كوفيد-19 : فوهة هوت بحقوق المرأة الاقتصادية
تعز/ نهاد البحيري
حين أوشك العالم على خلع جلباب covid-19؛ استعدت اليمن لارتدائه وسط الأزمات العديدة التي تمر بها مما ضاعف عمق المعاناة والمخاطر المختلفة على الصعيد الصحي والإقتصادي والسياسي، خاصة بالنسبة للنساء باعتبارهن الفئة الاجتماعية الأكثر تضرراً ، علماً أن اليمن تمر بأسوء أزمة اقتصادية من قبل الجائحة من حيث انهيار العملة والهجرة الداخلية ونهب ممتلكات الدولة وتدمير البنية التحتية، اجتمعت هذه العوامل بالإضافة إلى الوباء الذي فاقم هذه التحديات وأعدم فرص تأمين مصادر الدخل.
أظهرت الدراسات التي قامت بها منظمة العمل الدولية أن كوفيد-19 أثر على النساء والعمال الأصغر سناً بشكل فادح وطال القطاع التعليمي والصحي بنسبة كبيرة وأدى إلى إغلاق المدارس ومراكز التجميل وصالات الأعراس وتخفيف الموظفين في القطاعات الصحية والتي تشكل النساء نسبة كبيرة من العاملين فيها خوفاً من العدوى.
واقع
رانيا محمد التي تعمل كممرضة في إحدى عيادات النسائية والتي تعيل والديها وطفليها بعد أن فقد زوجها عمله كموزع بضائع، بسبب تخفيف نسبة العمال بعد انخفاض الطلب لدى التجار من قبل المستهلكين.
تقول رانيا “الوضع الذي وصلنا إليه لم يكن متوقع، لقد أغلقت العيادة التي أعمل بها بسبب تخوف الطبيب من انتقال العدوى وفقدت مصدر الدخل الوحيد الذي أعيل منه أسرتي، زوجي أيضاً عاطلاً عن العمل وعجز عن إيجاد عمل بديل، والوضع بداخل المنزل أصبح كارثياً حيث زادت حدة طباع زوجي وعراكنا دائم، بسبب طلبات المعيشة وعدم قدرته على توفيرها”.
وتضيف “لم نعتد البقاء في المنزل لفترات طويلة لذلك تفهمت عصبيته، فأنا أيضاً لم أستطع دفع نفقات العلاج لأمي واضطررنا لبيع قطعة الأرض التي ورثها زوجي عن أبيه من أجل دفع الإيجار المتراكم وشراء حاجيات الأطفال”.
بتنهيدة حزن ،أكملت رانيا حديثها “لقد عادت الحياة تدريجاً بعد إلغاء الحظر ولكننا في خوف دائم من عودة الوباء بالشكل السابق”
سيقت اليمن نحو فوهة البركان
بسبب الأوضاع المتردية نتيجة النزاعات و covid-19 وعدم الاستقرار السياسي فلم تستطع الحكومة تدارك الوضع أو اتخاذ خطط بديلة لمواجهة تحديات سوق العمل والبطالة يقول فرانك هاغمان القائم بأعمال المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية يقول “كما في مناطق أخرى، خلقت جائحة كوفيد-19 تحديات اقتصادية إضافية في الدول العربية، وتضررت بشدة قطاعات رئيسية غنية بالوظائف”.
أما نرمين فتحكي معانتها قائلة “عينت كمعلمه بعد جهد كبير في البحث عن عمل والراتب ضئيل جداً والأسعار كل يوم في ازدياد مستمر وبالرغم من ذلك كنت أحاول توفير بعض المال من أجل إكمال تعليمي العالي لكن الوضع ازداد سوءا ، أٌوقفت الحضانة أبوابها وفقدت فرصة العمل التي جاهدت للحصول عليها ، لم أجد مخرجاً وجدت نفسي والعديد من زميلاتي بدون عمل ونعاني من ظروف معيشية غاية في الصعوبة ولم تكن هناك أي بوادر لفك الأزمة وازدادت تعقيداً يوما بعد يوم”.
رانيا ونرمين أمثلة بسيطة عن معاناة طالت العديد والعديد من النساء في اليمن وأثرت أيضاً على رب الأسرة وشريك الحياة ذو الدخل المنخفض كما أنها تسببت في مشاكل أسرية عديدة.
وذكرت العديد من الناشطات بأن مستقبل النساء في سوق العمل بالدول العربية في تدهور بسبب العديد من العوامل المتراكمة وأن هذه الأضرار قد تستمر حتى بعد احتواء الفيروس ما لم يتم وضع خطط بديلة للحفاظ على الكوادر والخبرات النسائية كما أن كورونا فتح آفاق جديدة في محاولة إيجاد مساواة في فرص العمل بين الجنسين وزيادة حصة المرأة في مختلف المناصب والاستثمار في المجالات التي يشكل فيها الوجود النسائي النسبة الأكبر.
تحول جذري
“لم نعاني من أي مشاكل سابقاً كانت الحياة مثالية حتى أتت كورونا”، هكذا بدأت ( ع.م ) كلماتها بصوت متقطع ، توقف زوجي عن العمل في المملكة العربية وأصبح سجين البيت برفقة زملائه ، طوال الوقت يريد الحديث معي على الهاتف ، وأنا أم لثلاثة أطفال وأعمل في الخياطة كهواية بداية ولكنها أصبحت ضرورة بعد توقف زوجي عن العمل لم أملك الوقت لأقوم بمسؤوليات البيت والأطفال أو لإكمال عملي وحين شرحت لزوجي عدم امتلاكي الوقت للرد على اتصالاته غضب بشدة و اتهمني بأني كرهته لعدم قدرته على توفير متطلبات البيت وكل حديث بيننا تحول لمشاجرات طويلة لا نهاية لها “. وتضيف” أحبطت جداً وتوقفت عن الرد على مكالماته حتى فاتحتني والدته برغبته بالطلاق وبعد تدخلات الأهل والكثير من الضغط من قبل والده تفهم الوضع وعادت المياه لمجاريها بعد عودته للعمل عن بعد، لم تمر علي فترة أسوء من هذه ولن تمر، أدعو الله دائماً أن لا تعود”.
تشير الإحصائيات الى ارتفاع ملحوظ في طلبات الطلاق على مستوى العالم أجمع في فترة وباء كورونا لعدة عوامل تضافرت مع بعضها البعض وعلى خلاف الأزمات الإقتصادية الأخرى ، كان تأثير covid-19 كارثي ، وكان أغلب المتضررين هم أصحاب الدخل المنخفض مثل عمال النظافة والترفيه وتجار التجزئة والعاملين في السياحة، وهي المجالات التي يوجد فيها حضور كبير للنساء والشباب .
ترى الإستشارية النفسية فتحية حزام بأن الضغوطات النفسية المفاجئة وحالة الرعب والقلق التي سببها covid-19 كان له دور كبير في اضطراب العلاقات الزوجية والأسرية على حد سواء.
وتقول الأستاذة فتحية” إن الفراغ يدفع العديد من الأشخاص للأوهام واختلاق قصص وأحداث لم تحدث ، كما أن لنمط الحياة المختلف دوراً في خلق الاختلافات بين الزوجين خاصة المتزوجين حديثاً ،الذين لم تمر عليهم الحياة بتقلباتها المختلفة فينظرون لأبسط العلل على أنها مخاطر مصيرية لا يستطيعون مواجهتها فيلجؤون للطلاق كحل مريح للطرفين”.
وتضيف “مع فقدان مصادر الدخل وانخفاضها بشكل ملحوظ اختلف نظام تحديد الأولويات الاستهلاكية في الأسرة، وعانى العديد من الرجال من نقص تقدير الذات ولومها خاصة بين الذين تقتصر اهدافهم على توفير الأمن الغذائي لأسرهم ومع عدم القدرة على تحقيق هذا الهدف وعدم قدرة المرأة على سد الفجوة المالية يتحول الأمر الى قلق وتوتر وغضب وعنف في بعض الحالات”.
وتنصح الإستشارية بأهمية اللجوء للمعالجين النفسيين ولخبراء العلاقات الزوجية والعاطفية من أجل الاستفسار ومعرفة الحل الأمثل لتفادي الخلافات ومحاولة التغلب على الضغوطات الداخلية، كما أشارت لأهمية الحوار بين الزوجين للتخلص من التراكمات التي قد تتفاقم مع الصمت.
إستغاثات خافتة
أدت الجائحة إلى تضخيم الفجوة بين الرجل والمرأة وبرزت أوجه عدم المساواة وأظهرت ما يشوب النظم الاجتماعية من أخطاء فادحة، بداية من الصعيد الاقتصادي حيث تعتبر الأقل دخلاً والأقل ادخاراً وتشغل وظائف غير رسمية غالباً كعاملات في القطاع الخاص.
كما أن الركود الاقتصادي جعل من قضية حقوق المرأة وامكانية مشاركتها في الشؤون العامة قضية جانبية مما زاد من حدة المشكلة ووضع العديد من التساؤلات التي تّحتم إيجاد نظام بديل وتوسيع دائرة الحقوق من أجل تفادي هذه الاخطاء مستقبلاً.
وبحسب تقرير الفجوة بين الجنسين السنوي لعام 2021 فإن الفجوة بين الجنسين موجودة بحوالي نسبة 40 بالمئة في الشرق الاوسط في أربعة ميادين هي الفرص الاقتصادية والتمكين الاقتصادي والتعليم والصحة .
وأكدت رئيسة مؤسسة خطوات للتنمية الإنسانية الأستاذة أنيسة اليوسفي بأن جائحة كورونا أثرت على الأسرة بشكل عام والمرأة بشكل خاص ماديا ً ونفسياً لأن المرأة العاملة في اليمن غالباً تعول أسرة بأكملها لعدة أسباب قد تتمثل بضعف المردود المادي الذي يحصل عليه الرجل أو بسبب فقدان معيل للأسرة. هذا ما جعل مؤسسة خطوات تقدم عدة مشاريع لتحسين الوضع الاقتصادي للأسرة اليمنية منهم مشروع الكفالات والاغاثات والمساعدات النقدية
العديد من المؤسسات التنموية أفردت اهتماما خاصاً بجانب المرأة في محاولات جدية ومستمرة لتحسين وضعها المادي ومنهم بنك الأمل الذي أتجه لتوفير خدمات مستدامة للنساء المتضررات أثر الجائحة وتتمثل هذه المساعدات بمبالغ مالية أحياناً أو بمشاريع صغيرة كصرف الآلات الخياطة ومستلزماتها.
لم تكن الحرب كافية لسلب حقوق المرأة اليمنية ليفاقم covid-19 من حدة وضعها الاقتصادي ويضعها أمام خيارات غاية في القسوة وهذا ما يحتم على المجتمع الدولي إيجاد أنظمة تضمن حقوق العاملين والعاملات بشكل خاص وتضع خطط بديلة في حال الازمات والاؤبة.
“تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من اجل حقوق الانسان و الشؤون العالمية في كندا”