جلنار نعمان.. “قصة نجاح وإبداع إمرأة في مجال المخطوطات”
صنعاء_ مازن محمد
“الآثار والتاريخ وخصوصياتهما صارتا جزءًا لا يتجزأ من حياتي” بهذه الكلمات بدأت جلنار محمد تحكي رحلتها في أروقة دار المخطوطات باليمن.
قبل نحو عشرة أعوام بدأت جلنار رحلتها في توثيق وفهرسة المخطوطات التاريخية التي تعود عمرها إلى مئات السنين.
بعد أن أنهت دراستها الجامعية في قسم “شريعة وقانون”، خاضت جلنار تجارب عمل سابقة في مجال التربية والتعليم لكنها لم تدم، وعند التحاقها للعمل في دار المخطوطات أحبت ذلك كثيرًا وتكيفت تلقائيًا مع “خصوصياته الأثرية والوطنية”، حد تعبيرها.
ورغم اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، إلا أن جلنار لم تترك الدار واستمرت بالعمل فيه خوفًا من تعرضه للسرقة أو النهب.
أُنشئت دار المخطوطات عام 1980م، جنوب الجامع الكبير بصنعاء، وكانت تتبع الهيئة العامة للآثار ودور الكتب حينها إلى أن صدر قرار جمهوري عام 2002 بضمها إلى وزارة الثقافة ضمن قطاع المخطوطات، وضمن هذا القطاع تم ضمّ جميع دور ومراكز المخطوطات في البلاد.
ويعمل في الدار قرابة ثمانين موظّفًا ومتعاقدًا، وفق إحصاءات رسمية.
تضم الدار العديد من المخطوطات خُطَّت في رقوق الحيوانات مثل رق الغزال “منها ما هو نادراً وثميناً قياساً بمحتواه أو بعمره الزمني أو ندرته وبعضها يرجع تاريخها إلى عهد الدولة الإسلامية أي ما قبل مئات السنين، وفق جلنار.
من بين تلك المخطوطات القرآن الكريم قبل التنقيط والمصاحف باختلاف أحجامها (منها ما هو بحجم أصبع اليد) وخطبة الإمام علي بن أبي طالب.
وتٌعّرف جلنار المخطوط بأنه “كل ما كُتب بخط اليد وتجاوز عمره المئة عام”، فيما الرق هو “الجلد المدبوغ المعد للكتابة عليه”.
مجالات وأقسام
تتنوع مجالات تلك المخطوطات، بحسب جلنار، ما بين “الدين والتفسير والحديث والفقه والمواريث واللغة والأدب بالإضافة إلى العلوم الروحانية وعلم الفلك وكتب الشعوذة والسحر، إلى جانب كل ما يتعلق بالقوانين الشرعية وكذلك القبلية التي كانت تنظم الحياة”.
وأوضحت أن المخطوطات في الدار مكونة من قسمين؛ الأول “المخطوطات المحرزة وهذه يُمنع الوصول إليها أو الاطلاع عليها أو تصويرها إلا في حالات نادرة وحال دعت لذلك الحاجة الماسة وبواسطة أشخاص مخوَّل لهم بذلك”.
أما القسم الثاني وهو “ما دون المحرز ويتم الاطلاع والعمل عليه من قبل الموظفين”.
آلية العمل
أما بشأن آلية العمل في الدار، تقول جلنار لمنصة “مشاقر”، إنه يتم عبر أربع مراحل، “أولها التوثيق ويتم من خلالها لملمة وترتيب صفحات المخطوطة أو الكتاب معتمدين في ذلك على ترقيم الصفحات وكذلك التعقيب الذي هو كتابة الكلمة الذي انتهت بها الصفحة السابقة وتكرارها في بداية الصفحة التالية او المقابلة لها”.
المرحلة الثانية فهي تتمثل بالتصوير، وفيها يتم ذلك بواسطة “طابعات حديثة مع ترقيم النسخة المطبوعة”. وتليها مرحلة “الترميم من خلال تجديد الكعب والغلاف والكرتونة باستخدام أدوات ومواد مساعِدة مثل الإبرة والخيط والغراء والقماش وذلك لتستمر (المخطوطة) أطول فترة زمنية ممكنة”.
أأما المرحلة الرابعة والأخيرة فهي مرحلة الفهرسة والتوثيق، وتصف الفهرسة بأنها “مرحله مهمه جدا للحفاظ على المخطوطة لتبقى في مكان أمن ومن يحتاج للبحث يأخذ الفهرسة الورقية او الإلكترونية”.
وتقول بأن “الفهرسة هي عبارة عن أوراق تُوضع في ملفات وتحوي كل معلومات الكتاب (المقترن بها برقم معين) وذلك بتدوين عنوان الكتاب أو المخطوطة واسم الكاتب أو المؤلف وسنة تحرير المخطوطة وكذلك شكل الخط الذي خُطَّت به ولون الحبر ونوع الورق أو الرق المستخدم”.
وفيما يتعلق بالتوثيق الإلكتروني، تشرح جلنار، بأنه يتم من “إدخال الملفات إلى جهاز الكمبيوتر وتوثيقها إلكترونيًا”.
10 أعوام تعاقد
لنحو عشرة أعوام، ظّلت جلنار تعمل دار المخطوطات كمتعاقدة، في ظل الحرب الدائرة في البلد وتدهور الأوضاع فيها.
تقول جلنار: “عملت كمتعاقدة على أمل تثبيتي كموظفة رسمية بعد سنتين أو ثلاث حسب وعدهم لي ولكن تدهور أوضاع البلاد بسبب الحرب حالت بيني وبين تثبيتي”.
ومع بدء الحرب أصرت جلنار وزملائها على العمل في الدار رغم “التفجيرات”، كما تقول، مضيفة: “الشيء الوحيد الذي شجعنا هو خوفنا من ترك الدار ودخول يد العابثين لسرقته”.
مخاوف جلنار وزملائها من تعرض المخطوطات للخطر، دفعتهم لمطالبة الجهات المعنية بالحفاظ على المكان من الانهيار.
وقالت “فعلا قام المسؤولين ببنا سور يحيط بالمكان بدلا عن السور المهترئ وتواصلنا مع صندوق التراث بإعطائنا حقوقنا وايضا الميزانية المقدرة اللازمة للعمل داخل الدار وترميمه”، مشيرةً إلى استمرار “استقبال الزوار للمعرض بشكل دائم”.
وخلال الحرب الدائرة في اليمن تضرر الكثير من المتاحف والمكتبات الأثرية فضلًا عن تعرض محتوياتها من التحف الأثرية والمخطوطات للسرقة والنهب.