fbpx

حوانيت تعز الشعبية

للمدن ذاكرة شعبية تحتفظ بها الأماكن القديمة التي كانت ومازالت جزءاً مهماً من يومياتها ممثلة في الأسواق القديمة بكل تفاصيلها.

مدينة تعز الواقعة جنوبي غرب اليمن أحد أهم المدن اليمنية التي تعد أحيائها القديمة بأسواقها الشعبية العتيقة شاهد على عراقة تاريخها القديم.

ومايميز هذه الاسواق الشعبية القديمة في مديرية المظفر بتعز التي يسورها باب موسى من الغرب والباب الكبير من الشرق هي الحوانيت الخاصة بالحرف التقليدية التي تمثل ذاكرة لأزمنة بأكملها.

أزمنة البداية

يرجع تاريخ المدينة القديمة بتعز إلى عهد الدولة الرسولية في القرن السابع الميلادي وكانت هذه هي بداية أقدم الأسواق الشعبية.

و في التاريخ من عمر المدينة التي يباع في حوانيتها الحبوب والأدوات الأخرى الخاصة بأدوات الزراعة الحديدية والخشبية والحدادة وبيع الأعشاب الطبية كما يقول احمد جسار – مدير إدارة الآثار في فرع الهيئة بتعز – والتي” لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة” .

ويضيف جسار أن بناء السور الممتد الآن من باب موسي إلى الباب الكبير في القرن العاشر الهجري في عهد الدولة الطاهرية هو مرحلة مهمة في اتساع مساحة المدينة القديمة وزيادة توسع السوق الشعبي ويضيف “في عهد السيطرة العثمانية على تعز أصبح السوق الشعبي أكثر تنظيماً ودخلت فيها صناعات حرفية جدبدة علي اليمن كصياغة المشغولات الفضية”.

وأشهر أصحاب الحوانيت الحرفية التي استمرت في ممارسة نشاطها الحرفي المتعلق بصناعة الفضة في المدينة القديمة المعروفة حالياً بحارة المظفر هو الحاج أحمد محمد العريفي حيث لا تزال أسرته وأحفاده يمارسون هذا الحرفة كما يقول جسار.

444.JPG

ويشير جسار إلى أنه فيما بعد وفي ظل حكم الأئمة أصبح هناك سوقين في المدينة القديمة بتعز هما سوق “البز ” القماش المعروف حالياً بسوق “الجمهوري” والآخر هو سوق الشنبني.

والملاحظ عند التجول فيهما هو أن طابعهم المعماري لم يتم فيهما أي استحداثات معمارية حديثة إلا القليل من هذة الحوانيت التي تم اعادة تجديد بناءه بالشكل الحديث.

ويصل عدد الحوانيت القديمة في السوقين الشعبين الأشهر في تعز الي مايزيد عن 400 حانوت لكن كما يؤكد جسار لم يعد اليوم هناك غير 15 حانوت مازالت تمارس نشاطاتها الحرفية القديمة كصياغة وبيع الفخار والحدادة والعطارة والأعشاب الطبية وبيع المنسوجات الخزفية وبيع وصناعة الجنابي وخياطة الأزياء القديمة وكذلك بيع والمشغولات الفضية والعقيق.

ذاكرة المدينة

ومن هذة الحوانيت الأقدم والتي مازالت تمثل مزارا سياحياً في سوق “البز ” من اتجاه الباب الكبير هو حانوت المليكي الخاص بالمشغولات الفضية والعقيق والذي يعود بدء نشاطه إلى قبل ما مايزيد من 86 عاماً.

ويقول عبدالله الحاج ” توارثنا العمل في هذا المحل وتعلمنا صياغة الفضة من اباءنا ” مضيفاً أن الحانوت كان يعتبر من أفضل من يقدم المشغولات الفضية الخاصة بالزينة بالنسبة للمرأة كالمحابس التي توضع على معصم اليد ومايسمي “اللازم” وهو يوضع على عنق المرأة وكذلك ما يوضع على رأسها كانت في زمن ماقبل ثورة 62م من فضة وحلي.

ويسرد الحاج ذكرياته بحسرة حين كان الحانوت يعج بالسياح الأجانب والعرب والقادمين من محافظات أخري ” كانت أيام مختلفة فلم نكن نتوقف بشكل يومي عن استقبال المئات من السياح الأجانب ” لافتا إلى أن أغلب الشخصيات السياسية والاجتماعية منذ الستينات وقبل ذلك كانت تبتاع الهدايا من حانوتهم “.

77777.JPG

ويتابع الحاج ” نمر الآن بفترة التحدي من أجل البقاء في ظل الحرب التي تعيشه تعز فلم يعد هناك رواجاً لما نبيع من حلي تقليدية فضية تراثية قديمة في الحصار على المدينة وقله القادمين إليها كسياحة من خارجها “.

في الجهة المقابلة من نفس الشارع في مدخل الباب الكببر كان نجل العطار الأشهر أحمد غانم العديني يقف أمام أقدم حانوت والده الأقدا والخاص ببيع العطارة والأعشاب الطبية، يقول جلال أحمد غالب”50 عام” يصل عمر هذا الحانوت الي 75 سنة وقد أسسه والدي وكان هو الوحيد في اليمن الخاص بالأعشاب الطبية العلاجية “.

داخل الحوانيت

ويحتوي الحانوت على أكثر من 60 صنف من الأعشاب الطبية كما يقول جلال يتم تجميعها من مختلف المحافظات اليمنية بالإضافة الي أصناف أجود أنواع البن اليمني والتوابل المختلفة”.

وفي حانوت لايزيد عرضه عن مترين في سوق الشنبني يجد الزائر نفسه أمام المكان الذي يزيد عمر بداية نشاطه الحرفي عن 66 عاماً.

يقول فيصل الزغروري 45 عاماً أن والده كان من أقدم تجار الأواني الفخارية والمشغولات الخزفية الخاصة بتقديم الطعام بالإضافة الي كل ماله علاقة بالأدوات الخاصة بالزراعة المصنوعة من الخشب.

9789679.JPG

ولا يزال هناك إقبال كبير على شراء الأدوات الفخارية وكذلك مايسمي “الحرض” وهي صحون صغيرة مصنوعة من الحجر تستخدم في طهي الأكلات الشعبية كما يقول فيصل مضيفاً بأنه يبيع الكثير من الأدوات الفخارية والخزفية إلى خارج اليمن.

ويتابع فيصل حديثه “كل هذه المحلات في سوق الشنيني تمثل متحف مفتوح لتراث تعز” ويضيف تم توثيق السوق بما فيه حانوت والدي في فيلم وثائقي فرنسي بالسبعينات منوهاً إلى أن هناك الكثير من الصور التي احتفظ بها والده التقطها مصورين أجانب بالأبيض والأسود في أواخر الستينات ، توثق يوميات سوق الشنيني حين كان السوق الشعبي مقصد الآلاف من السياح.

تحدي من أجل الاستمرار

واستمرارية هذة الحوانيت في البقاء بشخوصها المتوارثة للحرف القديمة وبيعها والتي تتناقل ذاكرة المدينة وتمثل عبق تاريخي لها هو تحدي كبير في ظل الأوضاع التي تعيشها اليمن حالياً من كل النواحي كما يقول الصحفي مفيد الحميري والذي يرى أن تناقص أعداد هذة الحوانيت من خلال تغيير أنشطتها التقليدية هو خطر يتهدد انقراض المهن التقليدية وبالتالي يصبح عبق تاريخ المدينة الشعبي في خطر حسب تعبيره.

99090.JPG

وحول هذا التخوف يؤكد أحمد جسار بأن فرع الهيئة العامة للآثار تدرس إعفاء حوانيت المهن التقليدية من الضرائب والتنسيق مع منظمات دولية لتأهيل شباب جدد على الحرف القديمة بالإضافة الي التنسيق مع مكاتب معنية في السلطة المحلية من أجل ترميم الأسواق الشعبية القديمة في المدينة.

ولكن يظل السؤال متي سيكون ذلك ومتى تعود هذه الأسواق والحوانيت القديمة مقصداً للسياحة كما كانت؟

مقالات ذات صلة