نساء يبتلعن الجمر

عدن/ سعيدة عبدالغني

تتعدّد المشكلاتُ والتحديات التي تواجه المرأة في المجتمع اليمني، وهو مجتمع يجعل من المرأة أساسا لاستقرار الأسرة وتماسكها ويتجاهل دور الرجل المشارك بذلك الاستقرار، فالمجتمع يطلب من المرأة الصمود أمام تخاذل الرجل وحماية الأسرة في الوقت الذي يقوم الرجل بتفكيكها بسبب تصرفات تتسم بالأنانية.

أمومة خانقة

صباح شابّة في العقد الثاني من العمر تصف أمومتها لطفلها بأنها الحبل الذي شُنقت به، وأوضحت ذلك بقولها: “بعد زواجنا بشهرين، أخذتُ هاتف زوجي ورأيت محادثات الواتس آب الرومانسية مع إحدى الفتيات. كتمتُ الأمر في نفسي، وقلت ربما هي من قبل زواجنا ولا بد أنه سيتركها. ذهب زوجي للاغتراب، وقتها كنت حاملا، وعند عودته كنت قد وضعت طفلي الأول. أخذتُ هاتفه لأنصدم مرة أخرى بعدد الفتيات والمحادثات. لم أسكت. وواجهت زوجي بذلك، فكانت ردة فعله باردة وقال إنه أمر عادي. كبّرتُ المشكلة، وقررتُ أن اذهب إلى بيت أهلي. قمتُ بجمع أدواتي. قال لي: إذا خرجتِ أنت، فابني لن يخرج. لا أستطيع أن أترك طفلي. من المستحيل أن أعيش بدونه. حاولتُ معه بكل الطرق، لكنه رفض، فاستسلمت وبقيت وبقيت علاقاته”.

وأوضحت أمون صالح مديرة مركز الرعاية الإجتماعية أن سبب بقاء المرأة وتقبلها لعلاقات الرجل هو خوفها من فقدان أطفالها وتشتتهم.

تهاون مجتمعي

مجتمعاتنا العربية عامة واليمنية خاصة مجتمعات ذكورية تبرّر للرجل أفعاله وتطلب من المرأة الصبر والتغاضي والتجاوز. ليلى امرأة ذات ٢٥ عاما تعاني من تطوّر علاقات زوجها قائلة: “أصعب شيء في الحياة حين تكتشف الزوجة خيانة زوجها لها. بالبداية اكتشفت علاقات زوجي عن طريق مكالمات ورسائل. كتمتُ الأمر بقلبي، وبعد فترة تطوّرت طبيعة العلاقات إلى خروجات ومقابلات. لم أستطع أن أسكت. واجهته بالأمر وأنكر، وعندما قدّمت الأدلة، اعترف وقال إنها مجرد تسلية، وتحجّج بأن السبب هو طبيعة عمله وأن زبائنه من النساء. وَعَدني بتركهن وحسّسني بالأمان، بعدها رجع بطريقة أبشع من سابقتها. أصبح هناك خروجات ومقابلات. واجهته، فقال: هذه حياتي وأنا حرّ. أوصلتُ الأمر لأهله، وكانت ردة فعلهم أنه طائش وسيعقل، والمطلوب مني التمسّك به ومسامحته. ذهبتُ إلى بيت أهلي وطلبتُ الطلاق، ولأننا في مجتمع يقدّس الرجل ويبرر له كل تصرفاته، قبِلَ أهلي اعتذاراته وأعذاره ووعوده. قلت في نفسي: يمكن أن أكون السبب في ذلك. سعيتُ لاحتوائه وملء الفراغ الذي قد يجعله يذهب لغيري، لكن الأمر ليس كما ظننت. الخلل من طبيعة الرجل الذي لا يكتفي بامرأة واحدة في حياته، فلو كان الخطأ مني، لاختار واحدة فقط تسدّ الفراغ، لكنه لم يكتفِ بواحدة أو اثنتين أو ثلاث، والمجتمع يقف في صفّه ويبرر له أفعاله”.

قلت في نفسي: يمكن أن أكون السبب في ذلك. سعيتُ لاحتوائه وملء الفراغ الذي قد يجعله يذهب لغيري، لكن الأمر ليس كما ظننت. الخلل من طبيعة الرجل الذي لا يكتفي بامرأة واحدة في حياته، فلو كان الخطأ مني، لاختار واحدة فقط تسدّ الفراغ، لكنه لم يكتفِ بواحدة أو اثنتين أو ثلاث، والمجتمع يقف في صفّه ويبرر له أفعاله”

وأوضح خبير علم الاجتماع الدكتور عبد الكريم غانم الأمر بقوله: “تزايدت حالات الخيانة الزوجية، وقلّما تبدأ بها الزوجة، فكثيرا ما يبدأ الزوج بالخيانة مستفيدًا من التقاليد الاجتماعية التي تتسامح مع خيانته، خلافًا لما تفعله مع المرأة الخائنة، كما أن المكانة التي يتمتّع بها كثير من الأزواج تغيّرت إلى حدٍ ما، عمّا كان عليه الحال قبل الحرب، إما بسبب ثراء غير مشروع وفّره اقتصاد الحرب، وإما بسبب تراجع دور بعض الأزواج في تلبية الاحتياجات المادية المطلوبة، وهو ما قد يدفع البعض لتعويض الحرمان الناجم عن إهمال الزوجة بالبحث عن اهتمام امرأة أخرى بإقامة علاقة غير مشروعة، لا سيما أن الوضع المعيشي لكثير منهم لا يسمح بتعدّد الزوجات.

“تزايدت حالات الخيانة الزوجية، وقلّما تبدأ بها الزوجة، فكثيرا ما يبدأ الزوج بالخيانة مستفيدًا من التقاليد الاجتماعية التي تتسامح مع خيانته، خلافًا لما تفعله مع المرأة الخائنة

دوافع ونتائج

يوضح محمد أسباب قيامه بعلاقات متعددة بقوله: “هناك أسباب عدّة تجعلنا نقوم بعلاقات مع نساء أخريات، منها الملل الذي يصيب العلاقة الزوجية، وعدم قدرة المرأة على التغيير والإبهار بسبب الوضع الاقتصادي، وكثرة مشاكل الحياة التي تجعل الرجل يبحث عن ملجأ آخر يحتويه، وأضاف أنه أيضا بسبب قدرة الرجل على استيعاب عدد من العلاقات”.

وأوضح الدكتور عبد الكريم غانم الأسباب بقوله: “يشهد المجتمع اليمني حالة تغيّر اجتماعي وثقافي على نحوٍ يجعل منظومته القيمية أمام اختبار عسير، وهي حالة غير مسبوقة، ولعل أكثر القيم الاجتماعية التي باتت على المحكّ هي قيمة (الشرف)، القيمة التي يوليها المجتمع أهمية قصوى. فقد تظافرت مجموعة من العوامل التي أثرت سلبًا على مستوى التمسك بهذه القيمة لدى بعض أفراد المجتمع، ومن أهمها: تطوّر وسائل الاتصال وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تأثير الحرب التي أدّت إلى تشتّت كثير من الأسر جراء النزوح والهجرة، الأمر الذي يحدّ مِن مستوى الضبط الاجتماعي الذي كانت تتكفّل به العائلة الممتدّة في المجتمعات المحلية المتجانسة، كما أدّت الحرب إلى تراجع دور الأسرة في التربية، وهو ما جعل الأبواب المغلقة مفتوحة أكثر من أي وقتٍ مضى أمام مختلف الاحتمالات، بما فيها الصُحبة السيئة، وإهمال الأزواج لزوجاتهم، وفي الوقت الذي يعتقد الرجل أن المرأة مغلوبة على أمرها وستتقبل الخيانة بصمت، لا ترى المرأة أن ثمة ما يمنعها من الانتقام بخيانة مقابلة، ليس بالضرورة أن يكون الزوج على علمٍ بها. فمن المهم أن يعلم الأزواج والزوجات على حدٍ سواء أن خيانة أيٍ منهما للآخر هدمٌ للمودة والمحبة التي قام على أساسها الزواج، وفي الحالات الطبيعية يكون الطلاق هو الردّ المناسب للخيانة، بغض النظر عمّا إذا كان الخائن الرجل أو المرأة، إلا إن بعض الأزواج يتجنّبون الطلاق لاعتبارات مادية أو اجتماعية، ومنها وجود الأطفال في حياتهم، معتقدين أن بإمكانهم الاستمرار في الزواج، لا سيما إن لم تظهر الفضيحة للعلن، لكن تأثيرات الخيانة لا تتوقف على نظرة المجتمع أو تفكّك الزواج، بل تصل إلى التأثير على شخصيات الأطفال الذين يعيشون في بيت يسوده النفاق وزيف المشاعر بين الأب والأم”.

“يشهد المجتمع اليمني حالة تغيّر اجتماعي وثقافي على نحوٍ يجعل منظومته القيمية أمام اختبار عسير، وهي حالة غير مسبوقة، ولعل أكثر القيم الاجتماعية التي باتت على المحكّ هي قيمة (الشرف)

دور المرأة

أوضح الدكتور النفسي صخر الشدادي الأسباب النفسية للظاهرة بقوله: “الأمر يقوم على شخصية الزوجة واحتوائها لزوجها، إضافة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي التي صوّرت العلاقة بين الرجل والمرأة شيئا عاديا من باب الزمالة في العمل أو الصداقة، ممّا أتاح الفرصة للجنسين لتطوير هذه العلاقات”.

وأضاف الشدادي أنه من الأسباب كذلك عدم الرضا والشعور بالنقص بين الزوجين، وأن ذلك يؤدّي إلى اختلال التوازن في العلاقة الزوجية وعدم الشعور بالأمان وخلق جو مليء بالمشاحنات يجعل من الأطراف تلجأ للبحث عن الاحتواء”.

وفي السياق ذاته أوضحت فاطمة المريسي رئيسة اتحاد نساء اليمن بعدن أن هناك شكاوى تصل للاتحاد من بعض النساء بأن أزواجهن لهم علاقات مع أخريات من النساء، وهذا يؤثر سلبا على العلاقات الأسرية والزوجية، مما يتسبّب في تمزّق الأسرة وتضرّر الأبناء من تلك المشاكل.

وهذا الموضوع يعتبر ضررا كبيرا على المجتمع كلّه، والواجب على كل زوجة الاهتمام بزوجها وعدم إهمال زوجها وربّ الأسرة والاهتمام بمتطلباته ومعرفة ظروفه خاصة، ونحن نعيش وضعا اقتصاديا معقّدا.

ودعت فاطمة إلى نشر السلام والأمان في العلاقة الأسرية والأخوية بين النساء ونشر روح المحبة وأن تكون المرأة سندا لأختها المرأة، كما أن الرجل سند لكل امرأة، ونحن لن ننجح إلا بدعم الرجل الأب والأخ والزوج، فهم عون لنا ونحن عون لهم، وإن برزت بعض الأخطاء في التعاطي مع النساء، فإنها تكاد تكون سحابة صيف سرعان ما تنجلي.

( أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية).

مقالات ذات صلة