الفيروزة قراءة لفكر الفضول ومحاكاة لروحه “الحلقة الاولي “
تعز – محمد أمين الشرعبي :
حبست انفاسي لحظات من الفرحة وانا أهم بتصفح ديوان الفيروزة للشاعر المناضل عبدالله عبدالوهاب نعمان «الفضول» فلم أكن مستعداً لقراءته في تلك اللحظات ولم استطع ان أبدأ فيترويض وجداني وحواسي على البدء في مشوار طويل وشيق من الكلمات والدموع والمشاعر الفضولية التي تحتاج الى ان أجّمل روحي في حالة اسعداد للسفر الى روح الفضول بشكل مرتب ومدروس من كل النواحي كي تكون ضيفة تحترم مهاب الفضول وتتقن فن الاصغاء والبكاء والهدوء.
لذا قررت ان أؤجل هذا المشروع «قراءة ديوان الفيروزة» حتى أكمل استعدادي الوجداني والنفسي وتهيئة جوارحي لمثل هكذا مشروع قراءة.
وفعلاً بدأت السير نحو محراب الكلمة وقدسية المعنى اتلمس بيدي وجوارحي روح الفضول اتفحص بامعانٍ تقاسمها وملامحها الجميلة وبإصرار عجيب أخذت أتامل مراراً وأبحر في رحاب المعنى واستلذ برونق القافية وحلاوة الكلمات.
اخذني سحر البيان وعمق الفكرة الذي يشكل القصيدة الفضولية ..!! ومن خلال قراءتي المتأنية في جزئية كل بيت من هذا الديوان وجدت اني كنت محتاجاً لقراءته منذ زمن كي اكتسب مناعة فكرية ضد كل فكر نشاز وأروي عطشي الوطني من نبع الفضول العذب الزلال الذي يقطر سلسبيلاً بحب اليمن وحب كل الاشياء فيه .
ولقد وجدت أن حاجتي للابحار في روح الفضول الشعرية تعادل حاجتي الى التعمق في فهم نفسي وحاجتي ايضاً الى اعادة ترتيب وجداني بشكل يتناسب مع معطيات المرحلة التي يمر بها قلبي المنكسر
لقد كنت موفقاً جداً في قراءتي لديوان الفيروزة لعبدالله عبدالوهاب نعمان «الفضول» للتعرف على هذه القامة الشعرية اليمنية العملاقة ولو أن هذا ليس بكافٍ للتعرف على انسانية الفضول وطقوس البوح التي يمارسها ووو….
الجانب الوطني والقومي
في ديوان الفيروزة تكتشف الجانب الوطني والقومي في شخصية الفضول والهم الذي اثقل كاهل عبدالله عبدالوهاب نعمان« الفضول» وتبناه في خطابه الابداعي الشعري ، فهو بصدق يتحرق لكل قضية وطنية أوقومية وتدرك هذا الامر منذ قراءتك الأولى لهذا الديوان وبالذات قصيدة«ذكرى ثورة 48» حيث تجد الفضول في هذه القصيدة انساناً لايعرف معنى للحياة بدون تضحية وفداء وإن الوطن هو أحق من نضحي من اجله وندفع الغالي والنفيس من اجل أن يكون حراً ،وفي خطابه الشعري في هذه القصيدة وهو يخاطب ثوار 48تلاحظ ان الفضول يعول عليهم حرية الوطن وان أنفسهم التي استرخصوها من اجل الوطن ستكون يوماً عناقيد من الضوء يتهادي بها الاجيال وان الطغاة سوف تركع امامهم انهزاماً وخضوعاً .
نجد الفضول يثني على ثوار 48ثناء جميلاً يستحقون اكثر واكثر من ان نثني عليهم..
أعطيت كل الواهمين نفوسهم
صدق الوفاء ومطلق العرفان
احنت لهم كل العروش واركعت
لهم السيوف وصولة التيجان
حملوا المشاعر في الطريق عريقة
اللهبات فوق مسارح الفيلان
لاأكاد المح في شعاع وجوههم
تحت الضحى يمشون في الاكفان
يّذرون طيب المجد حين تساقطوا
عبقين مثل ضمائرا الريحان
الفضول وثورة 48 م
الفضول في هذا المقطع من قصيدة ذكرى ثورة 48نجده الانسان اليمني الناطق باسم ضمير الشعب اليمني الرازح تحت وطأة الجلاد وهو المعبر الصادق عن القضية التي نذر نفسه من اجل ان يرى لهيب الثورة ويرى اعصار التغيير الذي يحطم معاقل الطغاة.
لقد طغت هذا المقطع من قصيدة ذكرى 48نجده الانسان اليمني الناطق باسم ضمير الشعب اليمني الرازح تحت وطأة الجلاد وهو المعبر الصادق عن القضية التي نذر نفسه من اجل ان يرى لهيب الثورة ويرى اعصار التغيير الذي يحطم معاقل الطغاة.
لقد طغت هذه الروح الشعرية الوطنية في نفس الفضول على كل قضاياه العاطفية التي يعمحج بها قلب الفضول العاشق المحب الذي اثخنه الوقت بالكثير نم الاهات والاحزان التي شكلت ابداعاً شعرياً رائعاً فالمعاناة تولد الابداع دائما فالفضول كان عاشقاً من الطراز الاول يحب بكل جوارحه فهو كما هو معروف عنه اصدق شاعر غنائي يمني جسد الحب الاصيل في قصائده العاطفية .
ومن هنا يمكن ان نلاحظ مكمن عظمة شخصية الشاعر«الفضول» فهو لايهمل قضايا ذاته وعاطفته حين يهده الحزن على قضايا وطنه وشعبه ولايتبنى هم الوطن على حساب عاطفته وقلبه المغرم فهذا التوازن الجميل في تبني الفضول لقضايا الوطن وقضايا الذات جعل الفضول وطناً كبر من ان يقال وفوق كل مقال وعاشق هام في الحب وتجرع كؤوسه.
لقد قرأت معظم قصائد الفضول العاطفية الغنائية وغير الغنائية وحين اقرأ اي قصيدة اتوقف بين البيت والآخر كي ابدأ من جديد رحلة جديدة لقراءة البيت الذي يليه فبين البيت والاخر هندسة بنائية متقنة.. للجمل وصناعة رائعة وبديعة للمعنى …!!
لاتشعر ان هناك أية فجوة انشائية في القصيدة تحدث اخلالاً في توازن واستقامة القصيدة وموسيقاها الداخلية وحتى ان قصائد الفضول ذات موسيقى خاصة جداً تتذوقها بطعم البن التعزي والبلح الصبري .
وكل بيت في القصيدة الفضولية هي بحد ذاتها قصيدة وعالم من الشجون والاحاسيس الرقيقة مجسدة ببساطة ودقة وعبارات سهلة وسلسة ومفهومة للعامي والمثقف .
مايمر الليل من بابنا
الادعا لحبنا أن يدوم
والفجر مايبدأ الابنا
يطوف حولينا طواف القدوم
وحين يقول:
قلبي يساءلني عليك اين
انت أين الحب
هل عادك حبيب
واسمع لنبض في دمي أنّات
تساءلني لماذا لاتجيب
الخطاب الشعري لدى الفضول في كتابة القصيدة الغنائية يوقظ الفطرة الانسانية ويخاطبها باسلوب عجيب يجعلها تثور على كل تناقضات الواقع السلبية .
وكل قصائده الغنائية في ديوان الفيروزة تحمل بعداً وطنياً وعاطفياً وتحس حين تقرأ قصيدة« وثيقة الشمس» انك
بحاجة ماسة للبكاء
ومنذ تغيبنا عن الملتقى
والعشب ينسى شوقه للمطر
والورد في اكمامه كلما.
اسقاهن قطر الغيم فيها ضمر.
هيهات ان أنساك
الااذا تزندقت نفسي
وقلبي كفر.
سنلتقي ان طال في عمرنا
عمر الهوى والصبر فينا صبر.
ففي كل قصائده دعوة صريحة ومتكررة للروح بالسمو عن وحل الانا والترفع عن الدناءات وخطاب مباشر للعاطفة الانسانية النبيلة التي تحمل قيم الخير والحب وليس غيرها.
دائماً لايصل تأثير الكلمة حينما تفتقد للصدق والحرقة والمعاناة وهذه المواصفات الآنفة هي التي تشكل القصيدة الفضولية ففيها الانفعال العاطفي والصدق الوجداني والمعاناة الواضحة.
لم يكن الفضول يوماً محابياً احداً حين يكتب فطابع الشعور عنده هو الذي يرسم شكل القصيدة فالشعر هو مخرجات الشعور الانساني النبيل .. ديوان الفيروزة هو الديوان الاول للمناضل الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان «الفضول» وقد ابرز هذا الديوان الفضول صاحب فكر وطني كبير ومنظر أول في حب الوطن والتضحية من اجله بالرصاصة والكلمة والفكر السياسي الناضج.
الفضول ووحدة الوطن
ولقد تنبأ الفضول بالوحدة اليمنية المباركة منذ زمن مبكر وظل يتغنى بهذا الحلم الجميل قبل غيره وهذا الحبس والشعور والحلم الذي كان يحمله الفضول بين جنبيه لم يأت الا من الايمان العميق بحتمية الوحدة وعدم قبول تجزؤ الجسد اليمني الواحد، فلقد عاش الفضول في عدن واستلهم افكاره الوحدوية من روعة هذه المدينة الرائعة من خلف قضبان السجن الذي قيد خلفه، والذي صنع من هذا الرجل شخصية صلبة قوية فمقدار هذا الاحساس العذب الحزين المنكسر الذي نلاحظه في قصائده يكون قدر انفعاله ورباطة جأشه وغضبه وصلابته فقد تحمل كل شدة من اجل الفكر الوطني الوحدوي الذي حمله من اجل الكلمة الصادقة ذات القضية التي يضحي صناديد الرجال بارواحهم من أجلها :
وعلى ذكر قوة شخصية الفضول وقوة انفعاله تجاه اي شيء لايروق له ولايعجبه فقد ذكر سائقه في مذكرات وحوار مطول اجري معه قبل 5سنوات في صحيفة الثقافية وهو محمد العديني ذكر ان الفضول كان انساناً عاطفياً في غاية الرقة والاحساس وانه كان حين يغضب الفضول اوينفعل لموضوع ما كان محمد العديني سائقه الخاص يغادر الى قريته فوراً الى أن ينتهي غضب الفضول. فالفضول كان بكل مقاييس الابداع مبدعاً بحجم الف مبدع وبحجم اليمن التي احبها واحبته .
وعلى ذكر تغنى الفضول بالوحدة اليمنية قبل تحقيقها بزمن طويل يقول ك
ياشمالاً يحمل الهم بنا.
مطرقا يصغي الى هم الجنوب.
وحدة الشطرين في اعماقنا
نغم تعزفه نبض القلوب
فهي الذرورة في اشواقنا
انها لقيا حبيب بحبيب
وهي ايماء الى اشواقنا
لن نلاقي بعدها وجه غروب..