التمييز بين الأبناء في التعليم.. الفتيات درجة ثانية
تعز/عبدالله محرم
أُرغمت هنادي علي، التي كانت تدرس في الصف الخامس الابتدائي في إحدى المدارس الحكومية بمحافظة تعز جنوب غربي البلاد، على ترك الدراسة بالإضافة إلى أختها الأكبر سنا، مقابل أن يدرس أخاهما بعد نزوح الاسرة من “منطقة كلابة” التي وصلت اليها المواجهات المسلحة، بين أطراف الصراع العام 2016.
تقول والدة هنادي (٣٣ عاما)، “توقف مصدر دخل زوجي وتعرض منزلنا إلى القصف، ما اضطرنا إلى النزوح إلى وسط المدينة، وحاليًا يعمل زوجي بالأجر اليومي، ولدينا ثلاثة أطفال قرر والدهم تدريس الولد على حساب الفتيات باعتبار أن البنات سيكبرن ويجدن أزواجًا يعيلوهن، بينما الابن سيتكفل بالأسرة”.
وبينما لم تستطع هنادي الذهاب الى المدرسة ومشاركة قريناتها هموم الدراسة، استطاعت أمل مهيوب ذات الخمسة عشر ربيعًا، مواصلة تعليمها في إحدى المدارس الحكومية رفقة أختيها.
تقول أمل: “من التمهيدي درست في إحدى مدارس صنعاء الأهلية، واعتدت عليها وعلى نظام المدارس الأهلية من حيث قلة العدد وكثرة الاهتمام، لكن ومن الصف الأول الثانوي قرر والدي إخراجي منها ونقلي الى مدرسة حكومية من أجل استكمال أخوتي الإثنين الدراسة في المدرسة الأهلية”.
“من التمهيدي درست في إحدى مدارس صنعاء الأهلية، واعتدت عليها وعلى نظام المدارس الأهلية من حيث قلة العدد وكثرة الاهتمام، لكن ومن الصف الأول الثانوي قرر والدي إخراجي منها ونقلي الى مدرسة حكومية من أجل استكمال أخوتي الإثنين الدراسة في المدرسة الأهلية”
يوضح والد أمل أن ارتفاع تكاليف المدارس الأهلية يقف عائقًا أمام تمكين أبنائه الثلاثة من استكمال التعليم في ذات المدرسة، بسبب انقطاع راتبه منذ العام ٢٠١٦، وأنه بالكاد يحتمل دفع رسوم تعليم الولدين هناك.
تشعر أمل بعدم الإنصاف وترى أن والدها يوفر تعليما أفضل لاخويها الذكور على حسابها، ما تسبب في تراجع مستواها الدراسي في المدرسة الحكومية التي لم تستطع التأقلم فيها مع قريناتها كثيرات العدد كما تقول.
آثار وخيمة
يصف الدكتور والمستشار النفسي صخر طه، التمييز بين الأبناء والبنات بأنه ينتج آثاراً واضطرابات نفسية فيما بينهم ما قد يسبب لدى بعض الفتيات الشعور بفقدان الأمان والاكتئاب ونقص تقدير الذات والاستحقاق وقد يصل الأمر إلى العدوانية فيما بينهم البين.
ويوضح الدكتور طه أن “الكثير من الأسر تغفل عن آثار التمييز بين أبنائها، لناحية تمكين الأولاد من الحصول على تعليم أفضل، وعدم الاهتمام بأحقية الفتيات في الحصول على ذات الحق أيضا ما يجعلهن مسلوبات الإرادة ومخذولات الرأي، ولا يستطعن اتخاذ القرارات المهمة في حياتهن”.
مشيراً إلى أن هذا التمييز ينتج أضراراً في المجتمع من مثل تسرب الفتيات من التعليم أو حرمانهن منه، ما يتسبب في ضعف عملية بناء الأسرة ومتابعة تعليم الأطفال لاحقًا من قبل الفتاة، خاصة وأن كثير من الأمهات هن من يتحملن أعباء متابعة تعليم الأطفال أي أن عدم استكمال الفتيات تعليمهن يضع عوائق مستقبلية أمامهن وأمام اطفالهن، تتسبب بدورها في الاضرار بمستواهم الدراسي.
ويضيف ” أغلب المناهج أصبحت باللغة الإنجليزية، وعدم تكمن الأم منها يجعلها أمام خيارين اما أن تترك أطفالها للرسوب او الاستعانة بمعلمة متمكنة وكلا الخيارين صعب في الصعوبات المعيشية المتنامية، ولو أن الفتاة لم تتعرض للتميز وتمكنت من الحصول على تعليم وتأهيل افضل لمثل ذلك حلا لهذا النوع من المشكلات”.
وصول أدنى للتعليم
ويقدر تقرير الأمم المتحدة نسبة وصول النساء والفتيات إلى التعليم بـ 35 في المائة، فيما لا يحصل سوى 6 في المائة منهن على فرص عمل مدفوعة الأجر، مشيرا إلى أن نسبة 4.1 في المائة من النساء في المناصب الإدارية لا تكفي لجعل صوت المرأة ملحوظا على طاولة صنع القرار.
حلقة متشابكة
التمييز بين الأبناء والبنات في التعليم من المشاكل ذات الحلقات المتشابكة، وأسبابها خليط من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية حسب رجاء الدبعي مديرة مدرسة نعمة رسام في تعز.
وتشير الدبعي إلى أن ضغط الموارد المالية المحدودة في ظل اقتصاد الحرب، تسبب في مفاضلة الأولوية في الانفاق من قبل بعض الأسر حيث يرون بأن الاستثمار الأجدى، يكون في الأولاد الذين يمكن أن يعولوهم في المستقبل.
رواسب العادات والتقاليد ونظرة الأسر القاصرة، تجاه الفتيات خلق فجوه تعليمية واسعة بين الفتاة والولد على مستوى الأسرة الواحدة تقول الدبعي، موضحة ” لديّ طالبات في المدرسة تم توجيههن من قبل الأسرة الى تعلم بعض الحرف مثل النقش الخياطة، التطريز، صناعة المنسوجات اليدوية، وغيرها، فهم يرون أنه لا داعي لأن تستكمل الفتاة تعليمها ما دامت تستطيع الحصول على مصدر دخل، بينما يتم استثمار جهود الأسرة ومواردها في تعليم الأولاد”.
من جانبه يرى الدكتور محمود البكاري أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، أن عملية التمييز بين الاولاد الذكور والإناث تتفاوت من منطقة لأخرى ومن مجتمع محلي إلى آخر استنادًا إلى مدى فاعلية العادات والتقاليد التي تعلي من شأن الذكور على الإناث، باعتبار أن الذكر هو من يتحمل مسؤولية الأسرة.
موضحا ” هكذا تتم تنشئه الأجيال في حالات كثيرة حيث يعطى الولد مكانة اكبر بينما ينظر للبنت أنها في الأساس معالة من الأسرة وبالتالي فالأولوية في التعليم من نظرهم للولد، وانطلاقا من ذلك يتم حرمان البنات من التعليم إما بشكل نهائي أو من خلال إعطاء النصيب الأكبر من الاهتمام للولد”.
ويضيف ” التفاخر أيضا مقرونا بالولد اكثر من الفتاة لدى أصحاب هذه النظرة حيث يتم الحاقهم بالمدارس ذات المناهج الإنجليزية والمدارس الخاصة والأهلية فيما تذهب الفتاة الى مدرسة حكومية مزدحمة”.
حلول وأمثلة
يعرض احمد شماخ رئيس مؤسسة الإعلام المالي والاقتصادي للدراسات والاستشارات، مجموعة من الحلول الممكنة لتفادي انتشار تمييز التعليم في المجتمع كما يقول، معتبراً أن زيادة الوعي بأهمية تعليم الفتيات وتمكينهن اقتصاديا واجتماعيا عبر عدة برامج ومبادرات خطوة أساس على هذا الطريق. لافتا إلى أن التمكين لا بد أن تتكفل به الدولة من خلال المنح والتسهيلات المالية وتضمين منظور النوع الاجتماعي في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويقترح شماخ “تعزيز الشراكة بين المجتمع المدني والحكومة في مواجهة التحديات الصعبة، وبذل جهود متواصلة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين”.
في المقابل ينوه المستشار الأسري عبدالرحمن دحابة ، إلى أهمية التشبيك بين وزارتي التعليم والصحة وتنظيم برامج توعية للأسر حول المخاطر النفسية للتمييز بين الجنسين في مجال التعليم”. معتبرا أن التمييز ليس محصوراً على الفتيات دون الفتيان حيث تعمد بعض الاسر إلى تعليم الفتاة والدفع بالولد الى سوق العمل في وقت مبكر.
ومضيفا “الدستور والقانون كفلا حق التعليم للمواطنين ذكورا واناثا وهو ما يحقق تساوي الحقوق والفرص بين الجنسين”.
“الدستور والقانون كفلا حق التعليم للمواطنين ذكورا واناثا وهو ما يحقق تساوي الحقوق والفرص بين الجنسين”
تجارب إيجابية
يرى شماخ أن النظر إلى التجارب الإيجابية والإفادة منها يمكن أن يساعد في الحد من ظاهرة التمييز لافتا إلى تجارب بعض الدول بينها الهند التي قامت حكومتها كما يقول بتنفيذ برنامج يسمى (بتشاو بيتي)، وهو برنامج مختص بتعليم الفتيات وتقديم الحوافز المالية لأسرهن، وتشجيعهن على الالتحاق بالتعليم وتأهيلهن وتدريبهن.
شماخ أشار أيضا الى تجربة المكسيك التي قدمت العديد من المنح المالية والدعم للأسر الفقيرة، وجعلها مشروطه بالالتزام بإرسال بناتهم الى المدارس، والى تجربة كينيا التي طبقت برنامج قسائم التعليم للفتيات الذي قدم منحا مالية لتغطية تكاليف تعليم الاناث الى جانب تحسين البنى التحتية والصحية في المدارس كي تتلاءم مع احتياجات الفتيات.
تلك التجارب بحسب شماخ أثمرت زيادة معدل التحاق الفتيات بالتعليم وتحسين مؤشرات التعليم للإناث في تلك البلدان.