الألعاب الشعبية .. توظيف التراث في تعزيز السلام
تعز/ محمد امين
رغم أن التكنلوجيا أستطاعت أن تغير الكثير من عادات وأنماط الحياة ، لكنها لم تستطع غرس التعايش والسلام الداخلى لدى المجتمع بشكل عام و الأطفال بشكل خاص من خلال محو الألعاب الشعبية واستبدالها بالألعاب الإكترونية المبتكرة حديثًا مع تقدم العصور .
*عواقب*
أثبتت الدراسات أن الطفل دون السابعة لا يستطيع التمييز بين الواقع والخيال ، وليس من الضروري أن يتصرّف مباشرة بعنف بعد انتهائه من اللعاب الإكترونية (القائم على القتال والعنف) بل تختزن صور العنف في العقل الباطن ، ويظهر تأثيرها السلبي عند حدوث مشكلة مع الطفل فيعمل على حلّها بشكل عنيف .
إضافة إلى أن مكوث الطفل ساعات أمام هذه الألعاب يجعله غير إجتماعيًا ومنطويًا على ذاته وأنانيًا ، على عكس الألعاب الأخرى التي تتطلّب شريكًا تخرج الطفل من العزله التي تصنعها الإلعاب الإكترونية .
وعمومًا معظم الأطفال والمراهقين الذين يتأثرون بهذه الألعاب يكون لديهم استعداد للعنف، واللعبة تكون عاملاً مساعدًا وليست سببًا رئيسيًا.
*الألعاب الشعبية*
تحمل الألعاب الشعبية سلوكيات ثقافية لا تختلف عن الرسم والغناء والموسيقا، كونها طريقة للترفيه وصناعة المرح، كما تعبّر عن تراث المجتمع وأحد أساليب التواصل بين أفراده، بدليل أن شعوباً عدة تتقاسم هذه الألعاب التقليدية، مما يجعل بعضها يأخذ طابعاً عالمياً، وقد يكون الاختلاف محصوراً في تفاصيل التسمية وطريقة اللعب فقط.
ومن بين هذه الألعاب الشعبية نجد العابًا شعبية تنمي الجانب التعليمي حيث تعمل على إكساب الطفل مهارة التصرف الملائم في الأوقات الحرجة وتنمي الجانب الرياضي في الطفل وقدرته على التوزان الجسمي، مثل لعبة كبة الطيار.
حيث تتكون هذه اللعبة من 5 إلى 10 أطفال وهي عبارة عن مجموعة من الأحجار بعدد اللاعبين، توضع في شكل دائري وتسمى “بيوت”، وتوضع أحداهن في مركز الدائرة وتسمى “الوسط””.
يقف فيها أحد الأطفال في مركز الدائرة، ويأخذ كل لاعب مكانه الخاص، ثم يصيح اللاعب الواقف في وسط الدائرة: (من كبته طيار، هم: طيار، هو: بعد العشاء والنار، هم: والنار)، ثم يقفز، فجأة، من مكانه إلى إحدى البيوت، ويقول: “بيت فلان مبند”، وعلى الجميع أن يسرع ليبحث عن مكان غير مكانه، ومن يبقى بدون مكان، يتعرض للعقوبة.
وهناك ألعاب شعبية أخرى تعمل على إكساب الطفل مهارات الحيطة، والحذر، والتنبه، واليقظة وهي من المهارات التعليمية وفيه جرعة كبيرة من الترفية والمرح، كلعبة الكوفية الخضراء.
حيث يحتاج فيها الأطفال إلى قطعة قماش، وتحتاج من 8 إلى 12 لاعب، يجلس فيها الجميع في دائرة مغلقة مع حني رؤوسهم وأيديهم إلى الخلف، ويقوم لاعب واحد منهم بالجري حول الدائرة، بعد أن يخفي قطعة القماش معه، وأثناء ذلك ينشد: (الكوفية الخضراء، هم: ما فيها؟!، هو: فيها زبيب أخضر، هم: هاتيها)، حتى إذا ما شعر أحد الجالسين أن اللاعب قد رمى المنديل خلفه، نهض للإمساك به، فإن استطاع أن يلمسه رجع اللاعب الأول كما كان، وإن لم يستطع أن يلمسه قام اللاعب الثاني بدور الأول؛ وهو الجري حول الدائرة.
ومن الألعاب الشعبية أيضا ما يعمل على إكساب الطفل قدرات حسابية عالية، وتعليمه أن التملك يقوم وفق تدبير وحسابات دقيقة، لا بناءً على الحظ وعامل الصدفة وتعد هذه من الجوانب التعليمية اما بالنسبة للجوانب النفسية فتعزز الشعور بالتميز على الغير؛ لوجود عنصر الربح بالإضافة إلى تعزيز المستوى الاجتماعي العام للطفل، مثل لعبة الكبيش او الكبيسة.
حيث يحتاج فيها الأطفال لحبات من القواقع ” الصدفات ” التي تتخذه الدودة الحلزونية حماية لها بعد ان تصبح فارعة وضعها وتوزيعها على 12 حفرة صغير على الأرض بشكل طولي بخطين متوازين في كل خط 8 حفر ويتم وضع 4 من القواقع في كل حفرة وتسمى بيوتا و يلعبها 2 او ثلاثة او 4 أطفال
وبعد اقتسام البيوت بشكل متساوي وتوزيع القواقع أربعًا أربعُا في كل بيت، يأخذ اللاعب قوقعة أحد بيوته ويوزعها على البيوت التي على يمينه، والبيت الذي تقع فيه آخر حبة، تؤخذ حباته وتوزع على بقية البيوت، ويستمر اللاعب في اللعب إلى أن تقع آخر حبة لديه في بيت خالي، أو عندما يحصل على “كبش ” (نقطة)؛ وذلك بأن تقع آخر حبة في يده على بيت به ثلاث حبات، حينها ينتقل اللعب إلى اللاعب الآخر، وتعتبر المتكونة ميتة إذا ما مر اللاعب عليها، مضيفًا لبيتها حبة، لتصبح عدد الحبوب فيه خمسًا بدلًا من أربع، وعمومًا فإن الفائز من يحصل على أكبر عدد من النقاط ” الكباش ” القواقع.
فنجد أن الألعاب الشعبية الجماعية تساعد الطفل في الاندماج مع مجتمعه وبيئته، وتكوين الصداقات واكتساب المهارات والابتكار، وحتى تقبل الهزيمة بروح رياضية، والتحدي بأسلوب مسالم من دون عدوانية، بينما استولت الألعاب الإلكترونية اليوم على عقول الأطفال، إذ إن بعضها يؤسس لاستعمال العنف والدخول في صراعات مع الآخر.
*مشاقر أنموذجًا*
قليلة هي المبادرات التي تهتم بإحياء الألعاب الشعبية بالرغم من أهميتها في بناء السلام في وطن يعاني من ويلات الحروب منذ أعوام فمن بين ركام الحرب كان مشروع مشاقر لاحياء الألعاب الشعبية البذرة التي نمّت السلام في قلوب أطفال مدينة تعز المحاصرة.
تقول هاجر محمد رئيسة مشروع “مشاقر” في حديثها عن فكرة المشروع: تتلخص فكرة المشروع في احياء الألعاب الشعبية التي يمارسها الأطفال فيما بينهم في البيئات المختلفة (الحي – المدرسة )لتي تدعو لتعزيز ثقافة التعايش والتماسك والسلام، من خلال جمع المعلومات عن هذه الألعاب من الذاكرة المجتمعية المتعاقبة من الأجداد الى الإباء الى الأبناء , ومن ثم تقييم اكثر 5 العاب التي تدعو للسلام من خلال جلسة مجتمعية يشارك بها الفئة المستهدفة والمستفيدة.
وتضيف هاجر في حديثها لـ مشاقر” أنه بفعل الحرب القائمة من 2015 والنزاعات الواقعة بالمجتمع أدى ذلك الى ظهور العاب قائمة على العنف المجتمعي وظهور العاب الكترونية تشجع الطفل على العنف القتل وظهور بالسوق العاب تشجع هذي الألعاب من (مسدسات خرز ) مما أدى الى حدوث بعض الاضرار الجسدية للأطفال قد تؤدي الى مرض مستدام ومن هنا جاءت فكرة احياء الألعاب الشعبية التي يكون فيها مجهود فكري وجسدي ينمي من قدرات الطفل الفكرية والجسدية ويقلل من حدوث الإصابات بسبب العاب العنف ويعزز لدى الطفل ثقافة المشاركة والتنافس.
وأشارت هاجر ان المشروع هدف إلى المساهمة في توطين العاب الأطفال الشعبية الداعية للسلام والتعايش في محافظة تعز والجمهورية اليمنية خلال الربع الثالث من العام 2020م ، بالإضافة إلى رفع وعي 25 الف شخص من المواطنين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف الفئات وتحديداً (الإباء والامهات والأطفال والمراهقين), بثقافة السلام والتعايش ونبذ العنف عن طريق الألعاب الشعبية التي تدعو الى التعايش والتماسك , عن طريق اصدار كتيب الكتروني نشر وترويج 5 فيديوهات لتلك الألعاب في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الربع الثالث من العام 2020م وذلك في تاريخ 21 سبتمبر يوم السلام العالمي.