المرأة بعين المجتمع حينما تعجز عن “الإنجاب”
تعز/ هيفاء المذحجي
“الأمومة” الحلم الضائع
نوال (اسم مستعار)، امرأة ذات 29 عامًا من مدينة تعز، متزوجة منذ أن كانت في الثامنة عشرة من عمرها، ومنذ ذلك الحين وهي تنتظر بلهفة وشوق، اليوم الذي سوف يتحقق فيه حلمها، وتشبع عاطفتها، ويبدأ مشوار العائلة. حينما تصبح أمًا، وتزهو الحياة بألونها الجميلة.
بنبرة حزينة، تحكي نوال عن مشكلتها العميقة، “لم أنجب طفلاً رغم مرور 12 عامًا على زواجنا” ، وهو أمر اكتشفته منذ العام الأول من زواجها، ولكنها اتسمت بالصبر وتمسكت بالأمل، إلى أن فشلت كل المحاولات والطرق!.
الإنجاب.. عندما يكون “مهمة”
لطالما خصصت الطبيعة البشرية، الإنجاب للنساء، لكن المجتمع اليمني أوكل تلك المهمة للمرأة، كدور جوهري في الحياة، وكأنما خلقت فقط لتجنب ودون ذلك لا معنى لوجودها، وإن عجزت عن تنفيذها يلجأ الرجل ببساطة لأخرى!.
ذلك هو حال نوال إذ بعد أن خضعت للكثير من الجلسات العلاجيّة للانجاب، أنفقت عليها الكثير من الأموال، أبرزها اجراء عمليات حقن مجهري، إلا أن كل المحاولات فشلت، وكانت نوال تتعرض كل مرة لخيبة جديدة وتتحمل سلسلة من المعاناة الجسدية والنفسية.
تقول نوال بأن الأمر كان حينئذ مقبولًا من قبل زوجها ولكن وبعد فشل كل المحاولات والضغوطات المتكررة، بدأت تسود المشاكل الزوجية حياتهما وتخللها برود عاطفي، باللإضافة إلى استمرار ضغوط أهل الزوج ،ودفع ابنهم للزواج بامرأة أخرى رغبتن بالاحفاد، غيرآبهين بعلاقتة من نوال، بحسب قولها،وهذا ما حطم قلبها وأدخلها في حالة من الصدمة والشتات.
تصف نوال،” كنت إنسانة مرحة محبة للحياة ولكن بسبب الضغوط النفسية والمضايقات المستمرة والحديث الصريح من حماتي بأنني عقيم، لايمكن أن أنجب الاطفال ابداً، دخلت بحالة من الضيق والاكتئاب وعدم القدرة على رؤية أي طفل، وانعزلت عن الجيران والأهل وكل المقربين لي”.
” كنت إنسانة مرحة محبة للحياة ولكن بسبب الضغوط النفسية والمضايقات المستمرة والحديث الصريح من حماتي بأنني عقيم، لايمكن أن أنجب الاطفال ابداً، دخلت بحالة من الضيق والاكتئاب وعدم القدرة على رؤية أي طفل، وانعزلت عن الجيران والأهل وكل المقربين لي”
لوم المرأة وحدها
تسود ثقافة نكران المرأة الغير قادرة على الإنجاب أو كما يصفه الطب ب “العقم” في المجتمعات وينظرون لها بتمييز، وذلك يعني بأن هذه ليست معاناة نوال وحدها، فقد تعددت الأمثلة لقصص عاشتها الكثير من النساء اللواتي حرمن من نعمة الإنجاب، فتحملن ذنب خارجًا عن إرادتهن،ودفعن ضريبة مزدوجة، ضريبة يفرضها المجتمع وأعرافه تلك، وضريبة حرمانهن من عاطفة الأمومة .
يسرى (اسم مستعار) هي الأخرى ممن لم يستطعن تحمل النظرة التمييزية بالنقص والشفقة التي طالما كانت تلاحقها، نتيجة عدم قدرتها على الإنجاب، خصوصًا بعد معرفتها بزواج زوجها من واحدة أخرى سرًا؛ بهدف الإنجاب، ووقوف الجميع في صفه، أي ضدها.
لكنها فضلت الطلاق على أن تبقى في بيت زوج لم يكترث بمعانتها الاجتماعية ووضعها النفسي، بل وكان يعايرها دائمًا لعدم مقدرتها على الإنجاب “أحسست بخدش في كبريائي ولم أستطع الاستمرار أكثر ففضلت العودة إلى بيت أهلي”، تقول.
وتتابع حديثها، “بدأت أكيّف حياتي على هذا المنوال ووجدت في أطفال أخوتي وأخواتي بديلاً، وعدت إلى ممارسة عملي السابق كالمعتاد “
ظلت على هذا الحال، إلى أن شاء القدر وتقدم ليسرى رجل أرمل لديه أبناء، طالبًا الزواج منها، فقبلت به، وهنا تشير إلى أنها لاقت العوض، بعد كل العذاب النفسي الذي عاشته، بأبناء زوجها الذين اعتادوا عليها سريعًا لدرجة أن بعضهم بات يناديها “ماما”.
المجتمع والعقم
ترى المرشدة الأسرية، سبأ الماربي، أن نتيجة ماتواجهه النساء من عنف منزلي إثر عدم قدرتهن على الإنجاب، تبرز الكثير من الأثار السلبية النفسية والاجتماعية على حياة تلك النساء ويعزز فيهن عدم الثقة بالنفس والضعف أمام الشريك، بالإضافة الى الانطوائية والعزلة.
وتشير الماربي إلى أن مجتمعنا اليمني مجتمع ظالم للمرأة ويعاملها “بتمييز” واضح عن الرجل ما ينتج عنه ضغط اجتماعي كبيرعليها، لا سيما في موضوع حساس مثل الإنجاب، باعتباره أهم الأدوار التي تقوم فيه النساء اليمنيات من تربية أبناء وتنظيم شؤون الأسرة.
وتصفت الماربي المجتمع بأنه “ذكوري” بحت يوجّه أسباب أي مشكلة زوجية إلى المرأة، مؤكدةً أن كثير من حالات “العقم” التي واجهتها في عملها يكون غالبًا الزوج هو السبب الرئيسي وراءها، ولكن لا يتقبل مسألة الإفصاح عن المشكلة والحديث حولها، خوفًا على مكانته الاجتماعية وكأنه شيء يمسّ رجولته.
وتوصي الماربي بضرورة التواصل الصريح بين الزوجين لحلّ المشكلات خاصة في مواضيع كالإنجاب، والتخطيط المشترك بينهما لتقبل الوضع وتيسير الحياة دون التدخل من طرف ثالث.
آثار نفسية عميقة
تشير دراسة بحثية، نشرها موقع “صحتك” القطري عام 2022، أجريت على قرابة 500 امرأة منهن 149 نساء غير قادرات على الإنجاب،الى أن التأثيرات النفسية مثل الاكتئاب، والقلق، والضغط العصبي، الناتجة عن العقم، تساوي تلك التي تنتُج عن الأمراض المزمنة.
وفي هذا السياق، تقول الاخصائية النفسية، ريم العبسي، أن هناك علاقة وطيدة بين الصحة النفسية والصحة الإنجابية، فشدة القلق والتوتروالضغط المستمرعلى النساء، يمكن أن يسبب في تفاقم المشكلة وتأخر الانجاب.
هناك علاقة وطيدة بين الصحة النفسية والصحة الإنجابية، فشدة القلق والتوتروالضغط المستمرعلى النساء، يمكن أن يسبب في تفاقم المشكلة وتأخر الانجاب.
وتضيف العبسي بأن الزوجة قد تصبح عصبية المزاج وتعاني من الحزن الدائم وتفقد الشعور بالأمان داخل منزلها ومع زوجها و المجتمع، بالاضافة الى نقص تقديرها لذاتها، والشعور بالذنب تجاه شريكها، وكل هذا قد يسبب لها الكثير من المشاكل النفسية المختلفة .
وتؤكد العبسي على أهمية طلب المرأة للمساعدة والدعم اللازم لها، وتهيئة نفسها لجميع الاحتمالات لتجنب الصدمات النفسية من عدم حدوث الحمل. بالإضافة إلى أهمية الاستشارة النفسية عند طبيب مختص وتلقي الجلسات العلاجية المناسبة.
هذا هو الواقع الذي تعيشه المرأة العقيم في مجتمعنا،حياة مليئة بالخوف من خسارة زوج لايتردد بالبحث عن اخرى رغبة في الاطفال تاركاً وراءه زوجته لقدرها، ولكنّ يضلّ التساؤل ألأهم هو ماذا لو كان العكس وكانت المشكلة لدى الرجل، هل كان سينظر له المجتمع بنفس الطريقة والنقص التي تتعرض له المرأة، وهل باستطاعة الزوجة حينئذ أن تتخلى عنه دون أن ينتقدها المجتمع ويتهمها بالخيانة؟
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)