على طريق العنف الرقمي..كيف تحولت سلوى من ضحية إلى مرشدة؟
إشراق الصبري
لم تكن تعتقد صديقتها أنها ستنجو من مأساتها إذ تعرضت لابتزاز وعنف إلكتروني. تقف سلوى محمد (اسم مستعار) وهي الفتاة التي عانت كثيرًا جراء العنف الرقمي على خشبة مسرح لتحاضر فتيات الحي بماهية العنف الرقمي ضد المرأة وكيفية التعامل معه، فعلت ذلك وهي بكامل ثقتها بينما تقول لهن: “تذكرن جيدًا أن من يمارس العنف الرقمي ضد المرأة، يستمد قوته من ضعفها وخوفها، ولهذا يجب أن نكون أقوياء، وعندما تتعرضن لهذا العنف لا تصمتن، تحدثن، وواجهن، وتذكرن أنكن لستن وحدكن”.
تعرضت سلوى للعنف الرقمي ومرت بظروف صعبة، ومعاناة شديدة، كادت أن تدمر حياتها، حيث أقبلت على وسائل التواصل الاجتماعي كساحة إلكترونية للتواصل والتمكين والاندماج المجتمعي، دون أن تتنبه إلى أن هذه الساحة قد تصبح أيضًا أرضًا خصبة لشتى أشكال الإساءة، والعنف الرقمي، وذات عواقب وخيمة وآثار سيئة على مرتاديها.
كغيرها من الفتيات الجامعيات استخدمت سلوى وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأغراض التواصل والترفيه ولكنها قوبلت بأذى وتنمر إلكتروني ولم يقف الأمر عند التنمر؛ فقد فوجئت بالكثير من التعليقات المهينة على صفحاتها، ثم تلقت رسائل مسيئة على حساباتها الشخصية. انهالت عليها الكثير من الإساءات؛ بسبب مظهرها الخارجي، واهتماماتها الخاصة، وحتى أدائها الأكاديمي. ثم ما لبث ذلك أن يتسع حتى تحول إلى شائعات كاذبة انتشرت كالنار في الهشيم، بما في ذلك صورها المعدلة بشكل لا أخلاقي.
يرى الناشط حلمي غالب وهو باحث في مجال العنف على أساس النوع الاجتماعي: ” أنه لا بد من تحسين مساءلة منصات التواصل الاجتماعي التي تحتاج إلى تنفيذ سياسات قوية لتنظيم المحتوى، وآليات الإبلاغ لمعالجة المحتوى الضار وضمان سلامة المستخدم، ويؤكد أهمية تعزيز محو الأمية الرقمية، من خلال المبادرات التعليمية التي تمكن النساء من المهارات والمعرفة اللازمة للتنقل في فضاءات الإنترنت بأمان، وحماية أنفسهن من الهجمات الإلكترونية.
تأثرت سلوى بشدة، إذ بدأت تعاني نفسيًا، وبشكل غير مسبوق. شعرت بالعجز، وتأثرت درجاتها الأكاديمية، وتعقدت علاقاتها الاجتماعية، وحياتها الاسرية على وجه الخصوص. لم تكن تعرف كيف تتعامل مع هذا العنف الرقمي؟ وكيف تحمي نفسها؟
يرجع الناشط حلمي سبب مشكلات العنف الرقمي إلى “إن إخفاء هوية الأشخاص على المنصات الإلكترونية يشجع الجناة، وهم غالبًا ما يستهدفون النساء بناءً على مظهرهن، أو جنسهن، أو آرائهن. ومضايقتهن من خلال الاتصالات غير المرغوبة والتعدي على خصوصيتهن وتتبع نشاطهن عبر الإنترنت، مما يخلق لديهن شعورًا بالخوف والقلق. بالإضافة الى مراقبتهن وجمع معلومات عن حياتهن الشخصية. حتى يصبح الامر مزعجًا للغاية وله آثار نفسية وخيمة، وهو ما تعرضت له سلوى بشكل مؤلم وغير إنساني.”
تعمد المتنمرون والجناة مشاركة معلومات سلوى الشخصية، فنجحوا في ترهيبها، وإذلالها وعزلها تدريجيا عن محيطها، لا سيما بعد ما تجاوز الأمر واقعها لافتراضي، وبدأت تتعرض لمزيد من الإيذاء خارج نطاق الإنترنت، ما دفعها لمزيد من الانطواء والانعزال، فخيمت على حياتها مشاعر الضيق، والقلق، والاكتئاب، والأرق الشديد، وضعف الشهية.
وفقًا للمهندس فهمي الباحث وهو استشاري في السلامة الرقمية فإن “أثار العنف الإلكتروني تختلف من حالة الى أخرى وفقا للإضرار الناجمة عن ذلك العنف، إضافة الى مستوى الوعي الثقافي للضحية والمحيطين بها، فبعض الحالات التي تتعرض لتشويه السمعة، قد تقف الآثار لديها عند العزلة، وبعض الحالات قد يؤدي بها ذلك الى الانتحار، أو على الأقل محاولات الانتحار”.
ساءت حالة سلوى وأغلقت هاتفها وحساباتها على مواقع التواصل، فقررت صديقتها إيمان مع أخريات التدخل، وعدم الوقوف موقف المتفرج حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، تقول إيمان: ” قمنا بزيارة سلوى في منزلها، كانت في حالة يرثى لها، أكدنا لها وقوفنا إلى جانبها، وأننا سنتحرك معها لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة ما تتعرض له من عنف، وهو ما حدث بالفعل، إذ بدأنا بعد اقناع أسرتها وأخذ موافقتهم، بطرق أبواب منظمات حقوقية معنية بمكافحة العنف الرقمي، والاستعانة من خلالها بالدعم النفسي والقانوني.
ما دفع صديقات سلوى لإعانتها هو الحرص على أن نتغلب على الآثار النفسية السلبية التي طغت عليها، ثم الحصول على المشورة القانونية، والمساعدة الكبيرة في جمع الأدلة ضد الجناة والمتنمرين الرقميين، الذين وصل بهم الأمر إلى محاولة الابتزاز.
يستطرد المهندس فهمي الباحث معلقًا على تعرض الفتيات للعنف الرقمي بقوله: “ضرورة أن تدرك ضحية العنف الرقمي أنه جريمة لا ينبغي السكوت عليها، ولا يمكن أن تواجهها الضحية بمفردها، إذ لا بد من الحديث عنها على الأقل مع المقربين، سواء العائلة أو الأصدقاء، مع التخفيف من كمية المعلومات الشخصية المنشورة على الإنترنت، وتجنب الحديث والتواصل مع الغرباء، وعدم مشاركتهم أي معلومات خاصة، بالإضافة الى تفعيل دور الجهات المعنية بالتوعية، والضغط على الجهات التشريعية لسن قوانين تجرم هذا الفعل”.
يحذر الناشط حلمي من أن هذا النوع من العنف الرقمي “يؤثر على حياة النساء الشخصية والمهنية ويعيق مشاركتهن الكاملة في المجتمع أكثر من غيرهن. لا سيما في ظل ضعف الأطر القانونية والسياسات المتعلقة بالعنف عبر الإنترنت” ويوكد على “أهمية بناء شبكات الدعم عبر شبكة الإنترنت وخارجها لتوفير موارد مشجعة وداعمة للنساء اللواتي يتعرضن لهذا العنف”.
تتعدد قصص العنف الرقمي إذ صار وجودها ملحوظًا بحسب كثير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتحدثون عنها وتشير الكثير من التقارير الصادرة من الأمم المتحدة بما فيها تقارير فريق الخبراء الدوليين والاقليميين بشأن اليمن والذي انتهت ولايته في العام 2021م إلى كثيرا من الانتهاكات المتعلقة بالتمييز ضد المرأة والتي من بينها انتهاكات التنمر والعنف الإلكتروني ضد المرأة.
وبحسب هاني الأسودي المستشار القانوني ورئيس مركز “حقي” لدعم الحقوق والحريات فإن عقوبة العنف الإلكتروني أو التنمر الإلكتروني في القانون اليمني غير واضحة؛ لأن القانون اليمني صدر بعام 1994م وبالتالي لم يكن يتضمن لهذه المصطلحات التي هي التنمر الإلكتروني أو العنف. ويضيف الأسودي أن غياب مجلس النواب أكثر من عشر سنوات خارج العمل بسبب الأوضاع التي تعيشها اليمن تسبب في عدم وجود تشريعات تجرم هذا النوع من العنف والذي بات يمثل خطرًا وشيكًا على النساء بشكل خاص.
أخذت سلوى تستعيد ثقتها بنفسها، وتعمل – وصديقاتها وأسرتها من حولها – على تعزيز قدراتها النفسية والعاطفية، حتى أصبحت صوتًا ناشطًا في مجال مكافحة العنف الرقمي، وتطوعت في القيام بحملات تثقيف وتوعية النساء بأضرار العنف الرقمي وآثاره السلبية، وكيفية مواجهته، وأهمية احترام الآخرين عبر الإنترنت.
تعد قصة سلوى مثالًا حيًا للعنف الرقمي، وأثره السلبي على الأفراد والمجتمع، وتعزز لدينا الإيمان بأن مكافحة العنف الرقمي تجاه المرأة تتطلب عملاً جماعيًا من الأفراد، والمنصات، وصانعي الوعي والسياسات والقوانين؛ حتى ننجح في خلق بيئة رقمية أكثر سلامة وإيجابية.
*تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.