fbpx

“نزهة منزلية” رغم أنف الجائحه!

تعز _محمد علي محروس

ما كنتُ لأسمح له أن يُكبت إقبالي على الحياة، ولا أستسلم لعلاماته التي يفرضها أينما حل، فكل ما يجيده هو توقيف الحياة برمتها، هل أستسلم له؟ لا لا هذا يعني أنه انتصر، وأن عليّ الاعتراف بذلك، ولهذا فاتورة باهظة الثمن، أولها لا شغف، وأوجعها الانزواء والدخول في مضاعفات نفسية طويلة الأجل، هذا دافع رحمة الشاوش، التي اختارت أن تواجه كورونا. المستجد بطريقتها الخاصة، وبالشكل الذي لا يُلاءم طبيعة الفيروس ذي الانتشار الواسع، والذي تسبب في إيقاف حركة المدن الرئيسية الكبرى في العالم.. “هو لا يحب الضوضاء والصخب، ويجد من الاكتظاظ والتجمعات بيئة خصبة للإيقاع بضحاياه، يكفي أنه أوقف الحركة اليومية للناس، ولا أريد أن أكون كذلك في المنزل”، تقول رحمة.

قرار المواجهة

رفعت رحمة شعار “نُحضر الخارج إلى الداخل”، كان لا بد لهذا أن يكون بتشاورٍ مع أخواتها، ليقررن في اليوم الأول العمل على كافتيريا، مُخصصن إحدى غرف المنزل لذلك، بدا وكأننا في كافتيريا حقيقية، حتى أننا كتبنا “قسم العوائل”، ولبسنا ملابس الخروج، وكأننا سوف نخرج من المنزل فعلًا، إضافة لتوفر قائمة المأكولات وبأسعارها، وقمنا بطلب احتياجاتنا ودفعنا مقابل ذلك، تمامًا كالكافتيريا الخارجية.

طاولة، ومن حولها الكراسي، وسماعة البيت تصدح بالأغاني الصباحية.. شربنا الشاي، وأكلنا السندويتشات، وخططنا للأيام القادمة، بحيث نستمتع ولا نشعر بالضجر؛ لعدم قدرتنا على الخروج والاستمتاع في ظل تفشي كوفيد19-، تقول هذا بابتسامة مكتملة.

هذه الأجواء المنزلية المفعمة بالمتعة، كانت بعيدة عن ما يجري في الخارج، فالجائحة في ذروة انتشارها، والأبواب مغلقة في وجه النساء أينما اتجهن، على عكس الرجال الذين يستطيعون الحصول على ما يريدون، وهذا دافع آخر لجولات الاستمتاع لدى رحمة وأخواتها، كان ذلك مطلع يونيو الماضي.
في اليوم التالي مساءً، أعدنا التجربة، لكن بشكل مختلف، أختي قررت أن تتولى المهمة، والعمل على تهيئة المكان ليكون شبيهًا بمقهى أطلقنا عليه “First cup”، عشنا الجو بالفعل: الرسومات اليدوية، الموسيقى، الكابتشينو، الحضور، النظافة، الأسعار… كل شيء رائع للغاية.
مطعم ألين
بعد تجربتي الكافتيريا والمقهى، كان المطعم حاضرًا، وهذه المرة مع مطعم ألين للأكلات الصحية والمشروبات الطازجة، فرحمة تكفلت بكل شيء، تحضير الأطباق وتقديمها، وتهيئة المكان، واختيار الموسيقى واللوحات المناسبة، وسط أجواء ممتعة، حسب وصفها.
خطوات رحمة، قوبلت بإشادة واسعة من متابعيها على صفحتها بالفيسبوك، منهم من أعجب بالفكرة ككل؛ لما لها من آثار نفسية إيجابية، وآخرون تفاعلوا مع طريقة العرض وترتيب المكان؛ كونه محاكيًا لذات الأماكن في الخارج، ومنهم من طالبها بالعمل على طلبات عن بعد، وهي ردود فعل عززت نفسية رحمة، وأكدت لها أنها في الطريق الصحيح، لمجابهة كورونا المستجد بالطريقة التي تجيدها.
يمثل سلوك رحمة قمة التعامل الإيجابي لدى الدكتورة أنيسة دوكم أستاذة الصحة النفسية في جامعة تعز، فهي حاولت إيجاد سلوكيات وأجواء إيجابية للدعم النفسي للذات وللآخرين؛ للتمكن من تجاوز الآثار السلبية للجائحة، وعدم الاستسلام لظروف الانعزال والتباعد الجبري.
وتضيف دوكم: لا شك أن المرأة معنية بالتعامل مع آثار كورونا المستجد صحيًا ونفسيًا؛ فهي التي مطلوب منها الرعاية الصحية للأسرة، وتوفير متطلبات الحماية والوقاية مع ما يترتب على ذلك من مرافقات نفسية كالقلق والتوتر والخوف وضغوط أخرى، كما أنه مطلوب منها تقديم الدعم والمساندة النفسية؛ كون الجانب النفسي مهم جدًا في مقاومة الفيروس، وبالتالي مطلوب منها إشعار أفراد الأسرة بالقوة والتماسك وتقديم نموذج سلوكي إيجابي سواء في سلوكيات النظافة أو التباعد أو بقية السلوكيات الصحية، وهو ما أجادته رحمة بامتياز، حسب تعبير الدكتورة دوكم.
سكينة واطمئنان
تضم منى الذبحاني أخصائية نفسية صوتها إلى صوت الدكتورة أنيسة، وتضيف: هذا نوع من أساليب الاهتمام والترويح عن النفس، فرحمة لم تكن قادرة على الخروج، والاستمتاع خارج المنزل، لكنها تعاملت مع الموقف بمسؤولية، فحولت منزلها إلى باعث للسكينة والاطمئنان، مع إضافة تفاصيل مثيرة للمتعة، هذا شيء إيجابي جدًا.
خففت رحمة الضغط عن نفسها، وعملت على معالجة مسببات الضغط النفسي، لذا فالتجربة جديرة بالتناول والاهتمام لأننا بحاجة إلى أن تكون منازلنا سكن وفيها ما يدعو للترويح عن النفس في مثل هكذا أوضاع بالنسبة للذبحاني.
أعباء نفسية
وتسببت جائحة كورونا وما رافقها من تطورات اجتماعية في ظل العزل والتباعد وإغلاق الأماكن الحيوية في أعباء نفسية أدت إلى مضاعفات مثيرة، ودفعت المرأة فاتورة ذلك وفق ما يقوله الدكتور محمد الأشول استشاري الطب النفسي والإدمان، فالمرأة بطبيعتها اجتماعية بامتياز، لكنها وجدت نفسها حبيسة المنزل، وسط مسؤوليات مضاعفة على المستوى الأسري، مما أدى إلى قلق وتوتر واكتئاب ووسواس قهري في ظل النظافة المستمرة وعملية التباعد والانغلاق التام.
ضرورة آنية
ومع ذلك، وبرغم الاحتياجات الهائلة، فإن خدمات الدعم النفسي الاجتماعي والصحي في اليمن من أقل الخدمات في المنطقة من حيث درجة تطورها وإمكانية الحصول عليها، حيث تتركز أية خدمات متاحة في المناطق الحضرية.
 وقد ذكرت “منظمة الصحة العالمية” أنه لم يكن يعمل في البلد بداية من عام 2017 سوى 40 طبيبًا نفسيًا، أي طبيب واحد لكل زهاء 650 ألف شخص، ولا يوجد في البلد سوى أربعة مستشفيات عامة للأمراض النفسية تقدم الرعاية الصحية العقلية، وتتركز كلها في صنعاء وعدن وتعز والحديدة، وفق تقرير لمنظمة العفو الدولية.
لكن الدكتور الأشول تحدث عن نحو 75 طبيبًا في سبع محافظات، بناءً على مسح ميداني أجري في 2019، منهم 26 استشاريًا، والآخرون ممارسون على درجات متفاوتة كأخصائيين وتحت التدريب.
ويشدد الأشول على ضرورة وضع معالجات جذرية للجانب النفسي، فالتوصيات الدولية كلها تضع في الحسبان أولوية للعلاج النفسي في أي تدخلات تتم قبل العلاج السريري خاصة في ظل تطورات كوفيد – 19، وتمنى الدكتور الأشول أن يلقى هذا الجانب حقه من الاهتمام والتوجه نحو ذلك لما يشكله من أهمية آنية.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد شددت في خطة العمل الشاملة الخاصة بالصحة النفسية على ضرورة الاستجابة لمواجهة العبء النفسي المتزايد، وبما يساهم في سد فجوات الصحة النفسية عالميًا، وهو ما أكدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في وثيقة الصحة النفسية والدعم النفس-اجتماعي الصادرة عنها.
وتبقى رحمة مثالًا إيجابيًا للمرأة التي لم تقف مكتوفة الأيدي وسط الانهيارات النفسية التي سببتها جائحة كوفيد-19، وقدمت نموذجًا للتعامل الفاعل، والذي بإمكانه أن يساهم في إخماد جذوة التبعات النفسية التي حصلت في فترة ذروة التفشي، وهو ما تؤكده بكل تحدي: وإن عاد أعدتُ الكرّة مرةً ومرتين…
تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA

مقالات ذات صلة