نساء يصوبن المسار
صنعاء/ سهير عبد الجبار
يشهد سوق العمل تحولات سريعة، مما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين ما يتطلبه سوق العمل ونظام التعليم التقليدي. ومع تزايد الحاجة إلى كفاءات تلبي متطلبات السوق، تتزايد أهمية التأهيل والتدريب، ويبرز دور النساء العاملات في تقليص هذه الفجوة.
تحولات سوق العمل والفجوة مع التعليم
الباحث الأكاديمي، الدكتور فوزي الشامي، صرح لمنصة هودج: “الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل العالمي ما تزال واسعة بسبب عدة عوامل، منها عدم قدرة الجامعات على استيعاب متغيرات سوق العمل وضعف مكونات العملية التعليمية. ورغم الجهود لتوصيف البرامج بناءً على معايير وطنية مثل (النارس)، تواجه الجامعات صعوبات في تحقيق إيرادات تُمكّنها من البقاء والتطوير، مما أدى إلى انخفاض جودة التعليم ومستوى التحصيل.”
التوظيف الدولي والفجوة بين العرض والطلب
في هذا السياق، تسهم المرأة اليمنية في تعديل المسار من خلال حلول إبداعية، مثل المبادرة التي أسستها المهندسة إيمان المقطري، المتخصصة في الهندسة البرمجية. بدأت إيمان مبادرتها في 2018 لتزويد الأفراد بالمعرفة والمهارات التقنية المطلوبة في سوق العمل، وتحسين أداء الخريجين الجدد من الجامعات اليمنية.
تقول إيمان لمنصة هودج : “بدأت حكايتي عندما عدت لسوق العمل في 2018 بعد فترة انقطاع، ولم أجد مكانًا في الشركة التي كنت أعمل بها سابقاً. هنا، ولدت فكرة “Eshobbak” لمساعدة خريجي تقنية المعلومات على تطوير مهاراتهم ومعالجة احتياجاتهم للحصول على فرص عمل جيدة من خلال تنظيم مخيمات تدريبية، ثم تطور المشروع ليصبح “مسند”، منصة توفر الفرص الوظيفية الإقليمية براتب جيد وبيئة مستقرة من خلال كادر محلي مؤهل.”
وتضيف المقطري: “العالم يتجه نحو التوظيف الدولي، وهناك فجوة كبيرة بين العرض والطلب بسبب عدم توفر العدد الكافي من الخريجين لتلبية الطلب العالمي، خاصة في المجال التقني.” وتضيف: “لذلك أطلقت مسند لتأهيل وإعداد كفاءات جديدة تساهم في سد هذا الاحتياج. المنصة تسهم في التدريب والتأهيل وتسويق الخريجين والتفاوض لتوفير وظائف ذات دخل جيد لهم.”
وتؤكد إيمان أن هناك توافقًا بين الدور البيولوجي والاجتماعي للمرأة ودورها في العمل، حيث يمكنها الموازنة بين تكوين أسرة وتحقيق طموحاتها المهنية. وتشير إلى أن المجال التقني يوفر للمرأة فرص عمل أقل بيروقراطية، مما يتيح لها العمل من أي مكان في عصر الإنترنت، شريطة أن تمتلك المهارات اللازمة وتجيد التواصل مع مزودي الخدمات
قصص نجاح من التدريب التقني
المهندسة مشيرة أحمد، إحدى المستفيدات من مبادرة “Eshobbak”، عملت في مجال تعليم الحاسوب بتعز لثمان سنوات قبل أن تقرر الانخراط في العمل التقني بشكل أعمق.
تقول مشيرة لمنصة هودج: “ساعدني المخيم التدريبي على تحديث معرفتي وتحديد توجهي المهني بوضوح. حصلت بعد المخيم على فرص عمل متعددة، بدءاً من العمل في ‘رواد’ ثم الانتقال إلى شركة سعودية رائدة.”
المهندس ياسين الشيباني، خريج قسم الهندسة لعام 2020، استفاد من برنامج تدريبي متخصص في تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة. خلال مسيرته، واجه تحديات في التأهل لمتطلبات سوق العمل، وتعلم كيفية تسويق مهاراته على الصعيدين المحلي والإقليمي.
يوضح ياسين لمنصة هودج: “بعد تخرجي، التحقت مباشرة بمخيم لتطوير تطبيقات الموبايل. كانت تجربة التدريب في المخيم نقطة التحول التي مكنتني من دخول سوق العمل بدءًا من بداية عام 2021. مع مرور الوقت واكتساب الخبرة، أصبحت مؤهلاً للمنافسة على مستوى إقليمي.”
وتشير إيمان المقطري إلى أن تطوير المهارات يعزز الابتكار والإنتاجية، مما يساهم في خلق فرص عمل ذات استقرار وتحسين الوضع الاقتصادي. تقول: “تطوير المهارات لا يقتصر على تحسين الأداء الشخصي، بل يساهم في بناء فرق عمل متماسكة وقادرة على التعامل مع التحديات بفعالية.”
تمكين الشباب عبر التدريب وتطوير المشاريع
تعمل نجلاء الذماري كاستشارية في البناء المؤسسي وإدارة المشاريع، حيث تساهم في تدريب الشباب على تنفيذ دراسات الجدوى وتوسيع دائرة الفرص أمامهم.
توضح نجلاء لمنصة هودج : “تكمن أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في كونها عنصرًا رئيسيًا في تحقيق التنمية المستدامة، حيث تساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتحسين مستوى معيشة الفئات المحرومة. ومع ذلك، تواجه هذه المشاريع تحديات رئيسية، مثل ضعف الخبرة الإدارية وعدم القدرة على إدارة النفقات والإيرادات بشكل صحيح، إضافةً إلى عدم القدرة على تحليل المتغيرات المؤثرة على المشروع. التخصص والجودة يعتبران من العوامل الحاسمة في نجاح المشروع؛ حيث إن التركيز على تقديم خدمة محددة بجودة عالية أفضل من تقديم عدة خدمات بجودة منخفضة.”
“تكمن أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في كونها عنصرًا رئيسيًا في تحقيق التنمية المستدامة، حيث تساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتحسين مستوى معيشة الفئات المحرومة. ومع ذلك، تواجه هذه المشاريع تحديات رئيسية، مثل ضعف الخبرة الإدارية وعدم القدرة على إدارة النفقات والإيرادات بشكل صحيح، إضافةً إلى عدم القدرة على تحليل المتغيرات المؤثرة على المشروع. التخصص والجودة يعتبران من العوامل الحاسمة في نجاح المشروع؛ حيث إن التركيز على تقديم خدمة محددة بجودة عالية أفضل من تقديم عدة خدمات بجودة منخفضة
أسهمت تدريبات نجلاء بشكل فعّال في تغيير حياة العديد من الأفراد. ففي عام 2014، انضم شاب يُدعى “أسامة”، وكان يبلغ من العمر 19 عامًا، إلى برنامج تمويل صغير يستهدف دعم الشباب الطموحين في تطوير مشاريعهم الريادية. كان أسامة يعتمد على بسطته الصغيرة لبيع الأحذية كمصدر رزقه الأساسي.
توضح نجلاء في حديثها لمنصة هودج: “بفضل التمويل الذي حصل عليه، تمكن أسامة من توسيع بسطته وتحويلها إلى مشروع أكبر. ومع ذلك، لم يقتصر طموحه على ذلك؛ فقد تعاون مع مستشاري البرنامج لوضع خطة مالية وتسويقية متكاملة.”
وتضيف الذماري: “من خلال التزامه بالتوجيهات والاستفادة المثلى من الاستشارات المقدمة، نجح أسامة في حماية مشروعه حتى في ظل ظروف الحرب والتحديات الاقتصادية. وضع خطة فعالة لإدارة المخاطر، ما ساعده على ضمان استمرارية مشروعه دون أن يتأثر. وعلى مدى السنوات اللاحقة، لم يكتفِ بالنجاح في مشروعه الأول، بل قام بتوسيع نشاطه وافتتح ثلاثة محلات جديدة.”
واستطردت قائلة: “أصبح أسامة اليوم نموذجًا يحتذى به للراغبين في بدء مشاريعهم الخاصة، حيث يقدم الدعم والنصائح بناءً على تجربته الريادية الناجحة.”
وفي الختام، تلعب هذه المبادرات والقصص دورًا محوريًا في تمكين النساء من تجاوز التحديات التي يفرضها سوق العمل، مما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة وتقليص الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق.
تم نشر هذه المادة في منصة هودج