مخطوطات ياسين الهتاري.. تراث زاخر.. في طريقه للاندثار
ريمة – فايز الضبيبي :
اشتهرت عدد من الأسر في محافظة ريمة في كتابة وزخرفة المخطوطات وخاصة المصاحف القرآنية على مر الأزمنة، ومنها حسب حسن القليصي مدير مكتب الآثار بالمحافظة “بنو هتار في بني الضبيبي بمديرية الجبين، وبيت البزاز وبيت القليصي بمديرية الجعفرية، تركوا ورائهم إرث كبير من المخطوطات المتنوعة التي تزخر بها ريمة إلى اليوم”.
ويفيد المؤرخ حيدر علي ناجي أن “بنو هتار اشتهروا بكتابة وزخرفة المخطوطات وتجليدها، ومنها المصاحف القرآنية التي تملأ المساجد في ريمة وفي غيرها، بخطوط والوان وزخارف وحواشي كلها غاية في الجمال والفن حد وصفه.
وتابع ناجي حديثه: فضلا عن التجليد المتقن والمعمر، برعوا في كتابة المخطوطات في مختلف العلوم والمعارف، وكان لهم فرع من أسرتهم في عدن اشتهروا في تجارة المخطوطات وذكرهم المستشرقون، وكان منهم علماء وأئمة مساجد وشعراء اشتهروا في فترات زمنية مختلفة”.
ويفيد الباحث أحمد عبد الغني الجباري، بأن “ياسين بالقاسم الهتاري، أبرز الكتاب الذين اشتهروا في ريمة بكتابة وزخرفة المخطوطات، ومنها المصاحف القرآنية، التي انتشرت في أرجاء ريمة وخارجها”.
حياته
ويفيد عبد الرحمن علي ياسين- حفيد الهتاري- بأن “جده ياسين بالقاسم الهتاري ولد بقرية علي حاج في بني هتار عزلة بني الضبيبي، بمديرية الجبين، في النصف الأخير من القرن الهجري الثالث عشر، وتعلم القرآن والخط على يد عدد من المشائخ في الأسرة، التي اشتهرت بتعليم القرآن الكريم وكتابته وتعليمه على مر القرون السابقة”.
وحسب الصحفي والباحث علي حسين الضبيبي، فإن الفترة الذي عاشها ياسين الهتاري هي الفترة الأخيرة لحكم الاتراك في اليمن، في سنوات تعدد الائمة في صنعاء وبروز حكام محليين في مناطق كثيرة في اليمن”.
جهوده عظيمة
وكنا قد استطعنا الوصول إلى عشرات المصاحف والمخطوطات الأخرى التي كتبها ياسين الهتاري في ريمة، من مئات المخطوطات التي كتبها في حياته، وجدنا تلك المخطوطات محفوظة وباقية في أقدم الجوامع ولدى أعرق الأسر والمنازل في ريمة، تحتفظ بها وتقدمها على ما تملكه من ممتلكات ومقتنيات ثمينة.
ويقول حفيد الهتاري “بأنهم لا يعرفون المعلومات الكثيرة عن جدهم، وما كتبه من مخطوطات ومصاحف، ولا مكان تلك المخطوطات، وهل لاتزال موجودة، ولا يوجد لديهم وثيقة تأكد ذلك وتحدد امكان تواجد تلك النسخ”.
ويعزوا الباحث علي الضبيبي عمل الهتاري الذي وصفه بالثري، إلى أنه “عاش في المرحلة التي ساد فيها الاضطراب زمنا ثم الهدوء المؤخر، وهي مرحلة كانت فيها ريمة من أغنى المناطق في اليمن، حيث كان الأتراك يحاولون الاستيلاء عليها.
ويتابع الضبيبي حديثه: محاولة السيطرة على ريمة هو دليل على أنها كانت غنية وبالذات بمحاصيل البن، وهذا الثراء انعكس على ازدهارها بالمخطوطات والمصاحف والقلاع ودور المشائخ الأثرياء بين الناس”.
من الطراز الاول
ويصف الباحث أحمد الجباري ياسين الهتاري في حديثه لـ” مشاقر “ بأنه “كان خطاط وفنان فسيفسائي من الطراز الأول، ويمتلك موهبة فريدة في المزج بين الألوان وتشكيل نماذج بديعة من النقوش، متقن في كتاباته للآيات والسور.
وأشار الجباري إلى أن “الهتاري عادة ما كان يستهل بداية كل صورة من القرآن الكريم بتشكيلة بديعة تختلف عن الأخرى، ويختم كل سورة بألوان عديدة ومختلفة، موضحًا بأنه كان يكتب الآيات مع أحكام التجويد، وفي الحواشي تفسير الجلاليين”.
نسختين لصحيح البخاري
وحسب ما أفاده عبدالباري القليصي أحد المهتمين بالآثار بأن ياسين الهتاري كتب “نسختين من صحيح البخاري، كل نسخة مكونة من 6 مجلدات كبيرة، إلى جانب نسختين من القرآن الكريم كل نسخة 30 جزء، وكل جزء في مجلد واحد.
وبحسب القليصي فإن تلك النسخ مازالت موجودة إلى اليوم لدى أولاد يحيى النهاري في منطقة بني سعيد بالجعفرية.
“مرفق صور لكل نسخة منها”
ويصف القليصي بأن تلك النسخ تميزت عن غيرها من المصاحف، أنه كتبها بالحرف الكبير، وقد حشى أوائل السور والأجزاء بإطارات زخرفية وهندسية ومشجرة بألوان مختلفة، كلها من الطبيعة.
ويتابع القليصي: “كما إن هذه المخطوطات يزينها المترب الذي كان يوضع على السطور قبل أن يجف مدادها، فيعطي بريقا وهاجا وبلون رصاصي أو فضي كالياقوت الحميري، وقد رصعت صفحات تلك المخطوطات في أوائل السور والأجزاء بألوان ذهبية من ماء الذهب”.
نقوش
إلى جانب ما كتبه ياسين الهتاري من المصاحف والمخطوطات، وجدنا له نقوش ورسوم وكتابات زين بها عدد من أسقف المساجد القديمة والمنازل العريقة في ريمة، كان أهمها جامع الأعور وقصور الحيم في مديرية الجعفرية، والجامع الكبير في مركز المحافظة ومنزل الجباري في قرية الاكمة، وجميعها تحمل بصماته ولمساته وأسمه على تلك الاعمال، إلى جانب تأكيدات القائمين عليها والمهتمين بالآثار، وبحسب ما دونه المؤرخون في مذكراتهم، فإن تلك النقوش أذهلت عقول الزائرين من داخل اليمن وخارجه.
ومنه ما ذكره المؤرخ حيدر علي ناجي في مذكراته عن ريمة بأن “هناك بعثة أثرية وكنت رفقتها، منتصف الثمانينات، زارت جامع الأعور ونشرت تقريرها في مجلة الإكليل، خريف 1987م، قالت عن الجامع” أن أهم ما يلفت النظر هو سقفه الخشبي المليء بالزخارف النباتية الجميلة المطعمة بماء الذهب، وبعض الألوان الأخرى الزاهية والسقف يحمل خمسة صفوف بأشكال مختلفة، وكله يوحي بالبراعة الفنية والدقة في عملية النحت على الخشب”.
ويستطرد ناجي في حديثه: كما توجد تشكيلات نباتية بداخل كل صندقة تشبه النجمة أو الزهرة منها الرباعية ومنها السداسية ومنها الثمانية الشكل، ويضم المسجد إطارا خشبيا من جميع الجهات تحت السقف مباشرة، يحمل كتابات قرآنية منحوتة ومكتوبة بالخط الكوفي البارز”.
تعايش والفة
وحسب الشيخ محمود علي يحيى في حديثه لـ” مشاقر “ “فقد مثل الاهتمام بالمخطوطات القرآنية القديمة واقتناءها، هوية جامعة لكل اليمنيين بشكل خاص والمسلمين بشكل عام، حيث اهتمت الكثير من الأسر اليمنية قديما أن يكون لكل منها مخطوطة خاص بها للقرآن الكريم أو في كل منطقة على الأقل”
ويضيف “وكان يتم تخصيص غرفة عامة في كل قرية توضع فيها تلك المصاحف القديمة، ويتم اجتماع أبناء كل قرية في تلك الغرفة العامة، لتدارس القرأن وتعليمة وتلاوته فيما بينهم منها، وخاصة في ليالي رمضان المبارك. بصورة تدل على حجم التعايش الكبير فيما بينهم…والألفة والمحبة والإخاء والتسامح الذي كان بين أبناء المجتمع اليمني”.
جهود مجهولة
وكان قد أفاد كلا من مدير مكتب الثقافة جمال الحيدري ومدير مكتب الآثار والمصاحف والمخطوطات حسن القليصي بمحافظة ريمة، “بأنه لا يوجد لديهم أي معلومات أو احصائية عن المصاحف اليدوية أو المخطوطات القديمة الموجودة في ريمة، سواء التي كتبها ياسين الهتاري أو غيرها”.
فيما أشار الجباري بأن” هناك العشرات من تلك المصاحف لاتزال موجودة إلى الآن، لدى عدد من الاسر في ريمة، فيما البعض الاخر منها مجهول وفي طريقه إلى الاندثار والضياع، وتغيب من تقارير واحصائيات الجهات الرسمية في المحافظة”.
إنقاذ التراث
ودعا مدير مكتب الآثار والمخطوطات بريمة الأستاذ حسن القليصي، “المنظمات المختصة والمهتمين ومن يمتلكون المخطوطات القديمة بريمة، إلى التعاون معهم لإبراز التراث الهام التي تزخر به المحافظة، والحفاظ عليه من الاندثار والضياع”.
توصيات
ويرى عضو مؤسسة إنماء للتنمية الثقافية المجتمعية بريمة الأستاذ عبد العزيز الهتاري لـ” مشاقر “ “إن إنقاذ المخطوطات الموجودة في المحافظة، يحتاج إلى جهود مؤسسات متخصصة في طبع المخطوطات ونشرها، إضافة إلى إطلاق حملة كبيرة لتحسيس مالكي المخطوطات بأهميتها وبالمخاطر التي تهددها نتيجة طرق الحفظ الخاطئة.”
ويوصي الهتاري الجهات المختصة بالمحافظة ” الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات واستخدامها في حفظ المخطوطات ورقمتنها، وضرورة تحويل هذه المخطوطات الأصلية إلى الشكل الرقمي، لتقليل الأضرار التي تنجم عن الاستعمال المباشر لها، وأيضًا تسهيل اطلاع الباحثين عليها وتوظيفها في الجانب المعرفي والبحثي”.