كوفيد_19 أمام عدسات الإعلام اليمني
إب/ سماح عملاق
في السابع من مارس2020، نشرت القنوات الناطقة باسم حكومة صنعاء “المسيرة واليمن اليوم وقناة الساحات، وكذلك قناة السعيدة المحايدة” بأن وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء _ أخيرًا_ وضعت النقاط على الحروف بشأن إشاعات الإبادة الجماعية وارتفاع وفيات “covid_19″، وكان حينها تصريح وكيل وزارة الصحة د. محمد المنصور الذي نفى ظهور أي حالة اشتباه بالمرض حتى السابع من مارس2020.
بينما أعلنت وسائل الإعلام التابعة لحكومة عدن تسجيل أول حالة إصابة بcovid_19 في حضرموت صباح الجمعة الموافق للعاشر من أبريل2020، على لسان وكيل وزارة الصحة العامة والسكان في عدن د.علي الوليدي، ومدير مكتب الصحة في ساحل حضرموت د.رياض الجريري. ليتبع هذا الإعلان موجة تناقضات بين وسائل الإعلام في شمال اليمن من جهة وجنوبها من جهة، بما فيها التراشق بالتهم والتوظيف السياسي للجائحة على حساب وعي المواطن البسيط في كل منطقة باليمن.
الإعلام اليمني وطبيعة تغطيته للجائحة
أشار مدير وحدة الصحافة الاستقصائية في مؤسسة الصحافة الإنسانية أ.عدنان المنصوري في مداخلته إلى اعتقاده بأن الإعلام اليمني كانت تنقصه البيانات والمعلومات الصحيحة في موضوع الجائحة، إضافة إلى ضعف التعمق في الجانب الإنساني والمعاناة التي سببتها موجات “الكوفيد” لليمنيين، فلم يتعمق الإعلام كثيرا في آثار كورونا بأنواعها وفقا للمنصوري.
ويضيف:” أما بالنسبة للمعلومات الخاصة بcovid_ 19 كان الإعلام مقتصرا على البيانات التي تصدرها وزارة الصحة فقط؛ فلم يهتم بآراء الخبراء ولم يحلل المعلومات.. باستثناء بعض الاسهامات البسيطة، فكانت الشائعات كثيرة بسبب قلة البيانات، وأهمل الإعلام اليمني تتبع هذه الشائعات باستثناء بعض المنصات الإعلامية الإلكترونية.
يمكننا القول إن معظم وسائل الاعلام اليمنية تعاطت مع أزمة تفشي فيروس كورونا بالتغطية المنتقاة، والمعلومات الشحيحة، واصطناع موجة من الاتهامات المتبادلة بتحميل كل طرف للآخر مسؤولية توسع نطاق تفشي الفيروس، فيما انتهجت وسائل إعلام أخرى سياسة التهويل وإثارة الذعر، بعيداً عن نقل الواقع كما هو، ودون الأخذ بالقيم المهنية في تناول وتغطية مثل هكذا أزمات. كل ما سبق يدفعنا للتأكيد عل أن طرق تناول الإعلام اليمني لتغطية ظاهرة الجائحة كانت إجمالاً غير مهنية ولا تملك الحد الأدنى من المصداقية والثقة في أوساط الجمهور اليمني حسب حديث الدكتور منصور القدسي للjhr.
“انتهاج السلطات المتناحرة في مختلف المناطق اليمنية سياسة القمع والترهيب ضد الصحفيين اليمنيين فترة تغطيتهم الجائحة”
يؤكد مدير مركز مرايا الإعلام للتنمية، رئيس قسم الإعلام في جامعة الحديدة (سابقا) د.منصور القدسي بأن تغطية معظم وسائل الاعلام كانت موجهة لخدمة سياسة راعي وممول كل وسيلة وأجندات السلطات المتصارعة في مختلف المناطق اليمنية بكل أسف، ويوضح القدسي:”فمثلًا وسائل الاعلام التابعة لسلطة جماعة الحوثي كانت تنتهج التكتم الشديد وعدم الإفصاح عن حجم انتشار الجائحة بمناطق سيطرتها، علاوة على التضليل والمتاجرة بالوباء، فيما الإعلام التابع لحكومة عدن كان أكثر شفافية في الإعلان عن حجم الإصابات لكنه كان يعاني من فقر المعلومات وقوة الطرح”.
ويضيف القدسي انتهاج السلطات المتناحرة في مختلف المناطق اليمنية سياسة القمع والترهيب ضد الصحفيين اليمنيين فترة تغطيتهم الجائحة، لدرجة أن كثير منهم محاصرون ومهددون ولا يجرؤون على تجاوز المحظورات المفروضة عليهم في التعاطي مع تداعيات انتشار الجائحة.
انتهاج السلطات المتناحرة في مختلف المناطق اليمنية سياسة القمع والترهيب ضد الصحفيين اليمنيين فترة تغطيتهم الجائحة، لدرجة أن كثير منهم محاصرون ومهددون ولا يجرؤون على تجاوز المحظورات المفروضة عليهم في التعاطي مع تداعيات انتشار الجائحة.
تنسيق منقوص
مدير عام المستشفى الجمهوري مدير مركز العزل في محافظة تعز يعترف بأن:”جائحة كورونا كانت صدمة للقطاع الصحي، حيث أن مكتب الصحة كان لايملك أي خطط لمواجهة هذه الجائحة في أبريل 2020، وقد تم تأسيس مركز عزل في المستشفى الجمهوري وتم استقبال هذه الحالات ولكن للأسف الشديد لم يوجد تنسيق تام مابين مكتب الصحة والجهات الإعلامية أو إدارة التثقيف الصحي في مكتب الصحة نفسه، مما شكل عائقا كبيرا أمام الكادر العامل داخل مراكز العزل وكذلك أمام المواطنين”.
ويؤكد الحسامي بأن انتشار الشائعة كان أسرع وأقوى من انتشار الحقيقة والوسائل التوعوية حول جائحة كورونا.
كما يسهب بالقول إنه في2021 بدأت الصحة العالمية بإعداد وتوزيع ملصقات توعوية، لكنها لم تف بالغرض لعدم توفر دعم متخصص لفرق توعوية تقوم بتوعية المجتمع وحشد الإعلاميين والصحفيين ومن يعملون في وسائل التواصل الاجتماعية لصالح التوعية بمخاطر كوفيد19، بينما كانت أغلب المواقع الإلكترونية والإعلاميين تقوم بنشر الشائعات وتخويف الناس من هذه الجائحة.
وفي 2022 حصل المجتمع على جرعة من الوعي عن طريق الجهود الذاتية للمواطن الذي حاول الاطلاع والقراءة حول أعراض وآثار وسبل الوقاية من المرض، لهذا كانت الحالات التي تصل مؤخرا خفيفة وليست في مراحل متأخرة من الإصابة كما كانت البدايات التي يتذكرها الحسامي بإسعاف أول حالة في تعز لمركز العزل، على إثره تظاهرت الحارة بأكملها أمام منزل المريض ليرحلوا من المنطقة لأنهم مصابون بالمرض، وبهذا تطور الوعي ذاتيا وبالتدريج دون دور كامل للإعلام أو الصحة إنما فرض الوعي التعود والاطلاع وتناقل المعرفة بين المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعية بشكل أكبر، حسب تصريح مدير مركز العزل في تعز د. نشوان الحسامي لل (jhr).
ولايرى الصحفي الاستقصائي عدنان المنصوري أن هناك استراتيجية إعلامية واضحة تقوم بالتنسيق بين وزارتي الصحة والإعلام، حتى الإعلام الحكومي قام بدور سلبي جدا في حين يفترض به تقديم المعلومات الصحيحة، وينشر الوعي بأساليب وإرشادات الوقاية من الإصابة، وبهذا كان الإعلام الحكومي مترنحا كعادته حسب قوله.
جهود وعثرات
افتقرت تغطيات الاعلام اليمني لجائحة كوفيد19 لتقارير متخصصة لجملة أسباب أهمها عدم توفر صحفيين متخصصين بمجال الأوبئة ومطلعون على تاريخ الأوبئة وكافة الحيثيات والملابسات المحيطة بفيروس كورونا حتى قبل ظهوره إلى العلن. مثل هذه الصحافة المتخصصة للأسف غير متوفرة في المشهد الإعلامي اليمني وربما العربي، وبالتالي كانت صناعة المادة الإعلامية لتغطية الجائحة في الاعلام اليمني غير متقنة أو ليست على درجة عالية من الحرفية والمسؤولية المهنية “. ولسد تلك الفجوة المهنية كان لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي(إحدى منظمات المجتمع المدني في اليمن) السبق في إعداد ونشر دليل التغطية الصحفية الجيدة لفيروس كورونا في اليمن، كوثيقة معرفية ومنهجية تلخص أهم القواعد المهنية، لتطوير واكساب الصحفيين اليمنيين مهارات التغطية الصحفية الجيدة للجائحة وغيرها من الأمراض والأوبئة.
كما أن كثير من وسائل الاعلام اليمنية لم تتحرَ المصادر المختصة والموثوقة أثناء تغطيتها الإعلامية للجائحة والتي تستوجب منها عدم الانجرار إلى الإشاعات أو الوقوع في فخ التصريحات المغرضة لخدمة أطراف النزاع في التوظيف السياسي للجائحة ضد بعضهم البعض، أو لخدمة مصالح اقتصادية ضيقة بالترويج لبعض العلاجات، وأدت لارتفاع أسعارها بصورة مهولة.
وأشار مدير وحدة الصحافة الاستقصائية في مؤسسة الصحافة الإنسانية عدنان المنصوري إلى أن كوفيد_19 قد دخل كموضوع من مواضيع الصراع في اليمن، وقد وظفه الإعلام توظيفًا محليًّا باعتباره قضية من قضايا المماحكات السياسية، مع إلقاء التهم بين الفرقاء والخصوم، بحيث أن هذا الطرف قصر أو أهمل في احتواء الجائحة، واستمرار الردود بين الطرفين، وهذا السبب الذي يجعل المنصوري يجزم بأن الجائحة استخدمت في المناكفات السياسية وليست كقضية صحية يتم التحري وتقديم المعلومات الصحيحة للمواطنين من قبل الإعلام وهذا أبرز أسباب انخفاض الإقبال على أخذ اللقاحات ضد كورونا من وجهة نظره.
وأضاف بأن :”مؤسسة الصحافة الإنسانية حاولت منذ البداية أن تدرس حالة الإعلام اليمني في ظل الجائحة ماذا له وما عليه، فلاحظت أن هناك خلل في جانب المعلومات الصحيحة، فحاول الزملاء أن يعدوا التقارير لينشروا الوعي بالوباء، ويقدموا معلومات صحيحة باستشارة الخبراء، حتى يتسنى للناس معرفة الحقيقة كما هي”.
“مؤسسة الصحافة الإنسانية حاولت منذ البداية أن تدرس حالة الإعلام اليمني في ظل الجائحة ماذا له وما عليه، فلاحظت أن هناك خلل في جانب المعلومات الصحيحة، فحاول الزملاء أن يعدوا التقارير لينشروا الوعي بالوباء، ويقدموا معلومات صحيحة باستشارة الخبراء، حتى يتسنى للناس معرفة الحقيقة كما هي”.
وأوضح بأن :”المؤسسة لاتتبع أي جهة سياسية وليست متأثرة بالصراع السياسي القائم، فحاولت أن تقدم الحقائق الخالصة للمواطنين..وقد عقدنا عدة تدريبات بشأن تغطيات الجائحة في الصحافة الصحية لعدد من الصحفيين ليتمكنوا من تغطية الجائحة بأسلوب مهني علمي صحيح بعيدا عن المماحكات السياسية”.
” تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا “