fbpx

رحلة اسبوعية… تحول بينه وبين الموت

رحلة اسبوعية… تحول بينه وبين الموت

تعز _ محمد الحريبي

لا يعرف أبدًا ما ينتظره في الغد، لكنه يقطع 100 كم أسبوعيًا، ذهابًا وإيابًا، رغم كل المخاطر التي تترصده على جوانب الطرق الوعرة الرابطة بين مدينة تعز وضاحيتها الشرقية، التي صارت رغم مخاطرها، أمله الوحيد، والممر الأخير الذي يربط بينه وبين الحياة.
إنه “خليل وليد محمد”، ليس اسمًا عابرًا، ولا قصة بطولية، بل قصة كاملة لمعاناة يعيشها 326 طفلًا آخرون، ذنبهم الأوحد أنهم يحتاجون لزيارة مدينة تعز بشكل متكرر؛ لأنهم مصابون بالسرطان.
رحلة شاقة
لم يتجاوز خليل عامه الثالث بعد، ويخضع بشكل أسبوعي لجرع علاج كيماوي لإصابته بالسرطان الليمفاوي؛ سرطان الدم، في مركز الأمل الواقع وسط مدينة تعز.
يقطع خليل برفقة والدته، الطريق البديل الرابط بين المدينة وضاحيتها الشمالية (الحوبان)، الذي يصل طوله إلى قرابة 100 كم، بدلًا عن الطريق المغلق بسبب الحرب والذي لا يزيد طوله عن 5 كم، تقول والدة خليل: “كل أسبوع ندخل المدينة من طريق الحوبان النشمة تعز، والتعب مضاعف بسبب طول الطريق، وصعوبته، والإيجار المرتفع”.
خوف الانتكاسة
ما يقلق والدة خليل ليس فقط طول الطريق وأجور النقل؛ ما يخيفها، كما تقول، الآثار المترتبة للسفر الطويل على حالة طفلها الصحية، والتي قد تنتكس لمجرد ضربة ريح بسيطة، وتضيف: “أحيانًا يصاب بنوبات بسبب الغبار والريح، وهو ما يتسبب له بحمى داخلية، لو ما أخذته بشكل سريع إلى المركز، يتهيأ لي أنه سيموت؛ لأن النوبة تسبب له ارتجاف شديد، وقد أتته هذه النوبات مرتين أثناء تنقلنا من خارج المدينة إلى داخلها، ومرة أخرى أثناء مغادرتنا بعد تلقيه الجرعة، واضطرينا للعودة”.
خطر الانتكاسة يهدد حالة خليل بشكل حقيقي، وهو ما يؤكده طبيب الأورام السرطانية أحمد المخلافي، الذي يقول: “لا يمكن الجزم أن لصعوبة الطريق تأثيرات كبيرة على حالة الطفل، لكن تعرضه للريح أو حرارة الشمس الزائدة قد يصيبه بالإنفلونزا أو الالتهابات الشائعة، وهو ما قد يؤدي إلى انتكاسة حالته الصحية، واحتياجه لرعاية مضاعفة”.
وبحسب الدكتور المخلافي فإن التهديد الأكبر لحالة الاطفال الذين يأتون من خارج المدينة للعلاج هو الإغلاق المتكرر للطريق بين الفينة والأخرى، واحتمالية إيقافه في أي لحظة من قبل أطراف الصراع؛ وما لذلك من آثار سلبية قد ينتج عنها حرمان الأطفال من الوصول إلى المركز لتلقي العلاج، وهو ما سيؤدي بشكل مباشر إلى انتكاسة حالتهم الصحية، وتهديد حياتهم.
وضع معيشي صعب
“لا يمكننا تحمل إيجار السكن في المدينة، خاصة أن الحرب تسببت بتوقف زوجي عن العمل، وليس أمامنا إلا التنقل الأسبوعي لعلاج طفلنا الأول”، تجيب والدة خليل؛ ردًا على سؤال: “لماذا لا ينتقلون للسكن في المدينة”، وتضيف: “ظروفنا المعيشية صعبة، ولا يمكننا أيضًا تحمل تكاليف العلاج خارج المركز؛ لأن العلاج هنا مجاني كما أن المؤسسة تقدم لنا دعمًا ماديًا تشكر عليه”.
حالات كثيرة
إلى جانب محمد، وجدنا الطفل حمزة، الذي يأتي هو الآخر من مديرية التعزية ذاتها، لكن من منطقة أبعد؛ مفرق ماوية، ويعاني من ذات المرض؛ ما دفعنا لسؤال إدارة المركز عن عدد الأطفال الذين يأتون للعلاج من خارج المدينة، لنكتشف أن 326 طفلًا مصابين بأنواع مختلفة من مرض السرطان، يتلقون جرع علاج دورية في المركز الوحيد لعلاج مرضى السرطان في المحافظة.
تقول أسماء الشيباني مسؤولة إعلام المؤسسة الوطنية للسرطان: “المؤسسة تقدم خدمات للأطفال المصابين بمرض السرطان، خاصة أن الأطفال يشكلون ما نسبته 12.5% من عدد المرضى الذين يتعالجون في المركز، ومعظمهم مصابون بسرطان الدم، وقلة منهم فقط مصابون بأورام صلبة”.
وتضيف: “مريض سرطان الدم يحتاج لعناية خاصة مرتبطة بجوانب التغذية، والجوانب النفسية، وبالتالي نحاول توفير هذه الخدمات في قسم الدعم النفسي الذي يقدم خدمات الألعاب، والدمج الدراسي، والأنشطة الترفيهية، والفعاليات الخارجية، بحيث نساعد الطفل، ونحفزه للعودة إلى المركز مرة وراء أخرى لتلقي العلاج”.
دعم طبي ونفسي ومادي
وإلى جانب تكفلها بتقديم الأدوية المخصصة لمرضى سرطان الدم، تتكفل المؤسسة بجزء من تكلفة مواصلات القادمين منهم من خارج المدينة للعلاج، كنوع من الدعم المادي للأسر؛ حتى تستمر في رحلة العلاج، كما تقوم أيضًا بتوفير كسوة في الشتاء وحقيبة مدرسية، كعوامل تحفيزية لرفع الروح المعنوية لدى الأطفال المرضى، بحسب الشيباني، مضيفة: “لدينا اخصائية نفسية تقوم بالجلوس مع أهالي الأطفال المصابين؛ لشرح مضاعفات العلاج الكيماوي النفسية التي تؤثر على نفسية الطفل، والتي قد تؤدي إلى التأثير على الحالة العلاجية والاستفادة من العلاج، وكذلك هناك دعم مالي للحالات الأشد احتياجًا؛ لضمان توفير تغذية سليمة للطفل في المنزل تكون مساندة للعلاج، ونوزع عليهم العسل والمكسرات والأشياء التي ترفع المناعة”.
” تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة إعلاميون من أجل طفولة آمنة التي يديرها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي وبتمويل من اليونيسف (منظمة الطفولة)”.

مقالات ذات صلة