الفنان “العاطش ظمأ “.. سيرة إبداعية تنتهي بمناشدة!!
نقلا عن منصة صوت إنسان – محمد أمين الشرعبي
من جيل المبدعين الرواد فنان يمني سبعيني، نالت الحرب منه وضاعفت أوجاعه، يتكئ بحزنه على أوتار عوده، ومازال يغني بإحساس شاب طري الوله.
أحمد قاسم العديني 79 عامًا، من مدينة تعز، فنان ومثقف غنائي، سيرته الإبداعية هي جزء من الذاكرة الفنية اليمنية المنسية، كانت بدايته الفنية في أوائل سبعينيات القرن الماضي في مدينة عدن، مع الموسيقار اليمني الكبير أحمد بن أحمد قاسم يقول الفنان العديني “من حسن حظي حين استقريت في مدينة عدن وأنا لم أتجاوز حينها الرابعة عشرة من العمر أن يكون جارنا الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم”.
ويضيف الفنان العديني أن تعرفه بالموسيقار أحمد بن أحمد كان من خلال خاله الذي سكن عنده في عدن، مشيرًا إلى أن الموسيقار قاسم حين سمع صوته ذات يوم، اندهش وهو يسمع طفلًا يغني بتمكنٍ لعمالقة الغناء العربي.
ومع مرور الوقت أصبح الطفل شابًا يجيد العزف على العود ويرافق الموسيقار أحمد قاسم في مختلف حفلاته الغنائية ويقدمه يغني في أغلب الحفلات.
السنوات التي قضاها الفنان العديني في عدن كما يؤكد مكنته من الدراسة في معهد الفنون الجميلة، اجتازها بتفوق، وبعدها بفترة تقدم لتسجيل أغاني في إذاعة عدن، وكان عليه أن يجتاز اختبار لجنة تقييم الأصوات والأداء في الإذاعة المكونة من كبار الفنانين، موافقة اللجنة على أي فنان يعني أن بإمكانه تسجيل أغانيه في الإذاعة، ويصبح فنانًا مشهورًا وهو مع حصل مع الفنان أحمد قاسم العديني، ويصف قاسم ذلك أنه كان يومًا استثنائيًا بالنسبة له فهو يضاهي فرحته في الحصول على شهادته من معهد الفنون الجميلة بعدن.
أصبح للفنان أحمد قاسم العديني حضوره الغنائي الكبير في عدن؛ لكن في منتصف الثمانينات غادر عدن للعمل في الحديدة ولم يستقر فيها طويلًا، ليستقر بعدها في السعودية التي عمل فيها بعدة مهن ليكون استقراره بشكل نهائي في التسعينات بتعز.
وطوال فترة 35 عامًا، وهو عمره الفني منذ بدأ الغناء، غنى 50 أغنية سجلها في إذاعات صنعاء، عدن وتعز، معظمها من ألحانه، والأخرى تراثية، مضيفًا أن بعض ما جمعه من أغاني تراثية أصبحت رسالة ماجستير لباحث فرنسي، وكانت الفترة التي عاش فيها في تعز هي فترة تفرغ فيها للعمل في مجال توثيق التراث، حيث اشتغل الكثير من الأعمال الغنائية التي وثق فيها التراث الزراعي الغنائي، ويصف الفنان السبعيني سنوات حياته في تعز وتحديدًا في المدينة القديمة أنها سنوات العطاء الفني الحقيقية.
موعد مع النزوح
ويتابع وهو يفرك أصابع يده بقلق تارة وأخرى يمسح عيونه بطريقه تشبه “السلوموشن” في لقطة درامية بطيئة ” كنت في أواخر عام 2016م أنا وأسرتي على موعد مع النزوح والتشرد والمعاناة”.
إذ اضطرته المواجهات المسلحة إلى مغادرة المكان الذي يصفه أنه أصبح جزءًا من ذاته، نازحًا خارج مدينة تعز، متنقلًا بين مديرية العدين ومدينة إب، اضطر للعمل، عانى كثيرًا وهو نازح خارج المدينة التي تعلقت روحه بها كما يصف، فلم يجد أمام أن يوقف حنينه للمدينة التي ألفته وألفها وارتبط وجدانه بها إلا أن يعود إليها.
بهندام أنيق كان السبعيني ذو الملامح القمحية والنظارة التي تظهر خلفها عيون واسعة تستحضر الدموع، يجلس في زاوية المكان الذي استقبلناه فيه، في احدى استراحات المدينة، لم يمضِ على عودته من النزوح سوى ثلاثة أيام، مهمومًا بكل شيء وعلى كل شيء، بصعوبة الحياة المعيشية، وفقدانه أصدقاء أثناء الحرب، فهو بدون عمل، وما زالت أسرته نازحة في محافظة إب، بالإضافة إلى أنه يعاني من الضغط ومرض السكر.
كان يعزف بعوده أغنية تراثية هي لسان حاله الموجوع يتحدث بكل غزارة الفنان المثقف والمعلم عن المقامات الصوتية وطريقة العزف، ويشرح كيف كان قد بدأ بمشروع توثيق التراث الغنائي اليمني، يصمت بحسرة كيف أن المشاريع الإبداعية في اليمن تصطدم بتجاهل صناع القرار.
مناشدة
وبحسرة يتابع: دائمًا حياة المبدع في اليمن تنتهي بمناشدة لإنقاذه، وأنا مثل كل من سبقني وأنا في هذا العمر وبكل ما قدمت من عطاء أصبحت الآن بلا عمل ويتجاهل مكتب الثقافة حتى الالتفات لمعاناتي “لكن مناشدتي منذ ثلاث سنوات لم تجد من يلتفت لها من المسؤولين في وزارة الثقافة”.
الفنان أحمد قاسم من بين الكثير من الفنانين اليمنيين الذين أثرت الحرب في أعمالهم ومعيشتهم وحياتهم بشكل عام، فهناك ما يزيد عن 15 فنانًا غنائيًا يمنيًا في المحافظات اليمنية التي دارت فيها مواجهات عسكرية اضطروا إلى مغادرة منازلهم وعانوا كثيرًا مرارة النزوح حسب تقارير صحفية، أولهم فنان اليمن الكبير أيوب طارش الذي غادر منزله في منطقة حوض الأشراف بتعز إلى قريته ومنها إلى صنعاء وأخيرًا استقر خارج اليمن، ومثله الفنان عبد الباسط عبسي هو الآخر يعاني من المرض.
ويقول الفنان حسام علوان أن هناك الكثير من الفنانين الغنائيين من اضطروا إلى مغادرة الوطن نتيجة الحرب، كالفنان حسين محب والفنان أمين حاميم وصلاح الأخفش، مؤكدًا أن هناك ثلاثة فنانين قتلوا أثناء الحرب.
ويري علوان أن معالجة وضع الفنانين أثناء الحرب يتطلب قيام وزارة الثقافة بتبني صندوق تدعمه الحكومة وفق معايير محددة، تقدم من خلاله للفنانين الغنائيين الدعم المادي وتتبني إنتاجاتهم الغنائية في ظل الأوضاع التي يعيشونها أثناء الحرب.
عاطش ظمأ
آخر ما غناه قاسم “أغنية عاطش ظمأ”، الكلمات صحيح تتحدث عن الظمأ العاطفي؛ لكنه أداها أمامنا من خلال تعابير وجهه وبوحه المكلوم، بطريقة تعبر عن واقع حاله الظامئ للاهتمام والتكريم والاحتفال، وهو في هذا العمر، فهل سيجد التفاتة إنسانية من قبل الجهات المختصة؟