لا يجب أن تكوني “إعلامية”..!

الحديدة -ياسمين الصلوي

‍

العاشرة صباحا في طريق شاق بين مدينة صنعاء والحديدة اليمنيتين، كعادتي في السفر اتناول رقائق البطاطس المقرمشة، الصمت يخيم على الأجواء في الحافلة، الجميع يسرح نحو الجبال والمنحدرات البعيدة من زجاج النوافذ، على مسافة كرسي تجلس أسرة، أب، أم، طفلة دون العاشرة وشاب عشريني.

بينما كنت منهمكة في تناول البطاطس، واتأمل الجبال المتراصة جذبتني محادثة قصيرة، الطفلة بشغف شقية: “أنا بدرس زي خالو وأكون مذيعة في التلفزيون”، لتباشرها الأم: “بقطع رقبتك، أكبري وتزوجي، أخوكِ سيدرس إن أراد”.

تحولت لمعة الفرح في عيناي الطفلة إلى دموع، لن أنسى ملامح الحزن التي ارتسمت على وجهها، وأثارت فضولي الصحفي للكتابة حول نظرة المجتمع والأهالي لرغبة بناتهن من دراسة الإعلام، وممارسة مهنة الصحافة.

حرموني الإعلام

“حاولت اقناع أهلي بالسماح لي أن أدرس الإعلام والصحافة، إلا أنهم رفضوا وخيروني بين تخصص آخر، أو التخلي عن الدراسة، وحتى لا أحرم الدراسة بشكل كامل، تنقلت بين أكثر من تخصص، وفشلت بهم، لأني لم أجد ضالتي ورغبتي، وشغفي في الإعلام”، تقول سمية عن تسبب أهلها في حرمانها من الالتحاق بالصحافة.

وتضيف سمية (اسم مستعار): “كانت أمنيتي أن أصبح إعلامية، إلا أن أهلي يرون أن الإعلام مجال حصري للذكور فقط، وأنها مهنة لا تناسب النساء”، تصمت لبرهة ثم تواصل: “أنك تحدد تخصص دراستك، يعني أنك تختار حياتك ونطها، فصعب جدًا تدرس مجال لا تتقبله أو تميل له، والأصعب أنك تظل تمارس عمل ليس لك رغبة فيه”.

حلم أبي

الأمر يختلف كثيرا لدى فاطمة مختار التي تقول انها محظوظة بوالدها الذي شجعها للالتحاق بدراسة الإعلام الذي تميل له منذ طفولتها، وتقول: حلم أبي أنه يراني إعلامية مرموقة داخل المجتمع، يسمعني عبارات تحفزني وتجعلني اتحمس أكثر للدراسة”.

وتتابع فاطمة: أبي إمام جامع ومدرسًا للقرآن الكريم والتربية الإسلامية، علمني القيم والمبادئ وكيف اكون قوية أمام العقبات التي تترصد أي فتاة عند تحقيق آمالها، ووضح لي منذ صغري كيف تشارك المرأة في القرارات وتكون قيادية.

هي كالرجل

من جهته يرى والد فاطمة أن الفتاة التي يمنحها أهلها الثقة تكون قوية، ويقول: “أنا في صف أبنتي دام هذه رغبتها وتحمل رسالة هادفة، فالمرأة تمتلك كل مقومات الإبداع والتميز مثلها مثل الرجل”.

ويستغرب ممن يرى أن الإعلام حكرا على الرجال فقط، ويضيف: “دام أن المرأة قادرة على قهر المعوقات التي قد تواجهها كصحفية في الميدان”.

تتحقق الأمنية

أما أحلام استطاعت أن تنجو من تنمر والدها لها من الالتحاق بقسم الصحافة والإعلام، ونجحت في إقناعه، فوالدها ينتسب لقبيلة يرون بأن المرأة لا يناسبها شيء في الحياة سوى المطبخ.

تقول أحلام (اسم مستعار) في حديثها: “كان أبي رافض تماما فكرة دراستي للإعلام، وكنت كل مرة أحدثه عن رغبتي تلك، فكان يغضب ويقاطعني لأيام، إلا أنني لم استسلم، وحاولت بكل الطرق أن يوافق، وبالتراضي وبهدوء، فأحسسه انه هو صاحب القرار، وفهمته أن الإعلام والصحافة مجال ينفع للذكور والإناث وساعدتني والدتي في إقناعه، والحمد لله تقبل ووافق بالتراضي وبكل هدوء”.

تؤكد أحلام تمسكها بهدفها في ان تكون مخرجة أفلام وثائقية، فرغم بعض أقارب أبيها، اعترضوا على موافقته وطلبوا منه العدول عن قراره بالموافقة، إلا أنها كانت تبذل قصار جهدها في ان لا تحرم دراسة الإعلام.

مستمرة في مهنتي  

تقول الصحافية بمحافظة حضرموت شرق اليمن، فاطمة باوزير بأنها واجهت المجتمع انتصارًا لرغبتها في مزاولة المهنة وتقديم رسالتها الصحفية.

تقول باوزير بأنها واجهت مضايقات لفظية من المجتمع عند بداية مزاولتها المهنة، وتضيف: “كنت أسمع تلميحات من البعض، ككيف تعمل هذه صحفية، فهذا المجال فيه اختلاط، ولا يصلح للمرأة، وكنت أنزعج في بداية الأمر، لكن مع الوقت، أصبحت لا أبالي، ومستمرة في مهنتي”.

منقصة

الأخصائي الاجتماعي عمران شهبين يرجع سبب منع كثير من الأهالي لفتياتهن من الالتحاق بمجال الإعلام وممارسة مهنة الصحافة، للعادات والتقاليد التي تسيطر على غالبية الشعب اليمني، ويتابع: “الإعلام يلزم الشخص الظهور في وسائل الإعلام، وهذا الظهور في نظرهم يعتبر منقصة في حق الأسرة، والبعض يرى أن ظهورها يقف عائقًا امام زواجها.

ويشير شهبين إلى أن الرفض من الأهالي زاد في السنوات الأخيرة بسبب الخوف لما يتعرض له الصحفيين في البلاد، وكيف باتت المهنة تشكل خطرًا على أصحابها.

ويرى شهبين ضرورة أن يكون هناك خطة توعوية استراتيجية ترفع وعي المجتمع وتغير نظرته السلبية تجاه أن الإعلام مهنة لا تناسب إلا الذكور.

احتياج الصحافة

ويرى رئيس تحرير موقع الصحفية نيوز فضل سعيد أن المرأة لا تختلف عن الرجل في العمل والواجب الإنساني والوطني، فهي اداة وعنصر فعال ومهم في عملية التنمية وبناء وتنوير المجتمع.

ويستطرد في حديثه قائلًا:” العمل الإعلامي لا يستقيم في ظل غياب أو تغييب للعنصر النسوي فهناك العديد من الصحفيات اللاتي حفرن أسمائهن وكتبنها بحروف من ذهب وحظين بحب واحترام وتقدير المجتمع.

ويؤكد سعيد على ضرورة تشجيع المرأة بأن تقود وتدير العمل الصحفي والإعلامي لتسهم في خلق توازن مجتمعي، ويمكن المرأة من ممارسة اعمالها ومهامها بالشكل المرضي والمطلوب.

أرقام

وأوضح تقرير صادر من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بأن العاملات في الإعلام من النساء يشكلن نسبة 20 % من إجمالي العاملين في وسائل الاعلام، ويشكلن 11% من أعضاء نقابة الصحفيين اليمنين، في حين حضرت المرأة كمراسلة في الميدان بنسبة 4.4 % مقارنة بالذكور الذين يشكلون نسبة كبيرة في تعداد المراسلين بنسبة 30.6 %.

(تنشر هذه القصة بالتزامن مع نشرها في منصة “هودج“، وفقًا لمذكرة تفاهم بين مشاقر ميديا ومركز الدراسات والإعلام الاقتصادي)