للنساء في اليمن.. الصحة النفسية ضربًا من الخيال

علياء يوسف

غالبا ما يتم تجاهل أو تهميش الصحة النفسية والعقلية في البلدان التي تشهد صراعات ونزاعات مسلحة إلى جانب أزماتها الانسانية والاجتماعية، وتعد الصحة النفسية أو الحصول عليها ضربًا من الخيال وجزء غير أساسي من الصحة العامة في هذه البلدان، وتصنف الصحة العقلية فيها ضمن الاجراءات الصحية الترفيهية أو الموصومة بشدة. وتعاني النساء في هذه البلدان من امراض نفسية وعقلية تصل حد الجنون والانتحار، ولا يمكنها في الوقت ذاته الحصول على العلاج والدعم النفسي لعوامل اجتماعية وثقافية تحد من حصولها عليه.

الحرب الأهلية في اليمن المستمرة منذ العام 2014 أثرت بشدة على الصحة العقلية والنفسية للمرأة اليمنية، وخلقت الأزمات المتتابعة فيها فجوات كبرى يصعب تداركها، ولكم أن تتخيلو أن المرأة البالغة اليوم من العمر ثلاثين سنة قد مرت بالفعل بأكثر من 17 نزاعا مسلحًا عوضًا عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المواتية، يقول صندوق الأمم المتحدة للسكان أن حوالي سبعة ملايين شخص في اليمن بحاجة إلى رعاية ودعم نفسي، وان التاثيرات النفسية على النساء أكبر لعدة عوامل ابرزها ان الامراض النفسية والعقلية في المجتمع اليمني “موصومة” بشكل عام وتزداد شدة الوصم لدى النساء، و وفقًا لمنظمة الصحة العالمية فأن ما نسبته 45% من اليمنيين جلهم من النساء، يعانون من الاضطرابات الناجمة عن الصدمات، يلي ذلك الاكتئاب بنسبة ٢٧ في المائة، و القلق بنسبة ٢٥ في المائة، والفصام بنسبة ١٨ في المائة، والرهاب بنسبة ٤ في المائة. هذه النسب لا تعكس الواقع بشكل كلي، غير انها بحجمها الحالي تشكل معضلة كبرى، ومع ذلك لا تحصل الكثير من النساء في اليمن على الدعم والعلاج النفسي الذي يحتجن إليه لأسباب عدة مرتبطة بالتأثيرات الاجتماعية والثقافية.

إن ما نسبته 45% من اليمنيين جلهم من النساء، يعانون من الاضطرابات الناجمة عن الصدمات، يلي ذلك الاكتئاب بنسبة ٢٧ %، و القلق بنسبة ٢٥ %، والفصام بنسبة ١٨ %، والرهاب بنسبة ٤%

تعاني المراة اليمنية من ضغوط نفسية وعقلية كبيرة نتيجة للنزاع المستمر والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وحركات النزوح المستمرة، والضغوط والقيود السياسية والاقتصادية التي تفرض عليهن، وتواجه النساء نتيجة ذلك صعوبات كبيرة في الحصول على الدعم والخدمات النفسية بسبب نقص الموارد والمرافق والأطباء النفسيين، حيث يوجد طبيب نفسي واحد لكل 700 الف مواطن، إلى جانب ذلك تتمركز غالبية النساء في اليمن في المناطق الريفية أو المدن الغير رئيسية وهو ما يمنع وجود المرافق الموفرة لهذه الخدمات كخطوة أولى، هذه العوامل تأتي إلى جانب الوصمة الاجتماعية والخوف والتمييز التي يمكن أن تواجهها النساء عند طلب المساعدة، الأمر الذي جعل من النساء الأكثر تعرضًا للصدمات والأمراض النفسية والعقلية والأقل حصولًا على الدعم والرعاية.

واحدة من أبرز التأثيرات الاجتماعية التي شكلت عقبة في حصول المرأة اليمنية على الدعم النفسي هو الوضع الأمني والاقتصادي الغير مستقر، إلى جانب قضايا العنف والاغتصاب والتهجير و حالات الاتجار بالبشر، التي شهدتها النساء خلال السنوات الأخيرة، هذه التجارب والمحطات عملت على إيجاد بيئة تسببت للنساء بصدمات نفسية وعصبية وزادت من حدة إصابة النساء بالأمراض العقلية والنفسية، واصبح الامر أشبه بالوضع الاعتيادي الذي لا يحتاج من النساء اللجوء إلى مراكز الطب النفسي، وفي حال كان للمرأة الوعي أو القدرة على اللجوء إلى فكرة الحصول على الدعم النفسي، فأنها تصدم بمنظومة الصحة النفسية في اليمن، حيث تغيب الدولة عن توفير مرافق مخصصة للصحة النفسية والعقلية في اليمن، و تعد غالبية المرافق المتوفرة في بعض المستشفيات الحكومية والمؤسسات غير كافية للقيام بدورها، عوضا على ان 95 % من المرافق المخصصة للعلاج النفسي في اليمن هي مرافق خاصة، يتم الحصول على خدماتها بمبالغ مالية مرتفعة، و تتمركز غالبية هذه المراكز في خمس محافظات فقط، ما يمنع لأسباب اقتصادية أو بسبب تمركزها في المدن الرئيسية، النساء الاستفادة من خدماتها، يأتي ذلك إلى جانب الثقافة والوعي المفقودة لدى الكثير من النساء فيما يخص الصحة النفسية والعقلية.

واحدة من أبرز التأثيرات الاجتماعية التي شكلت عقبة في حصول المرأة اليمنية على الدعم النفسي هو الوضع الأمني والاقتصادي الغير مستقر

على الجانب الآخر تواجه المرأة اليمنية تأثيرات ثقافية لا تقل عن التأثيرات والمعوقات الاخرى، بل انها في بعض الحالات كانت السبب الوحيد في الحد من حصول المراة اليمنية على الدعم والخدمات النفسية، تتمحور هذا التأثير في النظرة السلبية والتميزية للصحة النفسية وللنساء على حد سوا، حيث يعتبر المجتمع اليمني والعادات الاجتماعية المرتبطة الصحة النفسية موضوعًا محرمًا أو مهينًا، وغالبًا ما يتم نسب الامراض العقلية إلى السحر والجن أو الذنب والضعف، والبعد عن التعاليم الدينية، وبالتالي تتجنب الكثير من النساء الإفصاح والبحث عن العلاج النفسي، وغالبًا ما يلجأن إلى الطرق التقليدية والدينية لعلاج هذه المشاكل، وتعد هذه الأسباب أشد خطورة حيث يتم تشخيص المرض أو الاحتياج النفسي بنوعًا من الاعراف الدينية مما قد يزيد من حدة هذه الأمراض وخطورتها على المرأة والمجتمع، وعلى آثر ذلك قد يتم تقبل النتائج وأن وصلت للموت أو الإعاقة أو الاختلال العقلي تحت هذا التشخيص الخاطئ، جانب آخر مرتبط بالتهميش والعنف والقمع للمرأة في الأرياف و المجتمعات المتحفظة التي تحد من حرية المرأة وحقوقها، وبالتالي الشعور بالعزلة والخوف من الكشف عن مشاعرهن أو طلب المساعدة ..

هذه الحرب تستمر نتائجها الخفية في الظهور معلنة أن معركة السلاح لم تكن سوى البداية في انهيار منظومة متكاملة، يُعلن اليوم عن إصابة ربع سكان اليمن بالأمراض النفسية والعقلية جلهم من النساء، فيما يبدو ان العدد اكبر ويفوق هذه الاحصائيات، غير ان هذه النسبة المهولة مقارنة بحجم الإمكانيات المتوفرة يمكنها أن تشكل كارثة لا يمكن علاج أثرها في القريب.

( تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية، الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية )

مقالات ذات صلة