أرملة بين مطرقة الظلم وسندان المحاكم
تعز/ زبيدة الوجية
حقوق المرأة مصطلح يشمل كثيرا من الحقوق والمعاني التي تمتلكها النساء بشكل متساو مع الرجال، حقوق اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية، يقوم عدد كبير من المؤسسات والمنظمات المختلفة بعمل دراسات وأبحاث من أجل القضاء على جميع المشاكل وأشكال التمييز التي تتعرض لها النساء، سواء التفرقة العنصرية، أم حرمان المرأة من التعليم والتعلم، التمييز والتفرقة بين النساء والرجال في إطار التنظيم القانوني وبالأخص التي تطبق التمييز في حقوق الميراث وترتيبات الحقوق المدنية.
تشكلت أسس حركة حقوق المرأة في القرن التاسع عشر والحركة النسوية في القرن العشرين. تلك الحقوق لها طابع مؤسسي أو مدعوم من قبل القانون، والأعراف المحلية والسلوكيات، بينما في بعض البلدان أو المجتمعات النامية تُتجاهل وتُقمع هذه الحقوق.
في صباح كل خميس تستيقظ حنان (اسم مستعار) تحمل بين يديها أوراق القضية التي تؤرّقها منذ أربع سنوات إلى اليوم في أروقة المحاكم المدنية والنيابة العسكرية. تحكي حنان قصتها بحرقة شديدة والعبرة تخنقها: “أنا أرملة فقدتُ زوجي، وليسَ معي أطفال”.
بدأت قصة معاناتها في عام 2018 عندما فقدت زوجها الذي لم تُرزق بأي طفل منه، وهذا ما جعل أهل زوجها يُخرجونها من منزل زوجها، وهي لم تكمل العدة الشرعية للمرأة الأرملة (تُقدر العدة الشرعية للأرملة بأربعة أشهر وعشرة أيام) بحجّة أنها زوجة ثانية ولا تمتلك أطفالا من زوجها. عادت حنان إلى منزل أبيها بعد 13 عاما من الزواج، وقد تضاعف حزنها على فقدان زوجها وحرمانها من حقّها الشرعي في الميراث من أمواله وممتلكاته.
تحكي حنان ل” مشاقر”: “في البداية وكّلنا أخا الزوج وكيلا شرعيا لجميع الورثة: زوجته الأولى، وزوجته الثانية (أنا)، وأم زوجي، لكنهم كانوا يستلمون رواتب زوجي ولا يعطونني شيئا منه، يستلمون الإكراميات والعلاوات، وما أحد منهم يعطيني حصّتي من حق زوجي. طرحتُ القضية على مشايخ بالمنطقة، استخدمت أسلوب القبيلة، لكن لا فائدة”.
بعد أن استنفدت جميع الطرق والحلول القبلية، على حدّ قولها، من أجل الحصول على حقها الشرعي بالميراث، لجأت إلى القانون والمحاكم. استمرت حنان لمدة أربع سنوات ونيف وهي تدور في أزقة المحاكم من أجل الحصول على ميراثها من زوجها، وبسبب تعنّت أهل الزوج وكرههم لها؛ لأنها الزوجة الثانية، تضاعفت معاناتها.
تقول حنان لـ “مشاقر“: “قمتُ بعمل إبطال للوكالة التي وكّلنا أخا الزوج بها مسبقًا. قدمتُ إبطال الوكالة للنيابة العسكرية؛ لأن زوجي كان عسكريا ولديه راتب عسكري، من أجل أن يُمنع صرف رواتب زوجي للوكيل الذي ما كان يعطيني حقّي، لكن بسبب معاريفه ووساطاته، استمرّ أهل زوجي باستلام الرواتب والإكراميات بتجاهل صريح وواضح من أهل الزوج ومن النيابة، ومتجاهلين حقي”.
تُضيف إلى كلامها وهي في حالة يُرثى لها من الحزن والقهر: “رفعتُ أكثر من قضية في المحكمة، ذهبت للنيابة العسكرية، ذهبت للمحكمة المدنية، نصّبت محاميا، لا أريد منهم شيئا سوى إعطائي حقي، لكن الفساد والمحسوبية التي واجهتها مِن قبل مَن يدّعون أنهم أهل القانون شيء محزن للغاية. كنت متقوّية بالقانون، وأقول: القانون سيُخرج لي حقي، لكن للأسف حاميها حراميها”. أنهت حنان الحديث بهذه الكلمات البسيطة، ولكن تفاصيل وفصول هذه القصة لم تنتهي بعد.
“رفعتُ أكثر من قضية في المحكمة، ذهبت للنيابة العسكرية، ذهبت للمحكمة المدنية، نصّبت محاميا، لا أريد منهم شيئا سوى إعطائي حقي ..
التقينا بالقانوني والمحامي علي الصراري، تحدّث لنا عن أمور قانونية مهمة ذكرها الدستور اليمني، ينصّ القانون الأحوال الشخصية في المادة (٣١٠) من الدستور اليمني:
مادة (٣١٠) الربع ويستحق ثلاثة أصناف:
١-الزوج إذا كان للميت فرع وارث.
٢- الزوجة أو الزوجات إذا لم يكن للميت فرع وارث.
يؤكد المحامي الصراري: “قانون الأحوال الشخصية استند لأحكام الشريعة الإسلامية، وحفظ حق المرأة في الميراث كما هو موضح في المواد القانونية”.
ويضيف: “الأحكام الشرعية التي وردت في القرآن الكريم التي تؤكّد أحقّية الزوجة بالميراث سواء أكان لديها ولد مِن زوجها أم لا، وإذا كان لديها ابن أو بنت، فإنها ترث الثمن، وإذا لم يكن لديها أطفال، فإنها ترث الربع، سواء كان هذا الطفل منها أم من غيرها، فالمهم أنه ابنُ الزوج، ولا يحق لأي إنسان أن يحرم المرأة من حقوقها؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد وضح ذلك، وجعلها من أصحاب الفروض، وهي سبب من أسباب الإرث”.
ويقول أيضا: “هناك إشكاليات اختلقها البعض، خصوصا في المناطق الريفية بقصد حرمان المرأة بشكل عام من الإرث، سواء أكانت أختا أم زوجة المتوفى أم ابنة، وهذا الأمر مخالفٌ لأحكام الشريعة والقانون وانتقاصٌ من حق المرأة”.
“هناك إشكاليات اختلقها البعض، خصوصا في المناطق الريفية بقصد حرمان المرأة بشكل عام من الإرث، سواء أكانت أختا أم زوجة المتوفى أم ابنة، وهذا الأمر مخالفٌ لأحكام الشريعة والقانون وانتقاصٌ من حق المرأة”.
في السنوات الأخيرة ظهرت للسطح قضايا تعنيف تتعرض لها المرأة بشكل مباشر أو غير مباشر، مما اضطر منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوقية وجهات عاملة ومدافعة عن حقوق المرأة إلى تبنّي قضايا المرأة وتقديم الدعم القانوني أو الاستشاري لكثير من النساء المعنّفات والمحرومات من حقوقهن القانونية.
يأتي دور اتحاد نساء اليمن جهةً داعمةً ومناصرةً لقضايا المرأة بشكل عام. تحدّثت المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان رغدة المقطري عن دور اتحاد نساء اليمن في المدافعة على قضايا المرأة قائلة: “في الفترة السابقة قبل الحرب، كان هناك جانب قوي في دعم المرأة، خصوصا جانب الدعم القانوني، وكان يقدم لجميع النساء سواء الموجودات في المحاكم أم السجينات أم النساء اللاتي حُرمن من حقوقهن، خصوصا الإرث وجميع قضايا المرأة. وفي الفترة الأخيرة تضاءل الدعم المقدّم للنساء من الداعمين أنفسهم. قُلّص الدعم، فأصبحت نوعية معينة من القضايا تستطيع المحاميات تقديم الدعم القانون فيها للنساء، وهي النفقة، الحضانة، الاستشارات القانونية. بالنسبة لقضايا الميراث، توقّف تقديم الدعم لأن قضايا الميراث تطول في المحاكم”.
قدّم الاتحاد في فترة من الفترات للنساء مسألة الترافع في المحاكم بقضايا الفسخ والطلاق، وتوقف بسبب كثرة الحالات، وكذلك بسبب قلة الوعي لدى بعض الأفراد مثل رجال الدين، وغيرهم ممن يهاجمون المنظمات النسوية بشكل عام. قلّ هذا الدعم خصوصا في مسألة الفسخ والطلاق، فقد لقينا رفضا كبيرا من بعض الأشخاص المناهضين للمنظمات الداعمة لحقوق المرأة”.
وتذكر المحامية رغدة المقطري الدعم المقدم من المنظمات، فتقول: “في الفترة الأخيرة بالنسبة لمدينة تعز، قلّ الدعم القانوني خصوصا المقدم للنساء السجينات، وقد عملنا مؤخرا في مجال حقوق المرأة، خصوصا السجينات، وذلك في مشروع عملية العدالة التصالحية، وهي عملية استباقية لإيجاد إمكانية للتصالح مع الطرف الآخر قبل دخول النساء السجن. هذا ما عمل عليه اتحاد نساء اليمن في الفترة الأخيرة.
وعملنا على حماية المرأة خصوصا في وضع النزاعات المسلحة وفترات الحروب، وذلك بالعمل على تمكين المرأة وإخراجها من دائرة المُعال إلى دائرة العائل، وعلى التخفيف من قضايا العنف الأسري أو المجتمعي أو قضايا استغلال المرأة بسبب حاجتها، ظهرت كثير من القضايا، خصوصا النازحات، في مجتمع النازحين أصبحت النساء بحاجة كبيرة إلى الدعم القانوني والاستشارات القانونية التي تحميهن من تعرضهن للعنف وحماية حقوق المرأة، لكن للأسف قُلّص الدعم في جانب حقوق المرأة بشكل كبير بالفترة الأخيرة من قبل الداعمين أنفسهم”.
قصة أخرى للمعاناة في سبيل الحصول على الحضانة والنفقة
تحكي أحلام صاحبة القصة: “تطلّقت وأنا حامل، فقالوا: يجب أن ينفق عليّ إلى أن ألد، وإن عدة الطلاق تنتهي عند الولادة، لكن زوجي لم ينفق عليّ نهائيا. ولدتُ، ورزقني الله ببنت، فظلّت عندي لسنة ونصف وأبوها لا ينفق عليها، وحين طالبته بالنفقة عليها، قال إنه يريد بنته، وأخَذَها مني بالقوة”.
تعيش أغلب الأسر بضائقة مادية وظروف صعبة، مما يضطر بعض الأسر إلى إجبار البنت المطلقة على التنازل عن الطفل وإعادته لوالده بسبب عدم القدرة على إعالته وتوفير مستلزمات الحياة، خصوصا إذا كانت الأم المطلقة لا تعمل وليس لديها مصدر دخل ثابت.
وتختم أحلام: “تعرّضت للعنف، وحُرمت مِن حقي في النفقة والحضانة، ولكن لم أجد مكانا ألجأ إليه”. ومن المعروف أن كثرة التفكير وزيادة الهموم والمشاكل قد تؤدّي إلى ظهور أمراض نفسية وحالة اكتئاب بسبب الحزن والضغوطات الحياتية.
“تعرّضت للعنف، وحُرمت مِن حقي في النفقة والحضانة، ولكن لم أجد مكانا ألجأ إليه”. ومن المعروف أن كثرة التفكير وزيادة الهموم والمشاكل قد تؤدّي إلى ظهور أمراض نفسية وحالة اكتئاب بسبب الحزن والضغوطات الحياتية.
تحكي أحلام تفاصيل غامضة عاشتها وهي تبحث عن طرف خيط يساعدها بالحصول على حقوقها، فتقول: “منظمات حقوق المرأة مستفيدة من العنف ضد المرأة ومن حرمانها من حقوقها؛ لأن المرأة لو حصلت على حقوقها وتعاون المجتمع مع المرأة، فستقفل المنظمات وسيعودون إلى البيوت.
كان هناك منظمة قدّمت لي دعما قانونيا على أساس أنها ستساعدني على رفع قضية نفقة وحضانة بالمحكمة وعلى أساس أن الدعم المقدّم لي مجاني، بعد أشهر أتفاجأ أن المحامية التابعة للمنظمة تطلب مني 100 ألف ريال يمني (تعادل120 دولارا)، قلت لهم: لو كان معي المبلغ هذا، كنت سأصرفه على بنتي، ولن أحتاج أن أذهب إلى المحكمة وأرفع دعوى نفقة وحضانة. يوجد استغلال من المنظمات الداعمة لحقوق المرأة، ميزانيات لمشاريع كبيرة من أجل حقوق المرأة ولا يصل للمرأة إلا القليل”.
لم تستطع أحلام إرجاع ابنتها لحضانتها، فهي رضيعة محتاجة للأم من أجل الرضاعة الطبيعية، أكثر الأطراف الثانوية المتضررة من حرمان المرأة من حقوقها هم الأطفال، يدفعون ضريبة حرمانهم من أغلب وأبسط حقوقهم وهي الرضاعة الطبيعية.
حكايات كثيرة لنساء تعرضن للعنف الأسري أو الجسدي أو النفسي أو الحرمان من الحقوق الشرعية كالميراث والنفقة والحقوق المالية. حرمان المرأة من حقوقها في المجتمع يولّد قضايا ومشاكل كثيرة قد لا يستطيع المجتمع احتواءها في قابل الأيام.
(أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية).