fbpx

وجه آخر لـ كورونا للفتك بالحوامل في اليمن

تعز- عبير عبدالله
“نحن النساء نلد في المنازل ولا نذهب إلى المستشفيات إلا ما ندر”، تبدأ سامية حديثها بهذه الكلمات حين فقدت طفلتها المولودة للتو في شهرها الثامن بولادة مبكرة، بعد نحو شهر من استخدام الأم الحامل لوصفات من الأعشاب التي أخذ التداوي بها ينتشر على نطاق واسع منذ تفشي جائحة كورونا المستجد في اليمن.
سامية المنحدرة من قرية “البذيج” في الحجرية جنوبي تعز، تفيد أنها ونساء قريتها غالبا ما يلجأن للداية أم سلطان – وهي قابلة لتوليد النساء الحوامل – في حال حدوث أي مضاعفات أو تقلصات أثناء الحمل.
لكن منذ تفشي فيروس كوفيد19 في البلاد، أحجم الكثير عن الذهاب إلى المستشفيات ليتخذوا من الأعشاب وصفات طبية للمداواة، حتى لتلك الأعراض المرضية المشتبه بأنها مصابة بالجائحة العالمية، وتشمل هذه الأعشاب بحسب سكان محليون استخدموا هذه الوصفات وتحدثت معهم كاتبة القصة من القرنفل، والشمر، والقرفة واليانسون والزعتر والمرمية والبابونج والزعفران والبردقوش والهيل والزنجبيل والشعير والنخوة والحبة السوداء.

بديل المرافق الصحية

وتقول سامية أنها شعرت بحمى والتهابات بالحلق وسعال وانعدام للشم والطعم، بعد أيام من وفاة والد زوجها متأثرًا بـ حمى الضنك، لتمتد أعراض مرضها أكثر من خمسة عشر يوما، غير أن “زوجي رفض إسعافي إلى المستشفى كونها من الأشياء المنبوذة والمعيبة أن يكشف الأطباء علينا نحن النساء، سواء في عيادات خاصة أو مستشفيات عامة”.
هذا الرفض، والحديث لسامية، قابلته نصيحة لأحد أصدقاء “زوجي بأخذ بعض الأعشاب واستخدامها كقهوة”، مؤكدًا أنها تفيد لمثل هذه الأعراض. 
وقالت أنها كانت تشرب ما يقارب 3-4 أكواب يوميًا من خليط (القرنفل- الشمر- القرفة- اليانسون-  الزعتر- المرمية- البابونج- الزعفران- البردقوش- هيل- زنجبيل- شعير- نخوة- حبة سوداء)، بالإضافة إلى عشبة يسمى “القسط الهندي” من أجل عملية التنفس، لكن “لم أشعر بأي تحسن، بل كنت أشعر بتقلصات بالرحم وانقباض عضلاتها وتهيج البشرة بالإضافة إلى حدوث نزيف مستمر”، قبل أن تواجه ولادة مبكرة في مستشفى الجمهوري وسط مدينة تعز، بعد أسابيع من تلك الأعراض الجانبية التي امتدت بآلامها على حد قول سامية “إلى أن توفيت طفلتي بعد خمسة أيام من ولادتي المبكرة التي كدت فيها افقد حياتي”.

مضاعفات محتملة

وقال الاستشاري في أمراض وجراحة النساء والعقم صادق بلال إنه “لا توجد دراسات جادة أثبتت فعالية الأعشاب أو الأدوية على كوفيد 19 فهي مجرد تجارب واستنتاجات، فالأبحاث على كورونا مازالت غير دقيقة”. ومضى موضحًا “هناك أعشاب ضارة ومنها أيضا أمنة كعشبة الشيح التي كانت تستخدم منذ آلاف القرون ويتم أخذها عن طريق الاستنشاق، وغيرها كالقرنفل وقشر الرمان، لكن مدى أمانها وفاعليتها على الأم الحامل غير معروف”.
وأكد الدكتور بلال العضو في جمعية الخصوبة والأنجاب أضرار استخدام الأعشاب للنساء في ظل تفشي جائحة كوفيد 19، على المضاعفات المحتملة جراء تناول الأعشاب أثناء الحمل، كالولادة المبكرة وتقلصات الرحم والمضاعفات الجنينية والإجهاض خاصة في الشهور الأولى التي يتم فيها تكوين الجنين والخوف من التغيرات الجينية كالتشوهات الخلقية في القناة العصبية والشفه الأرنبية ومشاكل أخرى غير معروفة يتم اكتشافها في الشهر الخامس والسادس، بالإضافة إلى كونها تسبب الإجهاض الفوري نتيجة تأثيرها السلبي على إتمام الحمل وقدرتها على إدرار الطمث. 

مخاطر الأعشاب للحامل 

وقالت اخصائية النساء والولادة بمدينة تعز الدكتورة سميرة الرداعي، إن هناك أعشاب أخرى تم تناولها كـ”عرق السوس، الزنحبيل، المرمية، الزعتر، الكركديه، البابونج، اليانسون، الشمر، والقرفة” وهي أعشاب ضارة خاصة في الأشهر الأولى من الحمل.
وأكدت أن هذه الأعشاب تؤدي إلى الإجهاض وموت الجنين في الرحم، فهي تعمل بحسب الدكتورة الرداعي “على افتتاح الرحم وزيادة الانقباضات والولادة المبكرة” كما أنها تعرض الأم الحامل للتسمم. 
وأشارت إلى وجود أعشاب أخرى لها مخاطر على الأم الحامل والجنين كـ “عشبة القسط الهندي، وحبة الرشاد، والنعناع”، إذ تعمل على حدوث تشوهات خلقية للجنين مثل الاستسقاء في الرأس (حجم الرأس كبير جدًا)، وتوقف نمو الدماغ للأجنة في الرحم إضافة إلى تأثيرها على الجهاز العصبي خاصة في الأشهر الثلاثة الأولى، ذلك أنها فترة حساسة جدًا للجهاز العصبي، وهو ما حدث للنساء الحوامل اللاتي أصبن بفيروس كورونا وتناولن الأعشاب.
ونصحت الاستشارية الرداعي بـ “شرب الماء والغرغرة بالماء والملح وشرب ملعقتين زيت الزيتون قبل النوم وشرب كوبين من الماء بعد الاستيقاظ من النوم”، وقالت إن هذا” يعالج مشاكل كثيرة للحوامل كالاضطرابات الهضمية والإمساك المزمن”.
ودعت الأمهات إلى “الابتعاد عن الأكلات النشوية وغير المفيدة كالبطاط والمكرونة والرز وغيرها من الأطعمة غير الجيدة والمشروبات والأعشاب، التي قد تسبب سمنة ومنها قد يحدث تسمم حملي ومشاكل السكر ونقص نمو الأجنة وتشوهات الجنين والولادة المبكرة.
كما وتنصح الرداعي الأمهات بالابتعاد عن المصاب بالفيروس وأخذ الوقاية اللازمة في المنزل واستخدام الفيتامينات في الأشهر الأولى من الحمل ومتابعة الطبيب والابتعاد عن الأعشاب الطبية وتناول الأغذية المتنوعة من الخضروات والفواكه.

توعية صحية 

وقالت أمين عام جمعية القابلات باليمن وأحد شركاء صندوق الأمم المتحدة للسكان فطوم نورالدين أن الجمعية قدمت الرعاية الصحية والتوعية اللازمة للنساء الحوامل في ظل جائحة كورونا سواء في العيادات أو المرافق الصحية أو المنزلية وإنقاذ حياة الأم والوليد وتوفير الإمدادات الأمنة والوقائية اللازمة للأم خلال فترة الحمل.
وعلى مستوى المحافظات اليمنية جرى تدريب أكثر من 300 قابلة في تجهيز عيادات مجتمعية ودعم 260 مرفق في الأدوات إضافة إلى دعم الكوادر الصحية بمبالغ مالية من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان بحسب ما ذكرته نور الدين.
وكشفت عن استفادة 116,341 امرأة تم توليدهن في المنازل و890,736 مستفيدة من خدمات الصحة الإنجابية خلال الجائحة.

تجارة الأعشاب 

وقال أحد العطارين في مدينة تعز ويدعى “الزغروري”، إن عملية شراء الأعشاب في المدينة تزايدت مع تفشي فيروس كورنا المستجد، لا سيما من قبل النساء، وكانت أعشاب “القسط الهندي، والقرنفل، ولبان الذكر وعرق السوس، والحمر والزنجبيل الأخضر” أكثر الأعشاب التي باعها خلال الفترة الماضية.
ويأتي الناس بقوائم من الأعشاب من تلقها أنفسهم – الحديث للزغروي – ويطلبون بمقادير عشوائية، وأعتقد أن الناس سمعوا عن هذه الأعشاب من مواقع التواصل الاجتماعي من أشخاص أصيبوا بالفيروس وتحدثوا عن فائدتها، ولذلك زادت عملية الشراء والاقبال على الأعشاب.
ورأى مالك المعطارة، أن الناس لجوء إلى شراء الأعشاب لقلة التكلفة اولًا، وخشية المصابين على أنفسهم لا سيما مع غياب المراكز الصحية الخاصة التي تقدم الخدمات الطبية للمصابين بالفيروس.
وأوضح البائع، أن غالبية المرضى كانوا يشكون من أعراض فيروس كورنا، لكنهم ينكرون، وكانت تُصرف لهم أعشاء “البابونج، وزيوت كالقرنفل والورد، وروائح عطرية كالياسمين” لمن يعانون من انعدام الشم، إضافة إلى “القسط الهندي” الذي يصرف للالتهابات. وأضاف “كل عشب من الأعشاب يستخدم لعرض من الاعراض التي يعانيها المريض”.
وقال “سامي الصلوي” مدرس مساعد في جامعة تعز قسم علم النفس إن الخوف والهلع النتائج من قلة الوعي والضخ الإعلامي عن الفيروس دفع بالناس لاسيما النساء الحوامل إلى الأعشاب. 
ومضى موضحًا، أن الشائعات الكثيرة التي لاحقت المستشفيات كالموت الرحيم وتجنب مرضى كوفيد19 أو من يشتبه به، دفع بالناس إلى الأعشاب الطبية و”المشعوذين”، إضافة إلى ارتفاع أسعار العقاقير الطبية.
تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA

مقالات ذات صلة