الدعم النفسي للنساء لمواجهة آثار الحرب
تعز/ آمال محمد
تعز/ ضحة الوصابي
صفاء اسم مستعار لامرأة أربعينية، تنتمي لإحدى القرى بمحافظة تعز، تسبب لغم أرضي من مخلفات الحرب، في فقدها قدميها، أثناء عودتها لمنزلها بعد يوم شاق في رعي أغنامها.
كان من الطبيعي أن تفوق هذه الحادثة قدرة صفاء على الاحتمال، فلم تفقد فيها قدميها فقط، بل أفقدتها الرغبة في الحياة، وجعلتها تحس بمعنى العجز واليأس معًا، لتنطوي على نفسها، وتصبح حبيسة زنزانة انفرادية، مقررة عدم الخروج منها.
زوج صفاء لم يكن قادرًا على تحمل رؤيتها مستمرة في تلك الزنزانة، وفي هكذا حالة تتضاعف بؤسًا ومعاناة يومًا عن آخر، ليسعى جاهدًا للبحث عن حلول كثيرة، تكللت بالنجاح وإن تأخر، بعد أن وجد ضالته في مركز الأمراض النفسية والعصبية التابع لمؤسسة الرعاية النفسية بتعز، الذي بدأت صفاء فيه رحلة العلاج.
طوق النجاة
يقول زوج صفاء لـ (مشاقر): “في المركز تم استقبالها وأخذ بياناتها، وتحويلها إلى الأخصائية النفسية، التي قامت بسماع قصتها وتحديد الأعراض المرضية لديها، ومن ثم تقديمها للطبيب الذي أدخلها على الفور في خطة علاجية متكاملة منقسمة لشقين؛ الأول العلاج الدوائي، والثاني الجلسات النفسية. كان لذلك الأمر أثر كبير لدى صفاء، وكان طوقًا للنجاة والأمل تعلقت فيه، من خلال التزامها الدائم بتنفيذ الخطة العلاجية، والتزامها بحضور الجلسات النفسية، رغم مشقة الحضور وعدم قدرتها على المشي”.
ويضيف: “تخفيفًا لمعاناتها قامت المؤسسة بمنحها كرسيًا متحركًا يسهل عليها التنقل، وبعد عدد من الجلسات النفسية والمواظبة على الجرعات العلاجية بدا واضحًا التحسن الملحوظ، لتستمر بعد ذلك حتى تماثلت للشفاء برضا تام ومعنويات عالية”.
ندرة وقصور وعي
حسب تقرير الاستجابة الإنسانية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن 2021، فقد أدت سنوات من النزاع والمعاناة الإنسانية المستمرة، إلى خسائر فادحة وأثر واضح في صحة اليمنيين النفسية، لاسيما النساء والفتيات”.
ووفقًا لدراسة بحثية لمنظمة محلية، أجريت عام 2017، فإن ما يقارب واحدًا بين كل 5 أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية.
على الرغم من كل ذلك، تعاني اليمن من ندرة في وجود مراكز الرعاية الصحية النفسية. ووفق الدراسة سابقة الذكر، فإن نسبة الأطباء النفسيين غير كافية مقارنة بمجموع السكان. إضافة إلى كل ذلك، لايزال هناك قصور كبير في الوعي لدى العديد من فئات المجتمع بأهمية العلاج النفسي، ولاتزال النظرة السلبية هي السائدة تجاه هكذا نوع من العلاج، إذ يخشى من يعانون من الاضطرابات النفسية (خصوصًا من النساء) أو عائلاتهم، من الوصمة المرتبطة لكل من يخضع للعلاج النفسي.
وجود دار الأمان
إنشاء مؤسسة الرعاية النفسية، وهي منظمة غير حكومية، بدأت 2019 كمبادرة شبابية في صنعاء، لتتوسع بعد ذلك كمؤسسة، وتنتشر عبر عدة فروع في العديد من المحافظات اليمنية، مثل ملاذًا للكثير من النساء اللواتي يتعرضن للعنف، ومن يعانين من الأمراض النفسية.
وحسب أدبيات المؤسسة “يهتم المشروع بصفة أساسية بالنساء الناجيات من العنف، والمحتاجات لكل أوجه الدعم النفسي، أبرز إنجازاتها أنها استطاعت، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، تقديم الكثير من الدعم للنساء، ومن خلالها أيضًا، حصل العديد منهن ليس فقط على الدعم النفسي والتغلب على الصدمات النفسية وسهولة الاندماج في مجتمعاتهن من خلال المساحات الآمنة، بل امتد ذلك الدعم إلى تقديم الاستشارات القانونية، والمساعدات الإنسانية، وخدمات الصحة، والدورات التعليمية، وتنمية طرق كسب العيش للنساء.
نجاحات ونظرة مجتمعية قاصرة
يقول مدير المؤسسة د. إبراهيم قائد لـ ( مشاقر): “تعمل المؤسسة جاهدة لتقديم كافة أوجه الدعم النفسي للنساء الناجيات من العنف، من خلال جلسات علاجية عبر أطباء مختصين”.
ويضيف قائد: “حققنا الكثير من النجاحات، ونطمح لأكثر من ذلك. صحيح هناك خدمات وفق إمكانيات المؤسسة نستطيع تقديمها، كصرف الأدوية والعقاقير الطبية للمرضي، لكننا نسعى دومًا لحلها من خلال الشراكة والتشبيك مع منظمات أخرى، ونجحت المؤسسة في ذلك، لاسيما في تقديم الدعم الاقتصادي، إذ قدمنا بالشراكة مع منظمة إنترسوس ومنظمة ديم، مساعدات تمثلت في تدريب وتأهيل النساء، ليكنَّ قادرات على بدء مشاريع صغيرة، يكسبن منها أرزاقهن، كالخياطة وصناعة البخور والكوافير، ويستطعن الاندماج من جديد في المجتمع”.
وعن أثر العادات والتقاليد، والنظرة السلبية لكثير من أفراد المجتمع للمريض والعلاج النفسي، يقول د. قائد: “تعمل المؤسسة على الشق التوعوي كجزء هام من رسالتها، إذ تنظم ندوات توعوية وتثقيفية، عن المرض والعلاج النفسي، كونه مرضًا كباقي الأمراض، وليس عيبًا كما يصوره البعض، خصوصًا لدى النساء، وتأثير ذلك الجانب التوعوي يتضح باستمرار من خلال تزايد الإقبال على العلاج، والذي نلمسه في المؤسسة شهرًا بعد آخر”.
ومن جانبه، أكد الاستشاري النفسي د. عبدالعزيز الحداد، المتابعة الدورية لهذه الحالات وإعادة دمجها في المجتمع، وإشراك الأسرة والمجتمع ليكون رديفًا للعاملين في مجال الصحة النفسية للاستشفاء، وكذلك عمليات الدعم النفسي للأسرة للتوعية المجتمعية بالتعامل مع الاضطرابات النفسية.
وأضاف الحداد: للتخفيف من هموم النساء، وكذلك حل مشكلة المعنَّفات، يتم توفير كل سبل الدعم النفسي والمعنوي، وتلبية الاستجابة النفسية الطارئة عبر طاقم متكامل من الاستشاريين، ومايزال يؤدي دوره بكل عزم وثبات، مواصلًا المشوار في سبيل بناء المجتمع، وإعادة لملمة شتاته، وإعادة نمائه واستقراره وازدهاره.
رغم كل المعاناة الناتجة عن حرب دخلت عامها السابع، والآثار الكارثية التي خلفتها، والتي أهمها الآثار النفسية، إلا أنها لم تقوَ على سلب الأمل من أولئك الذين يتمسكون بحلمهم وشغفهم بالنجاة والحياة، وذاك ما يجب أن يتعزز بكثير من الخطوات والجهود الرسمية والمبادرات المجتمعية التي لا شك لها الأثر البالغ للتوصل إلى التعايش والسلام الدائم بين كافة أفراد المجتمع.