مبادرة نسوية تؤسس مدرسة لقرية نائية
تتميز المبادرة، بكونها بسيطة، وتعتمد على فكرة التطوع لتعليم الأطفال
صنعاء / مبارك اليوسفي
صعوبة حصول الأطفال على التعليم في القرية، كان دافعا أساسيا جعل تسع نساء يشكلن مبادرة نسوية تعليمية، في قرية الباركة إحدى قرى عزلة بني يوسف بمديرية فرع العدين غربي محافظة إب وسط اليمن.
ميناء عبده غالب – إحدى رائدات المبادرة – كما يلقبن أنفسهن تقول في حديثها إن المدرسة التي كان يدرس بها الطلاب تبعد عن القرية مسافة طويلة مما يشكل عائقا أمام الطلاب خاصة صغار السن من حيث المسافة بالإضافة إلى الازدحام الشديد كون المدرسة تضم الكثير من قرى العزلة وهذا ما ينعكس سلبا على استيعاب الأطفال وفهمهم بالشكل السليم.
من هنا جاءت فكرة المبادرة النسوية في تعليم الأطفال في مدرسة القرية الابتدائية وهي عبارة عن أربعة فصول دراسية تفتقر لأبسط مقومات التعليم، ولا تملك شيئا سوى هؤلاء الفتيات بعزائمهن القوية، إذ تقول ميناء:
“العزيمة الأساسية هي تعليم الأطفال الذين أصبح مستقبلهم شبة ضائع في بلاد يعاني من الحرب منذ سنوات.”
ما يميز المبادرة
تتميز المبادرة، بكونها بسيطة، وتعتمد على فكرة التطوع لتعليم الأطفال بإمكانيات بسيطة وجهود ذاتية والتي استطعن من خلالها تعليم الأطفال الكتابة والقراءة باستخدام وسائل بدائية بسيطة جدا وقد حققت الكثير من النتائج عند الأطفال.
يتفقن رائدات هذه المبادرة جميعا بأن التعليم رسالة سامية وعظيمة وهي مسؤولية الجميع، وقد أخذن على عواتقهن هذه المسؤولية ويسعين جاهدات إلى تعليم الأطفال بأبسط الإمكانيات، معتمدات على أنفسهن وبجهد ذاتي
معتمدة على فريق المبادرة النسوية اللواتي يقمن بتدبير كل احتياجاتهن بشكل ذاتي، وتقول أمة الرحمن فيصل إحدى رائدات المبادرة، إن المسؤولية الأخلاقية فرضت عليها وزميلاتها خوض هذه التجربة من أجل بناء جيل متعلم في الوقت الذي لا يستطيع فيه الكثير من الأطفال الحصول على التعليم؛ كما تعتبر رحاب قحطان أن التعليم رسالة نبيلة وتستحق التضحية والتغلب على كل المعوقات التي تمنع الصغار من مواصلة تعليمهم كما تؤكد عزمها في مواصلة ما قامت به مع زميلتها من أجل بناء جيل متعلم وطموح يساهم في بناء المجتمع.
يتفقن رائدات هذه المبادرة جميعا بأن التعليم رسالة سامية وعظيمة وهي مسؤولية الجميع، وقد أخذن على عواتقهن هذه المسؤولية ويسعين جاهدات إلى تعليم الأطفال بأبسط الإمكانيات، معتمدات على أنفسهن وبجهد ذاتي ودون أي مقابل من أحد، حيث تؤكد ماريا عبد الرحمن بأنه لا يوجد أي دعم للمبادِرات من أي جهة كانت إلا من أهاليهن وتحفيز بسيط من أهالي القرية لما يقومن به من عمل.
معاناة
يفتقرن هؤلاء النساء للخبرة في مجال التدريس خاصةً وأن جميعهن من خريجات الثانوية العامة ولم يستطعن مواصلة التعليم الجامعي، بسبب بعد هذه القرية عن مدينة إب حوالي 65 كيلو، التي تتواجد فيها الجامعات، لذا فإن النساء في القرية لم يواصلن تعليمهم الجامعي بسبب المسافة الطويلة والطرق الملتوية وغير المعبدة، ويتعلق السبب الآخر بثقافة القرية حول تجهيل المرأة وعدم إتاحة المرأة لمواصلة التعليم
منذ العام 2016 انقطعت مرتبات موظفي الدولة بما فيهم المعلمين في مناطق كثيرة في اليمن الأمر الذي دفع الكثير من المعلمين للعزوف عن التعليم والبحث عن مصدر رزق آخر يقتاتون منه لمواصلة الحياة، وتؤكد دعاء عبده غالب أن المعلمين في المنطقة قليلون جدا وقد ترك الكثير منهم مهنة التدريس وتحولوا إلى مهن أخرى، وهنا كان دور المبادِرة أن تحل محلهم.
وتسببت الحرب في اليمن منذ مارس 2015 إلى تعطيل العملية التعليمية لحوالي 3.7 مليون طفل حسب تقارير منظمة اليونيسف، وقالت المنظمة في تقرير مطلع العام 2020 عن وضع التعليم في اليمن، أن المدارس التي توقفت عن العمل بسبب الحرب بلغت أكثر من 2500 مدرسة دمرت منها حوالي 66%، وأغلقت 27 %، بينما تحولت 7 % إلى ثكنات عسكرية وأماكن إيواء للنازحين.
حمود علي، التربوي الوحيد في القرية، يقوم بتدريب هذه المبادرات حول كيفية تعليم الأطفال ويقدم دورات تأهيلية من خلالها يحاول جاهدا بناء قدراتهن من أجل تنمية مهاراتهن لتعليم الأطفال بصورة جيدة.
ويعتبر هذا العام هو أول عام دارسي منذ بناء هذه المدرسة في 2018 على نفقة الأهالي بعد أن يأسوا من الحكومات المتعاقبة بتوفير مدرسة لأبنائهم، إذ بنيت المدرسة على نفقة الأهالي وأصبحت شبة جاهزة في العام 2018، ولم يستطع أحد الالتحاق بها من الأطفال بسبب عدم توفير كادر تعليمي متخصص لكن بعد أن عملن هؤلاء النساء على المبادرة افتتحت في بداية العام 2020.
وحسب حديث عبده غالب سيف عدل القرية، فإنه ظل حوالي 15 عاما قبل الحرب وهو يطالب الجهات الحكومية بتوفير مدرسة للقرية ولكن دون جدوى، ما دفع الأهالي إلى بناء مدرسة على نفقتهم الخاصة.
المدرسة المكونة من أربعة فصول، تفتقر للمعدات اللازمة والمساعدة للتعليم، ككراسي وطاولات للطلاب، ويؤكد علي حمود بإن المدرسة تم اعتمادها من مكتب التربية والتعليم في المحافظة، إلا أنه لم يزود المدرسة بالكتب المدرسية، ومازال أولياء أمور الطلاب يشترونها على حسابهم الخاص.
ومن جانب آخر يسعى الأهالي إلى إضافة فصول دراسية أخرى لتصبح مدرسة أساسية، ويقول محمد أحمد رئيس اللجنة المجتمعية المعنية ببناء المدرسة ومشاريع أخرى في القرية، أن قلة الدعم والإمكانيات المالية وقف ضدهم في عملية استكمال بناء الفصول المتبقية، ويضيف أنه تم في الفترة السابقة جمع التبرعات من قبل الأهالي إلى اللجنة المجتمعية التي باشرت ببناء الفصول بإمكانيات بسيطة.
المستفيدون
ويقدر عدد أهالي القرية والقرى المجاورة لها المستفيدين من المدرسة أكثر من 400 أسرة حسب تقديرات عدل القرية، وبحسب ما أدلى به التربوي حمود فإن عدد المتقدمين من الطلاب لهذا العام تجاوز 70 طالب، مشيرًا إلى أنه لا يزال الكثير من طلاب القرية يدرسون في مدارس بعيدة، ويرجع ذلك إلى عدم توفر المعلمين والكتب في المدرسة خلافًا عن افتقارها للمستلزمات التعليمية الضرورية، وتعمل 9 فتيات في تدريس الأطفال من الصف الأول إلى الصف الرابع، في أربعة فصول بسيطة.
بعد أن تم افتتاح المدرسة انتاب محمد على والكثير من أولياء الأمور شعور بالفرح وأزاحت من كاهلهم هم البعد والمسافة التي كان يقطعها أطفالهم للدراسة.
تتمنى عصماء فؤاد توفير كافة الوسائل التعليمية للمدرسة والطلاب، لتسهيل مهامها في التدريس والقدرة على توصيل المعلومات بشكل سليم كما يساعد ذلك في استيعاب الطلاب وتمسكهم بالتعليم كما تقول.
تطمح ميناء ورائدات المبادرة إلى تحسين جودة التعليم في القرية، وتحسين أوضاعهن وتأهيلهن لممارسة العمل الطوعي وذلك لكونهن عنصرا فعال في تعليم أبناء القرية والمجتمع بشكل عام؛ فيما يقول عمار اليوسفي ولي أمر احد الطلاب أن المدرسة بحاجة إلى توفير المستلزمات التعليمية والبيئة المناسبة للأطفال.