوير المجتمع وتثقيفه وبنائه”، كاشفًا عن انتوائه توليتها إدارة التخطيط والتنمية في المديرية.

ووفقًا لرئيس مجلس إدارة كلية عدن للعلوم الطبية والتطبيقية، محمد الشعيبي، فإن قنداس “ثروة يجب الحفاظ عليها”.

وأضاف: “الملفت في شخصية قنداس أنها لم تستسلم للعادات والتقاليد العقيمة، وهي إنسانة اجتماعية من الطراز الأول، لديها الرغبة في خدمة المجتمع وتعليم المرأة والفتاة الريفية”.

وبحسب مدير عام يهر السابق، عبد الرب الجعفري، فأنها “تمثل أنموذجًا شجاعًا وناجحًا للمرأة اليهرية. وتحمل في نفسها هموم المجتمع”، مضيفًا، “عملتْ معنا طيلة إدارتنا المديرية في نشاطات متعددة، ضمن مجالات المرأة والتعليم والثقافة والنضال والمبادرات المجتمعية”.

كل امرأة جوهرة

في ختام حديثها، ترى قنداس أن كل امرأة في جوفها مخزون من الإبداع، كل امرأة ألماس كما قالت، لكن مسامير المجتمع والعادات المتحجرة قادرة على تحويل الجوهرة إلى فحم ورماد، “ستتفحم كلّ امرأة لا تملك القوة، وآذانًا صماء”، في إشارة إلى عدم استماعها للغة الإحباط. 

“فأنا هنا”، تضيف، “مؤسسة أول شركة مقاولات في محافظة لحج، لأقول للنساء تمسّكن بالقوة ولتكنّ عنصر سلام يمضي قُدمًا”.

تم نشر هذه المادة في منصة هودج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *