العاملات في صندوق النظافة يفتقرن إلى ادوات الحماية من كورونا
تعز/ وضحة الوصابي
من المعروف أن النساء والأطفال هم القطاع الأكبر الذي يحتاج رعاية طبية مكثفة في الوقت الحالي. ولأن النساء من أكثر الفئات عُرضةً للخطر، تتعرض النساء للاستغلال وسوء المعاملة، بخاصة فئة النساء المهمشات في بلد كاليمن، حيث مازالت تواجه العراقيل الاجتماعية والثقافية والقانونية العتيقة، ويغيب عمل الحكومة ودورها واحترام حقوق الإنسان إلى حد كبير تشهد مدينة تعز تآكلًا على نطاق غير مسبوق لحقوق المرأة والطفل؛ حقهم في الحياة، وحقهم في الغذاء والماء، وفي الرعاية الطبية والأساسية والتعليمية.
الأربعينية “شيماء” (اسم مستعار) انقضى 25 عامًا من عمرها بالعمل في مجال النظافة. هي من سكان منطقة عصيفرة حي المفتش المعروف عنه أنه خط أحمر، شوارعها الرئيسية مهجورة يعلوها من أعلى تبابها قناص جماعة الحوثي. يستخدم سكان الحي الأزقة طريقًا يعبرون فيها، متخفين بين شوارع محجوبة بالمباني، إلى وسط مدينة تعز، في كل يوم، متجهين للبحث عن لقمة عيشهم بالعمل المتاح لهم.
تقول “شيماء”: “منذ طفولتنا ونحنُ نمارس أعمال النظافة التي خُصصت للمهمشات. لا نحصل على فُرصة عمل متاح إلا في صندوق النظافة والتحسين، وهي وظيفة توارثناها من أمهاتنا والآباء، بسبب فروق جنسنا ولون، ورغم ذلك نتعرض للإساءة بالكلام الجارح والإهانات بقذف عبارات تستهزئ من عملنا”.وتضيف: “عامل النظافة يفقد كرامته، ويتحمل أعباء المواطنين، وخصوصًا أصحاب البقالات والبسطات. حينما أنتهي من كنس الشارع ساعة الظهيرة بالمكنس الذي تقرحت أصابع يدي منه، دقائق قليلة وتعود النفايات كما كانت، ويبررون أفعالهم بقولهم: أنتِ عاملة نظافة، وهذا عمُلكِ يا خادمة”.
عاملات النظافة بتعز دوام بلا راتب
وتتابع “شيماء”: “هكذا أعمل منذ الصباح حتى الواحدة مساءً، يوميًا ضمنها أيام الإجازات والعطل الرسمية، نعمل دون رواتب أو مستحقات. أصبح حضورنا للعمل بشكل يومي، نتيجة الخوف من الإداريين أن يستبدلونا، ويتم إسقاط أسماء المتعاقدين من الكشوفات بعد العمر الذي قضيناه في خدمة صندوق النظافة والتحسين، نعمل بمعدات بسيطة، ونفتقر إلى أدوات السلامة والحماية المهنية، نعمل هكذا دون أن نرتدي القفازات والكمامات الطبية التي لم يتم صرفها لنا في ظل جائحة فيروس كورونا، أنا وجميع العاملات نجمع المخلفات بأيدينا، تتقطع أصابعنا بالأمواس والأدوات الجارحة، ونتعرض للروائح الكريهة أثناء عملنا”.
وتستطرد: “نحن عمال البلدية مهانون بأشياء كثيرة؛ لا حقوق ولا قيمة ولا احترام لنا، فأي موظف أو عامل يصاب أو يتأذى أثناء عمله، لا يتحملون مسؤولية علاجه، سواء كانت الإصابة بكسور أو فقدان أحد أعضائَه أو عاهات جسدية، يتعالج العامل من نفقته الخاصة، ومع ذلك نواجه احتكارًا من الإدارة والمشرفين علينا أوقات عملنا، بحيث إنه يشترط أثناء العمل التعهد بتسليم المعدات دون أي تلف بها، متجاهلين أن هناك مدة صلاحية الاستخدام، إذ يصبح المكنس قصيرًا أثناء العمل به، وينقسم ظهري من الانحناء أوقات التنظيف، لكنني أتلقى ردود الفعل مباشرةً من السكان برمي القمامة بالأماكن التي انتهيت من تنظيفها، دون تقدير، رغم أننا نحن من يحافظ على صحتهم وسلامتهم”.
وينص إعلان فيلاديلفيا، سنة 1944، على عدم التفرقة بين البشر بسب الجنس أو الفروق، وحقهم جميعًا في العمل. وتنص الاتفاقيات الدولية التي نظمتها منظمة العمل الدولية، على عدم التمييز أو التفرقة في مواجهة المرأة العاملة.
المواجهة اليومية بخطر الإصابة بفيروس كورونا
في معركة حماية الصحة العمومية يعمل عمال النظافة وجهًا لوجه في مواجهة فيروس كورونا، بيد تدرك خطورة العمل الذي تقوم به، خصوصًا في ظل الظروف الراهنة والأمراض التي تحاصر عمالها جراء تفشي جائحة كورونا، والعدوى المنقولة من النفايات، وذلك على الرغم من قلة ونقص التدريبات الوقائية التي لم تتخذها الجهات القائمة على حمايتهم بالأساس من فيروس كورونا المستجد، وتزويدهم بالمعدات والمستلزمات الطبية، أو توفير الرعاية اللازمة لهم.ويقول محمد ناجي يحيى شعبان، مسؤول الكنس والتجميع في صندوق النظافة والتحسين: منذ بداية أزمة جائحة كورونا، طرقنا باب الحكومة للمطالبة بوسائل الوقاية من فيروس كورونا المستجد أثناء عملنا، بخاصة مع صعوبة الوضع، وذلك بسب اعتياد المواطنين على إلقاء المخلفات الطبية كالكمامات والإبر وغيرها من الأدوات الملوثة والجارحة، وعدم وضعها في الأماكن المخصصة لها.
إنقطاع الدوام أثناء كورونا
وتقول “شيماء”: لجأت إلى مد يدي، خوفًا على أطفالي الثمانية من الموت جوعًا، ولكني أصبحت في نظرة الناس متهمة، والكل ينعتني أنتِ موظفة في البلدية، ولديك معاش شهري، لماذا تشحتين؟ أنتم أكثر العمال يفترض أن تقبض الرواتب، أصبحت أدق على المنازل في ظل تفشي فيروس كورونا في الصباح والمساء لأخذ القمامة منهم مقابل 100 ريال، لكنها لا تكفي لأعود بها إلى منزلي. أُغلقت أبواب المرافق الحكومية، وأصبحت أغلبية المنازل كذلك مغلقة الأبواب، على الرغم من خطورة الوضع كان تواجدنا في جميع الأحياء السكنية أن نتنقل وندق أبواب المنازل للبحث عن الخبز والأكل الذي سوف نعود به إلى بيوتنا.وتضيف: أطفالي دون تعليم، لم أستطع توفير المستلزمات الدراسية لهم، لم يتعلم أحد منهم، أصبحوا يرافقونني في عملية البحث عن لقمة العيش، تاركين التعليم الذي كان الأنسب لهم.
عملية الضغط والإجبار
تتحدث أغلبية الموظفات لدى صندوق النظافة، عن عملية الضغط والإجبار التي تمارس عليهن، وتقول “ن.ع”: “صرت أخاف على المكنس أكثر من الخوف والمحافظة على سلامات يدي. هناك شروط تم وضعها بتعسف إداري صارم خلال جائحة كورونا المستجد، بوضع قوانين خلالها يتم استرجاع المكنس نهاية الدوام، كما تم تسليمها إلينا، والعمل بها لمدة 20 يومًا، ونحن لا نملك معدات للعمل غيرها، نخشى العقوبة والمخالفة التي سوف تُحسب إذا أُتلفت”.
وفي سياق ذلك، يقول المحامي زاهر الجنيد: تعاني النساء المهمشات من انتهاكات جسيمة لحقوقهن المشروعة وفقًا للقوانين المحلية والدولية. وتتمثل هذه الانتهاكات في نواحٍ عديدة، يتم استغلال حاجة هؤلاء النساء للمال، فيتم تشغيلهن بأجور زهيدة لا تمثل الحد الأدنى من الأجور في القطاع الحكومي. كما يتم التحايل عليهن بعقود هزيلة لا تضمن لهن حقوقهن الأساسية التي كفلها لهن قانون العمل، كحقهن في الإجازة الشهرية، وتقليص ساعات العمل أثناء فترة الحمل وفترة الرضاعة. وتزداد المعاناة بسوء المعاملة لهن، إذ تتعرض البعض منهن للتحرشات اللفظية والسب والشتم في مقرات العمل، أو من قبل المشرفين عليهن، هذا في أسلم الأحوال. ويمثل الجهل بالقانون عاملًا مساعدًا لعدم استطاعة هؤلاء النساء الحصول على حقوقهن والدفاع عنها ضد من يمارس انتهاكها.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا