سارة ياسين .. كفاح ومعاناة في ظل جائحة كورونا
تقرير | أسامة فرحان
سارة ياسين معلمة في مدرسة أهلية بمدينة تعز اليمنية، تعيش في منزل والدها المسن بعد طلاقها وتعول طفلين، تتقاضى ما يقارب 25 دولارًا شهريا “25 ألف ريال يمني” مع العلم أنها لم تستلم راتبها خلال فترة الإجازة المجبرة بسبب جائحة فيروس كورونا بعكس المعلمات العاملات في القطاع الحكومي.
بكلمات مشبعة بالحسرة والوجع، وبآهاتٍ مغمورة بالحزن تقول سارة لـ”مشاقر” بعد طلاقي عشت مع بنتي وابني في منزل والدي الذي تكفل بأكلنا وشربنا فقط أما عن دراسة ابنتي ومصاريفها الخاصة وكسوتها وما إلى ذلك أني متكفلة بها، وبالنسبة لإبني يعيش عند جدته لأني لم أقدر على مصاريف اثنين، وحاليًا يشتغل مع صاحب وايت ويصرف على نفسه، مع العلم أن المدارس الخاصة رواتبها لا تسمن ولا تغني من جوع.
ففي بلاد تعاني ويلات الحرب مثل اليمن تخرج المرأة عادة للعمل نتيجة الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية الصعبة، وبدلًا من تقدير عملها تتعرض خلال العمل للعنف بنوعيه المادي والمعنوي.و تعطى المرأة و خصوصًا تلك التي تعمل في القطاع الخاص أجورًا بسيطة تحت مبرر أنها من الممكن أن تترك العمل فجأة نتيجة زواجها أو إجازة وضعها والتي يضطر رب العمل خلالها أن يتحمل أجور شخص بديل عنها.
آثار اقتصادية
بطبيعة الحال لم تمر جائحة كورونا على أي بيتٍ مرور الكرام، فلابد أنها أثرت على أهله، فإن لم يكن التأثير جسديًا كان اقتصاديًا فقد تسارعت وتيرة هبوط النشاط الاقتصادي بسبب القيود التي فُرضت لكبح انتشار الفيروس.تقول سارة في حديثها لـ”مشاقر” كان تأثير جائحة كورونا كبيرًا علينا من الناحية الاقتصادية، حيث توقفت المدارس التي هي مصدر أساسي لدخل العائلة، وتعرضنا لديون وساءت مناعة أطفالي بسبب سوء التغذية و بسبب ارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية.
وتضيف ساره لـ”مشاقر” كوني العائل الوحيد للأسرة اضطررت للعمل بمنظمات إنسانيه كمتطوعة براتب رمزي، وبعمل مجهد، فتعرضت للأمراض بسبب الجهد البدني، أما حاليًا فأدرس رخصة دولية للعمل سكرتارية لعلي أحصل على أجر أفضل وأرجو أن أجد فرصة في هذا المجال.
وقد أكد تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية أن الجائحة أحدثت أزمة عالمية ليس لها مثيل، أفضت إلى أشد ركود شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
آثار نفسية
عندما يتحدث الناس عن وباء كورونا فإنهم يخشون في الغالب أن يصابوا به فتظهر عليهم أعراض الوباء، لكن الخطر لا يقف عند هذا الحد، لأن الجائحة أثرت أيضًا على صحة الناس النفسية والعقلية فجعلتهم أكثر قلقًا واضطرابًا، بحسب دراسة حديثة.
وأكدت سارة في حديثها لـ”مشاقر” أنها تعرضت لضغط نفسي شديد خلال جائحة كورونا بعد أن تاخر دوام المدرسه لمدة شهر كامل وبعد أن بدء الدوام الدراسي ظلت متخوفة من التوقف مجددًا. وصرحت الأستاذة عزية الحاشدي أخصائية إرشاد نفسي لـ”مشاقر” أن المرأة اليمنية العاملة خلال فترة جائحة كورونا تأثرت بشكل كبير جدًا خاصة وأنها تتحمل مسؤولية كبيرة نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة والحرب القائمة.
وأضافت عزية لـ”مشاقر” أن انقطاع العمل وبالتالي انقطاع الدخل نتيجة كورونا أثر بشكل كبير على المرأة اليمنية العاملة خاصة عندما تكون متحملة مسؤولية أبنائها نتيجة انفصال أو طلاق أو تحمل مسؤولية أسرتها فتدخل في صراع بين قيمة العمل وأهميته كمصدر دخل والجلوس في المنزل اتباعًا لقواعد السلامة للحفاظ على صحتها خوفًا من انتقال الفيروس.
وأشارت عزية إلى أن عدم وجود بيئة اجتماعية أسرية داعمة ومساعدة للمرأة العاملة في هذه الفترة يؤثر سلبًا على قدرتها في التعامل مع هذا الصراع والضغط النفسي الشديد وبالتالي يتشكل ضغط من نوع جديد عليها فيتحول ويتطور إلى أعراض نفسية منها الاكتئاب والمخاوف المرضية والقلق الشديد وربما الوسواس القهري ناهيك عن الأعراض الجسدية من الإصابة بأمراض القلب والسكر و أمراض الجهاز الهضمي وغيره.
وأكدت عزية الحاشدي أن المراة اليمنية العاملة التي لم تحصل على فترة إجازة من قبل جهة عملها خلال الجائحة تعرضت لضغط أشد نتيجة تخوفها من أن تعود لأسرتها حاملة معها الفيروس.
القطاع الخاص ومكانته في القانون
صرح توفيق الحميدي، محامي ورئيس منظمة سام للحقوق والحريات لـ”مشاقر” بأن هناك قانونًا خاصًا صدر للمرأة العاملة في اليمن يوفر لها قدر من الحماية في حالة الحمل والوضع، ووضع بعض الأحكام التي تتعلق بزواجها وأبنائها، إلا أن هناك قصورًا في العمل بالقطاع الخاص
وأكد الحميدي أنه من المفترض للدولة أن تتدخل في الأعمال الخاصة وتوفر الحد الأدنى للأجور كون قانون العمل حدد هذا الأمر وبالتالي يجب أن يتغير الأجر بتغير الظروف الاقتصادية القاهرة وهذا يتم من خلال تدخل الدولة بإصدار تشريعات وقرارات تفسيرية للحد الأدنى من الأجور.
وأضاف الحميدي “للأسف البلاد العربية واليمن على وجه الخصوص وفي ظل غياب الدولة يتم استغلال المرأة وغيرها من قبل أرباب العمل من خلال رواتب زهيدة كنوع من الابتزاز واستغلال الحاجة”.
وأكد الحميدي أن خلال جائحة كورونا صدرت تشريعات وقرارات مستعجلة من الدول المتقدمة لتعويض العاملين وغيرها من الحقوق بينما نحن في اليمن نعاني من فراغ قانوني حيث كان من المفترض أن تتدخل وزارة العمل والتدريب المهني في بداية الجائحة وتصدر تشريعًا خاصًا يحدد الضمانات والتعويض والأجور في ظل الجائحة، فلم يتم تنظيم الوضع بشكل قانوني سليم بل تركت لأهواء أرباب العمل أنفسهم.
ودعا الحميدي الحكومة من خلال “مشاقر” للتدخل في تحديد الحد الأدنى للأجور بحيث يلبي متطلبات الحياة المعيشية ولا يترك الموظفين والعاملين تحت رحمة رب العمل والظروف الاقتصادية.
لم يكن تأثير جائحة فيروس كورونا مقتصرًا على المعلمة سارة ياسين فمع انتشار الفيروس تأثر الطلاب أيضًا فقد أكدت سارة لـ”مشاقر” أنه لم يعد للطلاب رغبة في التعلم ولوحظ غيابهم المتكرر وخوف الأهالي عليهم.
وصف مدير عام منظمة العمل الدولية جاي رايدر، تأثير جائحة كوفيد-19 على عالم العمل بأنه “كارثي” وأسوأ بكثير من تأثير الأزمة المالية لعام 2008.
وقال رايدر في افتتاح مؤتمر وزاري، مدته أسبوعان “إذا نظرنا إلى هذا الأمر ككل، فإن هذا يمثل أزمة في عالم العمل تساوي أربعة أمثال شدة الأزمة المالية في 2008 و2009”.
وكانت المنظمة قد كشفت في تقرير سابق لها أن جائحة كوفيد ـ 19، أغرقت 100 مليون عامل إضافي في الفقر، بسبب التراجع الكبير في ساعات العمل وغياب فرص العمل الجيدة.
“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.