fbpx

حكايات من الظل: التمييز المهني وتداعياته على حياة النساء

تعز/ أريج قائد

تحت قسوة الأعراف والتقاليد، تتعرض العديد من النساء في مجتمعاتنا إلى ضغوط لا تطاق، تجبرهن على تحمل مصائر لم يخترنها. في ظلال هذه الأعراف الصارمة، تتحول حياة النساء إلى معارك يومية من أجل الحفاظ على كرامتهن واستقلاليتهن، في مواجهة سلاسل التقاليد التي تكبل أحلامهن وتحدد مسار حياتهن.

في هذا السياق تروي أشواق الزغروري كما أحبت أن يكون أسمها البالغة من العمر 24 عامًا، قصتها مع التمييز اجتماعيًا بسبب مهنة جدها. تصف أشواق التي عاشت معها في حي الجحملية بتعز، كيف تحولت حياتها إلى كابوس بعد زواجها.

تُشير أشواق أنها نشأت في كنف عائلة بسيطة ومحبة رغم الظروف الصعبة التي عاشتها الأسرة. كانت دائمًا تتطلع إلى مستقبل مشرق. بعد حصولها على منحة لدراسة الصيدلة في جامعة الحكمة، بحسب قولها  تقدم لخطبتها زميل لها من عائلة معروفة وذات سمعة طيبة. ولكن بعد زواجها بخمسة أشهر، سافر زوجها للعمل في السعودية، بينما كانت في بداية حملها.

وتضيف أشواق كيف عاد زوجها فجأة وبدون سابق إنذار، ليقوم بطلاقها وإهانتها بشدة أمام أسرتها، ويعود السبب في ذلك إلى اكتشافه أن جد والدها كان يعمل حلاقًا، وهي مهنة تُعتبر دنيئة في نظره. تقول أشواق: “لم أعلم بهذا الأمر، وحتى والدي وإخوتي لم يعترفوا بذلك علانية.” نتيجة لذلك، وجدت نفسها منبوذة وهي حامل في شهرها السادس.

مأساة أخرى في حي المرور

في سياق مشابه، يكشف أبو لؤي، عاقل الحارة في حي المرور بمديرية المظفر، عن مأساة أخرى لعائلة تعيش مع 5 بنات، حيث قال كان والدهم يعمل جزارًا في حي آخر، وبعد وفاته، عندما كان يتقدم أحد لخطبة بناتهم من عائلات مرموقة، كانوا يرفضون الزواج منهم بمجرد علمهم بمهنة والدهم. ونتيجة لذلك، اختفت العائلة فجأة من الحارة وانتقلت إلى محافظة ريمة هربًا من نظرات المجتمع القاسية.

تعميمات ظالمة

تشير عفاف يحيى سعيد، معلمة ومختصة نفسية وأسرية، إلى أن التمييز ضد أصحاب المهن اليدوية ينبع من تعميمات ظالمة تلاحقهم منذ سنوات طويلة. هذه التعميمات تستند إلى نظرة دونية تجاه هذه المهن وربطها بصفات سلبية مثل الفقر والجهل، دون أي مبرر أو دليل. وتؤكد عفاف أن العادات والتقاليد تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز هذا التمييز، حيث يُنظر في بعض المجتمعات إلى الزواج من شخص يعمل في مهنة يدوية كنوع من العار، مما يعوق فرص الاندماج والتواصل الاجتماعي.

التمييز ضد أصحاب المهن اليدوية ينبع من تعميمات ظالمة تلاحقهم منذ سنوات طويلة. هذه التعميمات تستند إلى نظرة دونية تجاه هذه المهن وربطها بصفات سلبية مثل الفقر والجهل، دون أي مبرر أو دليل

الآثار النفسية للتمييز

تقدم عفاف يحيى أيضًا تحليلًا للآثار النفسية السلبية للنظرة الدونية تجاه أصحاب المهن اليدوية. مشاعر الاحتقار والتنافر بين أفراد المجتمع تُعيق التعاون والترابط الاجتماعي، وتُسبب عزوف الشباب عن ممارسة الحرف اليدوية بسبب قلة التقدير، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة. تؤكد عفاف على ضرورة تغيير هذه النظرة الدونية، وتقدير هذه المهارات كقيم أساسية تسهم في تنمية الاقتصاد والمجتمع.

القانون والتمييز

من الجانب القانوني، يوضح ياسر المليكي، محامٍ من محافظة تعز، أن القانون اليمني لا يفرق بين المواطنين على أساس المهنة أو غيرها. يشير إلى أن التمييز الحاصل سببه تقاليد اجتماعية وثقافة موروثة. ويضيف ياسر أن المرأة لها حق التقدم بشكوى إلى النيابة بحق من يشهر بها أو ينتقص من شأنها، ويمكنها المطالبة بالتعويض أمام القضاء الشخصي إذا تضررت من فعل الزوج.

كما يؤكد المليكي أن الزوجة يمكنها حماية حقوقها القانونية من خلال التقدم بشكوى إلى الجهات المختصة إذا تعرضت للتمييز أو التهميش. يلعب القانون دورًا مهمًا في حماية الأفراد من التمييز المهني والاجتماعي، ويوفر وسائل قانونية للزوجة إذا واجهت مضايقات من قبل عائلة الزوج أو المجتمع.

ويضيف أن القانون يجب أن يعزز حماية الأفراد الذين يعملون في مهن يدوية من التمييز المجتمعي، ويعمل على تغيير النظرة المجتمعية الدونية تجاه هذه المهن.

إن تجربة النساء اللواتي عانين من التمييز بسبب مهن عائلاتهن تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتغيير نظرة المجتمع تجاه هذه المهن، وتعزيز ثقافة احترام العمل الشريف. يجب على جميع أفراد المجتمع أن يتكاتفوا معًا لنشر مفهوم المساواة والعدالة، في سبيل بناء مجتمع أكثر توافقًا واحتواءً.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ساك ميديا للإعلام والتنمية

مقالات ذات صلة