fbpx

فائزة، وثمن اشتباه الإصابة بكورونا المستجد

ياسمين الصلوي
“كنت اقول لبنت الجيران يابنتي ليش ماتجي عندي ؟ قالت أمي تقول لي لا تروحي عندها فيها كورونا”، بهذه الكلمات تبدأ فائزة مهيوب حديثها عن مقاطعة أهل الحي لها بسبب اشتباه اصابتها بكوفيد 19.
لاحقت الحرب فائزة مهيوب (40عامًا) أينما ذهبت وهي أم لثلاثة أبناء نزحت من مديرية شرعب إلى منطقة كنب الروس في مدينة تعز وبعد تعرض منزلها لقذيفة انتقلت إلى حي كلابه مع أبناءها شهاب وإيهاب، تسكن في منزل تركه صاحبه بعد تعرضه للتدمير أثر الاشتباكات التي طالت الحي.
 تنمر المجتمع 
وجدت فائزة مبنى طالته الحرب، فر اهله وتركوه مدمر، تسكن في الدور الأرضي وفي نفس المبنى تعيش أمنة نازحة أخرى من أقاربها، لا تختلف ظروفها كثيرًا عن فائزة.
تعيش فائزة وأولادها ظروف سيئة فالشقة التي يسكنوها مدمرة، شبابيكها وابوابها محطمة إثر الحرب، تقول فائزة أنها اتخذت من الكراتين سترة للشبابيك وقطع قماشية للأبواب، لم تستطيع فائزة أخذ اشياءها من منزلها في شرعب سوى ملابسها وأولادها شهاب وإيهاب ولم تجد مساعدات في مكان نزوحها غير أشياء بسيطة.
تعرضت فائزة للتنمر من جيرانها بسبب مرضها وشعورها بأعراض تشبه أعراض كوفيد 19 حسب قولها “ما صدقت أني وجدت مكان أمن أعيش أنا وعيالي وبدأت حياتي بالحاصل لكن الجيران حاربوني وتنكدت حياتي”.
وتضيف: “الجميع قاطعني وحتى ما تكلموا معي بمجرد عرفوا أنى اعطس وفيني زكام، كان لو قرب طفل قرب بابي، أمه تصيح فوقه ولو شافوني بالشارع لا أحد يتكلم معي ولا وحدة تأتي بيتي، اسمعهن يهدرين فيها كورونا فيها كورونا، تكمل بعد صمت:” شعرت بحزن ونفسيتي تحطمت وكأني بموت خلاص”. 
ترى فائزة أن التباعد الاجتماعي لتفادي الإصابة بكوفيد 19 لا يعني القطيعة والتقزز من المريض بل هو وسيلة وإجراء وقائي لتجنب الإصابة بالمرض، والوقوف إلى جانب المصابين واجب أخلاقي. 
بسبب أعراض مرضها 
لا تنفي فائزة أنه بعد وفاة زوجها منذ أعوام  أجبرت على تزويج ابنتها في سن ال13، خوفا عليها من الضياع والجوع، لم تجد إلا قوتها لتسخرها للعمل من أجل توفير لقمة عيش لها ولأولادها المرضى حسب قولها، تعرفت فائزة على نساء كثر في حارتها ( مكان نزوحها) وعملت على خدمتهن مقابل مبلغ مالي لا يزيد عن 500 ريال، تحمل لهن الماء والحطب وتشتري لهن المواد الغذائية وتقوم بأعمال أخرى كما تقول، وتردف “اني لا متعلمة ولا معي خبرة بشيء عشان اشقي على عيالي، غير اخدم النسوان عشان احصل فلوس واصرف على البيت، وتضيف: “بعد ما ظهرت علي أعراض تشبه أعراض فيروس كورونا اقتطع رزقي، النسوان ماعد فتحين لي ابوابهن ولا زاروني، وتستطرد بالقول: “بدأت اعطس وأشعر بصداع وآلم في الجسم، كنت اروح اخدم النسوان واني مريضة عشان المصاريف، حسيت أنهن متغيرات مني وافتهم لي أنهن لا يردوني أذهب إلى بيوتهن، فامتنعت .
أدركت فائزة عليها البقاء في منزلها بعد مقاطعة نساء الحي لها حتى وان توقف عملها، حالتها تدهورت وزاد مرضها واشتدت الحمى ووجع في المفاصل وصداع وغثيان كما تصف، وتوضح فائزة انها لم تعرف أنها مصابة بمرض المكرفس صاحبه التهابات إلا بعد ظهور طفح في جسدها بعد أسابيع من المرض.
أثناء مرضها 
تحكي فائزة ان المرض اشتد عليها، ظلت حبيسة البيت شهرا كاملا، تتحمل الوجع وتحاول محاربة المرض ما توفر من حوامض ومسكنات.
 عن سبب عدم زيارتها للمستشفى تبرر فائزة أنها خافت بعد أن انتشر خبر قتل مواطنين مصابين بفيروس كورونا في المستشفيات، بحقنة أطلقوا عليها “إبرة الرحمة”، وتقول:” الناس كلها تتكلم أنه اللي يروح للمستشفى عشان يتعالج يضربوا له ابرة الرحمة ويموت، وتؤكد” خفت على أولادي من بيشقى عليهم، خليتهم بغرفة لحالهم عشان لو انتقل المرض، وجلست بغرفة وأكلت حوامض وقلت يا رب تولاني بلطفك.
وبحسب فائزة فإن ولدها شهاب البالغ من العمر 27 عام يعاني من مرض نفسي، وكانت تعمل بكل طاقتها حتى تجمع المال لعلاجه، فهو يحتاج في الجلسة الواحدة لعشرين ألف ريال وبعد مرضها ومقاطعة أهل الحي لها وتوقفها عن العمل عجزت عن توفير المبلغ الذي تحتاجه كل جلسة، كما أن ولدها الآخر، إيهاب (26) خلص علاجه، الذي تعرض لعشر قنصات ويخضع للعلاج.
جارتها أمنة  
 ترى فائزة أن الله سخر لها أمنة، التي كانت تمد لها المساعدة من شباك غرفتها بعد مقاطعة اهل الحي لها، توضح” كانت أمنة تجيب لي حوامض، عشان تنفعني للمرض، تكمل بمرارة: “كانت تجيب لي المسكن وأكل لعيالي من بيتها كل يوم كانت تتردد على من الشباك وتشوف لو أنى محتاجة حاجة.
شعرت فائزة أن أمنة أيضا كانت تعتقد انها مصابة بكوفيد 19 لكنها لم تقاطعها كما فعل سكان الحي وقدمت لها المساعدة من شباك منزلها، لها ولأولادها شهاب وإيهاب دون أن تدخل المنزل، أمنه (55) تعيش في الدور الثاني في نفس المبنى الذي تعيش فيه فائزة تقول انها وقفت إلى جانب فائزة بكل ما تستطيع لأنها تستحق وترى أمنة أن فائزة تعمل فوق طاقتها حتى الرجل أحيانا يعجز عن عملها تتحدث أمنة “لم أشاهد امرأة تتحمل هذا العبء، تحمل حزم كبيرة من الحطب للنساء وانابيب الغاز واكياس الدقيق.
تضيف:” الحاجة جعلتها تقوم بأعمال شاقة من أجل توفير لقمة عيش كريمة لأولادها، وتكمل باستغراب “فائزة تنجو بأعجوبة من القناصين أثناء خروجها من الحي إلى الأسواق خصوصا انها تخرج باستمرار لخدمة نساء الحارة، والأماكن التي تجلب منها الحطب والماء قريب من خط النار لولا لطف الله.
غياب فائزة 
ولان فائزة ظلت شهرا كاملا تصارع المرض لا تستطيع الخروج من المنزل، نفذت كل المواد الغذائية في البيت بدأ أولادها يجوعون وكما تقول سخر الله لها الى جانب أمنة أحد جيرانها، منير الذي مدها بالمواد الغذائية وما يحتاجه أولادها، حسب ما تقول. 
 منير الأكحلي (33)   يقول ان صهاريج المياه (وايتات) لا تجرؤ على دخول الحي بسبب خطورته، وكون المكان يقع على خط نار، وكل صباح مع وصول صهريج مياه يتجمع الناس عند الخزان، هناك منير يجد كل يوم فائزة معها الكثير من الأواني البلاستيكية التي تجمعها من منازل أهل الحي لنقل الماء بها لهم.
 يتحدث منير قائلا: “كنت التقي فائزة كل يوم تحمل للنساء الحي الماء من الخزان، واختفت فجأة وعندما سألت عن غيابها قالوا بأنها مريضة بكوفيد19، ويقول منير “رحت إلى بيتها وكانت مريضة فعلا قالت لي أن من ضمن الأعراض التي تشعر بها ضيق نفس وحمى و آلم بالمفاصل، شكيت فعلا أنه ممكن تكون مصابة بكورونا المستجد، أعطيتها مصاريف ومواد غذائية وكنت أتردد عليها من أمام بابها امنحها ما أقدر عليه. 
يؤكد منير أن خوفه على فائزة منعه من المخاطرة بحياتها وأن كثير من السكان الذين ظهرت عليهم أعراض المرض فضلوا أكل الحوامض والمسكنات على الذهاب للمستشفيات.
الهلع من كوفيد 19 
في هذا السياق ترى الأخصائية الاجتماعية عائدة أمين أن الأمراض مثل الضنك والزكام التحسس والربو وضيق تنفس إضافة إلى مرض المكرفس جميعها اقترنت أعراضها بجائحة كورونا، وغابت التوعية حول الفروق بين كورونا والأمراض الأخرى، وترى أن غياب التوعية بهذه الفروق قد خلق نوع من ️التعقيد في التعامل مع المشتبه بهم، ففي حال فعلت التوعية بخصوص عدم الخلط بين الأمراض سوف يحصل المريض على حقوقه في التعامل كمريض يمكن معالجتهم والسيطرة على مرضه.
تقول عائدة أمين “حين انتشر فيروس كوفيد  19في العالم وبدت آثاره حقيقية على من أصيبوا به، بدأ المجتمع من التخوف من أولئك الذين اشتبه بهم المرض، وتضيف: “فلا يأكلون معه ولا يمشون ولا يصافحونه حتى أقرب الناس اليه، مما أدى هذا الحرص الشديد الى اذا توفى المشتبه به لا يغسله أحد من أهله ولا يزوره ولا يكفنه ولا يقبره بل يتركه جانبا الى أن يأتي فريق الطوارئ فيما بعد ليأخذه ..
 ” ومن هنا وجدنا تخوف شديد من الذي يصاب حتى بزكام عادي أو نزلة برد نظرا للإشاعات المكثفة والترويج بكوفيد19 والتحذير منه بشكل غير طبيعي، مما جعل المواطن على حذر من كل الذين حوله تخوفا من العدوى، تقول عائدة.
الصحفي صلاح الجندي يقول أن تصنيف كوفيد 19 بالفيروس القاتل ساهم في بث الرعب والخوف من المرض، ويضيف: “تداول وسائل الإعلام وتقارير المنظمات هذا المصطلح رسم فكرة أن المرض قاتل لا محالة، مشيرًا إلى أن نظرة المواطنين لأي مريض ظهرت عليه أعراض تشبه كورونا كانت نتيجة ما صوره الإعلام عن المرض. 
ثمن الشائعات 
الناشطة منى حجري وهي تعمل مخبرية في مستشفى الثورة في الحديدة، ترى أن الشائعات كانت أكثر رعب من المرض وأن كثير من المرضى فضلوا عدم زيارة المستشفيات وتدهور صحتهم بسبب انتشار خبر قتل مواطنين يشتبه إصابتهم بكوفيد19 بالحقن والتخلص منهم.
تقول منى “أخبار كاذبة لا أساس لها من الصحة يتم تداولها زرعت الخوف في أوساط الناس وقرر مواطنون عدم زيارة الأطباء والمستشفيات حتى المرضى الذين يعانون من أمراض لا علاقة لها بكورونا المستجد، وتضيف منى: “خلت المستشفيات من المرضى وبقي المواطن أسير مرضه يتجرع مرارة الوجع دون العودة للطبيب بسبب الشائعات.
تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA

.

مقالات ذات صلة